قبل سيطرة الجيش المصري، أخيرا، على السلطة، كان التفاؤل بشأن الانتفاضات العربية قد وصل إلى مستوى منخفض. بالنسبة للكثيرين، تحول "الربيع العربي" منذ مدة طويلة إلى "شتاء عربي"، في الوقت الذي اختطفت أعمال القمع الوحشية والثورة المضادة الضغط الشعبي المطالب بالحقوق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أو عملت على تحويل مساره. التدخل الأجنبي في ليبيا خلّفها في حالة من الفوضى، واجتاحت سوريا حرب طائفية، وتُركت اليمن بتغيير شكلي في حين أن الولايات المتحدة تصعّد الهجمات بالطائرات الموجّهة عن بٌعد، ولايزال يتم قمع الاحتجاج بوحشية في أماكن أخرى متفرقة من المنطقة.

بعد أن تخلى المجلس العسكري عن الرئيس المصري السابق الدكتاتور حسني مبارك، قام بتنفيذ عمليات سجن وتعذيب بحق الآلاف للبقاء في السلطة. وبدت تونس وحدها هي التي تجري تحولاً ديمقراطياً. ولا عجب أن الاستخبارات البريطانية رسمت صورة قاتمة، أخيراً، من خلال إصدار تحذير من أن تأثير تنظيم القاعدة ينمو في بيئة عربية "متساهلة" جديدة.

أسوأ المخاوف

بالنسبة لبعض الأطراف، يؤكد انتخاب رئيس إسلامي من جماعة الاخوان المسلمين المصرية أسوأ مخاوفهم. فقد عنونت أكثر الصحف الإسرائيلية مبيعاً، وهي صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تقريرها عن فوز محمد مرسي قائلة: "ظلام في مصر". في الواقع، أية انتخابات حرة في مصر (ومعظم الدول العربية الأخرى) جرت في السنوات الأخيرة كانت ستفرز رئيساً إسلامياً، وعندما كان البديل الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق في عهد مبارك، والذي غادر البلاد، أخيراً، على ما يبدو فراراً من تحقيقات بالفساد، فإن أية نتيجة أخرى كان يمكن أن تكون مدعاة للسخرية.

الأمر الأكثر خطورة هو أن النظام العسكري قام بحلّ البرلمان واحتفظ لنفسه بسلطات واسعة مما يهدد بتحويل الرئيس المنتخب إلى رئيس صوري بلا أنياب، في الوقت الذي يحمي القادة العسكريون مصالحهم الاقتصادية الواسعة ويحتفظون بحق الاعتراض في مجالات الدفاع والأمن والموازنة العامة للدولة وتعديل الدستور.

يريد الاخوان المسلمون محاكاة نموذج تركيا في الديمقراطية الإسلامية. لكن القادة العسكريين في مصر يفضّلون بوضوح الممارسة التركية "أقدم" المتمثلة في سيطرة "الدولة العميقة" من وراء واجهة برلمانية، حيث يتم تحميل السياسيين المنتخبين المسؤولية عن الاقتصاد، بينما يتحمل الجيش البقية.

مصداقية مدمرة

لو استمر هذا الوضع، فإنه سيكون المسمار الأخير في نعش التغيير الديمقراطي في مصر ومنطقة الشرق الأوسط على نطاق أوسع، التي تعتبر مصر هي محورها. كذلك فإن من شأن ذلك أن يدمر مصداقية جماعة الاخوان المسلمين التي لديها سجل صفقات غير فاعلة أبرمت من وراء الكواليس مع المؤسسة العسكرية. يوجه معارضوها الآن الاتهام إليها بالوقوع في الفخ نفسه مرة أخرى، في حين يصر مؤيدوها على أن الخطوة ليست في صالح التسوية بأي حال.

الطريقة الوحيدة الفعالة لتحقيق النجاح بالنسبة للرئيس الجديد هي تعزيز قاعدته، بضم القوى العلمانية والتقدمية المناهضة للنظام إليها (بما في ذلك العديد من نسبة الـ 22٪ الذين ساندوا المرشح اليساري السابق للرئاسة حمدين صباحي) لمواجهة المجلس العسكري في ما يتعلق بالقضايا الديمقراطية الجوهرية. لقد فاز مرسي بانتخابات الرئاسة على وجه التحديد لأنه وقف في وجه المجلس العسكري كزعيم وطني. هذا هو ما يتعين عليه القيام به مرة أخرى، ويبدو أن الإعلان، أخيراً، عن انه سوف يختار نائبين للرئيس أحدهما قبطي والآخر امرأة يظهر أن المعتقل السابق في عهد نظام مبارك قد استوعب الدرس.

تم تصوير الاخوان المسلمين منذ فترة طويلة باعتبارهم متطرفين رجعيين. إنهم في واقع الأمر حركة شعبية حقيقية، تحظى بتأييد اجتماعي واسع وبداخلها تيارات محافظة وتيارات أكثر تقدمية. جاء قادتهم على الأغلب من المهنيين بالطبقة المتوسطة، ولكن غالبا ما يتم التعامل مع نشطائها بازدراء مغرور من قبل النخب الليبرالية، وهو ما تبرزه ردود الأفعال المتسمة بالازدراء على شبكة الإنترنت تجاه ظهور نجلاء علي زوجة مرسي.

حماية حقوق المرأة والحقوق المدنية الأخرى وتقدمها هو أمر ضروري. ولكن هناك خطر واضح في مصر وغيرها يتمثل في أن "المعسكر الثوري" يمكن أن يحيد عن مساره إلى حروب على النمط الأميركي حول الدين والعلمانية، على حساب المعركة من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والاستقلال الوطني التي ستحقق أكبر الفرق بالنسبة لمعظم المصريين.

هناك حوالي 40٪ من السكان يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، في الوقت الذي يقترب صندوق النقد الدولي من هذا النوع من الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تجعل الأمور أكثر سوءاً بالنسبة لمن يشرفون على الهلاك. وتشمل تلك الإجراءات عملية الخصخصة التي يتعهد الاخوان مواصلتها، والتي حظيت بالاستحسان من جانب المسؤولين الأميركيين لكونها تعبر عن "جميع الأمور الصحيحة على الجانب الاقتصادي"، على الرغم من برامجها الاجتماعية. ولكن لو أن الاخوان لم يقدموها لمؤيديهم، فإن ذلك سوف يفضي إلى الانقسام أو السقوط.

 

قلق غربي

 

تشعر القوى الغربية بالقلق بشأن السياسة الخارجية للإسلاميين، وموقفهم من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، المضمونة من قبل المجلس العسكري وبالمعونة البالغ قيمتها 1.3 مليار دولار أميركي سنوياً. لقد حظيت جماعة الاخوان المسلمين بمساندة الولايات المتحدة في مواجهة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في الماضي، وتقوم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حالياً بتقديم أسلحة إلى المعارضة السورية، التي تعتبر جماعة الاخوان المسلمين في سوريا عنصرا رئيسياً منها.