بعد احتفال أنصار الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي بالانتخاب الديمقراطي لأول رئيس جمهورية إسلامي في العالم العربي بصيحات "الله أكبر"، أقبلت امرأة شابة قبطية إلى طاولة القهوة الخاصة بي وقالت إنها كانت بالكنيسة للتو. وأضافت: "لم أر ذلك المكان خاوياً على هذا النحو من قبل قط". أود أن أقول إن خطاب مرسي الذي ألقاه، أخيراً،، حيث قدرت "سي ان ان" و"بي بي سي" كثيراً الرسالة التي يضمها لأنه يتناسب مع السياق الغربي بشأن الشرق الأوسط (وهي التقدمية وغير الطائفية)، كان مجهوداً واضحاً محدداً تلقى فيه الجيش مديحاً باعتباره الشرطي للمرحلة الأخيرة من الثورة في مصر.
ولكن بصراحة، سيمضي مرسي على طريق الديمقراطية المصرية مكبل اليدين والقدمين، محاطاً بالخوف والشك ومختلطاً مع عناصر نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونخبة رجال الأعمال، وبطبيعة الحال، الأقباط، في حين أن تقييد المجلس الأعلى للقوات المسلحة لصلاحيات أي رئيس لمصر. فهو ليس أمامه أي دستور ولا برلمان، وليس له الحق في قيادة الجيش في بلده.
أخطار مقبلة
ينبغي علي أي شخص يشك في الأخطار المقبلة أن يعيد قراءة التغطية الضارية للحملة الانتخابية الرئاسية في الصحافة المصرية. فقد أعلنت صحيفة "الدستور" أن جماعة الإخوان المسلمين تخطط لمجزرة إذا فاز شفيق، في حين أن صحيفة "الفجر" قالت إن جماعة الإخوان المسلمين تعتزم إقامة "إمارة إسلامية" في مصر. كما أشار الروائي جمال الغيطاني: "اننا نعيش لحظة قد تكون مشابهة لارتفاع أدولف هتلر إلى السلطة"، و لكن هذه مبالغة قد تكون أقل إساءة إذا لم يكن الرئيس المصري الراحل أنور السادات في وقت من الأوقات جاسوساً لرومل.
من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين يتعين عليها الاحتراس. فسعد الكتاتني، رئيس البرلمان المنتخب ديمقراطياً قصير الأجل، والذي قام المجلس العسكري بحلّه، أخيراً، أصر على أن مصر لن تشهد "حرب الجزائر" حتى لو أضفى الجيش طابعاً قانونياً على سلطته الحصرية تقريباً للسنوات المقبلة. عندما ألغى الجنرالات في الجزائر الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت في عام 1991، لأن الإسلاميين فازوا بها، أشعلوا حرباً ضد خصومهم السياسيين خلّفت 200 ألف قتيل. وقال الكتاتني: "الشعب المصري مختلف، وليس مسلحاً، إننا نخوض النضال القانوني من خلال النضال الشعبي السلمي".
قد يكون المصريون مختلفين عن أبناء عمومتهم الجزائريين، إما كونهم غير مسلحين فإن هذا أمر مختلف تمام. وقد سقطت جماعة الإخوان نفسها، على حد تعبير الصحافي المصري عمرو عدلي "في شبكة الفخ القانوني والإجرائي التي نصبها الجيش".
سلب السلطات
بالنسبة للجيش، فقد أغلق البرلمان واستولى على الميزانية وأصدر مرسوماً دستورياً مؤقتاً يسلب معظم سلطات الرئيس المنتخب مرسي ويعيد تقديم الأحكام العرفية، دون أن ينسى عدم الوفاء بوعده بترك السلطة عقب الانتخابات الرئاسية، لذا فقد برزت ظاهرة غريبة لكنها غير معتادة في مصر، وهي الخوف من الأجنبي. فقد حثت قنوات البث العامة، المباركية في حماقتها، المصريين على توخي الحذر فيما يقولون أمام الأجانب. فالكاميرات في أيدي الأجانب ينظر إليها على أنها آلات للتجسس. ووصف منتجو الأفلام المصريون خلال لقاء لهم في باريس، أخيراً، كيف أن "صنع صورة" شعبية خلال ثورة العام الماضي يجري طمسها في الوقت الذي تزداد حالة عدم الثقة.
يجري الاستخفاف بالقانون المدني على امتداد مصر. ففي منطقة الدلتا، على سبيل المثال، انتشر وباء مواقع البناء غير القانونية على امتداد الأراضي الزراعية، حيث بلغت 5 آلاف وحدة، أخيراً، وفقاً لما ذكره مزارعون، بعدما ورد أن أحمد شفيق، منافس مرسي ورئيس الوزراء الأسبق في عهد مبارك، قال إن "الذين قاموا ببناء منازل مخالفة للقانون على أراضي زراعية سوف يتم تعويضهم وتقنين وضعهم". ونظراً لأن الأراضي الزراعية المصرية تضيق مساحاتها كل عام، فإن هذا يعني، على حد تعبير أستاذ مصري في الهندسة الزراعية "جريمة ضد جميع المواطنين".
الربيع الغائب
بالنسبة للثوريين "الحقيقيين"، وهم الشباب الثائر ضد الرئيس المصري السابق مبارك في العام الماضي، فإنهم سوف يضطرون إلى التواصل مع الفقراء في مصر الذين صوتوا لصالح مرسي، والتخلي عن كثير من شعاراتهم. كان الناشط اليساري التونسي حبيب عايب هو الذي قال لصحافي مصري، أخيراً، إن الذين وصفوا ثورة بلاده على أنها "ثورة الياسمين" لم يدركوا أن الثوريين الأصليين في منطقة سيدي بوزيد التونسية ربما لم يسبق لهم أن رأوا الياسمين في حياتهم. وهناك العديد من المصريين اليوم الذين يعتقدون أنهم لم يروا "الربيع العربي" أبداً.
