جلب الرئيس السوداني عمر البشير عدم الاستقرار والحرب على بلاده منذ توليه السلطة قبل 22 عاماً. وهو يعلم أنه لن يكون قادراً على البقاء في منصبه لفترة أطول إذا لم يدفع بلاده إلى المزيد من الحرب، وهذه المرة مع جنوب السودان كدولة وليدة، وليس كحركة شعبية لتحرير السودان، والتي كانت تمثل الولايات الجنوبية خلال الحرب الأهلية. تراه هذه الأيام يحاول نقل مشكلاته الداخلية إلى الحدود في الوقت الذي تبدأ الامور تتحرك في العاصمة الخرطوم، في ظل دعوة مختلف القوى السياسية إلى إنهاء حكمه الدموي.

رد البشير

ماذا كان رد فعل البشير على هذا التغيير المفاجئ؟ شن حرب مرة أخرى، وهي حرب للسيطرة على إقليم هجليج الغني بالنفط والمتنازع عليه على حدود الأراضي غير محددة المعالم بين السودان وجنوب السودان بعد استيلاء الأخير على حقل نفط هناك. وهو يحاول إقناع شعبه بأنه عازم على استعادة تلك المدينة، ومع ذلك فقد كان هو نفسه الذي فرّط في الجنوب برمته منذ حوالي سبع سنوات مضت عندما كان تحت الضغط الدولي بسبب جرائمه في غرب البلاد والمحافظات الجنوبية.

وحتى الشتاء الماضي، كان جنوب السودان إقليماً يتمتع بحكم شبه ذاتي تحت العلم السوداني. وقد أظهر استفتاء أجري في يناير الماضي، ضمن اتفاق للسلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، أن الأغلبية الساحقة من الجنوبيين يريدون الانفصال عن السودان.

وفي الآونة الأخيرة، أعلن البشير أنه كان يهدف إلى إسقاط الحكومة في جوبا،عاصمة الجنوب. فهو يريد بالأساس أن يصرف انتباه الشعب السوداني تماماً عن حربه الجديدة. فهو يجبر الشباب السوداني على أداء الخدمة الإلزامية، على أمل أن فترة رئاسته التي أمضاها في الحروب سوف تساعده على تمديد حكمه لبضع سنوات أخرى.

البحث عن مهرب

يسعى البشير لإيجاد عدو في الخارج لتوحيد شعبه في الداخل. فإذا خاضت البلاد الحرب، سيكون من الأسهل على الرئيس البشير أن يهاجم منتقديه على أنهم "خونة" ويلقي بهم في السجن. لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يلعب هذه اللعبة. فقد خاض عقدين من الحروب الداخلية التي استطاع خلالها أن يضعف خصومه ويمسخ الشخصيات المعارضة الرمزية، مثل الصادق المهدي ،الذي لا يمكن أن يعارضه بعد الآن بسبب الخوف. وعندما جاء البشير إلى السلطة، تعهد بأن تكون حكومته انتقالية "للإنقاذ". ومنذ ذلك الوقت، انحدرت حياة أبناء الشعب السوداني إلى خيارين، إما أن يشاركوا في حروب النظام، أو مغادرة بلادهم.

في الوقت نفسه، قالت جماعات حقوق الانسان إن حكومة الرئيس السوداني تقوم بتعذيب المحتجين المعتقلين، مشيرة إلى أنه على الرغم من ان الاحتجاجات ظلت سلمية على نطاق واسع إلا ان تعامل الحكومة معها كان قاسياً. أخيراً، داهمت الشرطة السودانية المحتجين، وأطلق الرصاص المطاطي على المتظاهرين وتم تفريقهم بالغازات المسيلة للدموع وقمعهم. ووفقاً لإحصاءات منظمة الدفاع عن الحقوق و الحريات، فقد تم اعتقال ما يزيد على ألف شخص وترك المئات دون تضميد جروحهم. وكان من بين أبرز الشخصيات التي ألقي القبض عليها الصحافي السوداني طلال سعد، الذي كان يقوم بالتقاط الصور لصالح وكالة الأنباء الفرنسية "إيه إف بي" في الخرطوم.

 ووفقاً لروايات شهود عيان، فقد قامت عناصر مسلحة تابعة للأمن الوطني السوداني بمداهمة مكتب "إيه إف بي" وأمرت مراسلها بحذف الصور قبل اقتياده. وقالت منظمة الدفاع عن الحقوق و الحريات للصحافيين إن سعد لم يتسن الوصول إليه على امتداد 21 ساعة. وصرح مسؤول سوداني للصحافيين، أخيراً: "بلغ عدد المقبوض عليهم حوالي ألف شخص في جميع أنحاء السودان. ولا يزال هناك العديد في السجون أو في أماكن غير معلومة". وأضاف المسؤول: "لن يقولوا لكم أي شيء عن أماكن هؤلاء. كما أنكم غير مصرح لكم بالسؤال عن أماكنهم".v

إدانات غربية

 

أدانت الحكومات الغربية عمليات الاعتقال بحق المدونين والصحافيين والنشطاء السياسيين في السودان. وحض المفوض الأعلى لحقوق الانسان بالاتحاد الأوروبي الحكومة السودانية على الكف عن "القمع الحديدي" للاحتجاجات، وأن يتم إطلاق سراح من جرى اعتقالهم لممارسة حقوقهم في حرية التظاهر والتعبير عن الرأي.

واحتشد المحتجون ضد حكومة البشير في ميدان بجانب مسجد حزب الأمة السوداني المعارض في الخرطوم، الذي يتزعمه الصادق المهدي وهو رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً الذي استولى البشير على السلطة منه في الثلاثين من يونيو عام 1989، رافعين شعارات كتب عليها: "الشعب يريد إسقاط النظام". وقام المحتجون بإحراق إطارات السيارات وإلقاء الحجارة على قوات الشرطة السودانية، فيما هتف البعض بهتافات مماثلة لتلك التي استخدمها المحتجون خلال أحداث "الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا.