فيما كان مؤيدوه في ميدان التحرير يهتفون مطالبين بنهاية حكم العسكر في مصر، كانت الكلمات المتوهجة للرئيس المنتخب للبلاد، دكتور محمد مرسي، موجهة لهذا الجيش نفسه، حيث قال إنه يكن له "حبا من القلب لا يدري به أحد إلا الله".
وملاحظات مرسي خلال خطابه الأول إلى الأمة بعد إعلان فوزه كانت بمثابة اعتراف بدوره الجديد المتغير، فلقد انتقل من كونه ممثلا لجماعة إسلامية محظورة إلى قائد للأمة ورئيس للمفاوضين باسم الشعب مع أعضاء المجلس العسكري الذين تولوا السلطة بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير عام 2011.
ومرسي بوصفه أول رئيس منتخب لمصر بشكل حر، لديه فرصة تاريخية، لكنه يواجه لائحة مطولة من التحديات التي يمكن أن تمنعه من أن يصبح اكثر من مجرد رئيس صوري. ويتعين عليه إجراء مناوشات مع أعضاء المجلس العسكري الأعلى الذين جردوا الرئاسة من الكثير من السلطات مباشرة بعد الانتخابات، كما يتعين عليه التغلب على الشكوك التي تنتاب أولئك الذين اختاروا خصمه، والبالغ عددهم حوالي نصف الناخبين، إلى جانب الملايين من الناس الذين لم يصوتوا.
مهام فورية
ومرسي سيكون عليه أيضا إقناع المصريين بأنه يمثل أكثر من مجرد مصالح جماعة الإخوان المسلمين، ويهدئ مخاوف الكثيرين الذين يرون هدفه الحقيقي يتمثل في ربط فكرة المواطنة نفسها بشكل وثيق مع الشريعة.
يقول محمد حبيب، نائب الرئيس السابق للإخوان المسلمين الذي عمل مع مرسي: "التحديات هائلة، والجميع يراقب ما يحدث تحت المجهر".
وعندما سئل عما إذا كان مرسي يملك ما يتطلبه الأمر للتغلب على هذه التحديات أجاب حبيب: "إنه لا يملك ذلك".
ومرسي المهندس البالغ من العمر 60 عاما والحائز على دكتوراه في علوم المواد من جامعة ساذرن كاليفورنيا، قام بتعليم مادة الهندسة في كلية أخرى في كاليفورنيا، وفي جامعة الزقازيق في دلتا النيل.
ولقد تم اختياره بوصفه مرشح الصدفة الفاقد للبريق، بعد إقصاء الاختيار الأول لجماعة الإخوان، وهو المهندس خيرت الشاطر، لعدم أحقيته في الترشح. ومرسي متزوج وله خمسة أولاد كبار، ويعرف عنه أنه محافظ وولاؤه الأول للجماعة، والمنفذ لسياسة الجماعة التي تحتمل معارضة داخلية محدودة. وخلال حملته، قدم نفسه كمدافع عن القيم الدينية في لحظة، وكمعتدل يخطب ود الليبراليين في لحظة أخرى، ولقد فعل القليل لصقل سمعته.
يقول الزميل في مركز بروكينغز شادي حميد: "مرسي هو مصادفة في التاريخ، فالرجل غير بارز بشكل عام، واعتقد أن السؤال الحقيقي هو هل بإمكانه أن يتغير؟".
الاختبار الأول
والاختبار الأول لرئيس مصر المنتخب، محمد مرسي، سيأتي على الفور. فقد قال قادة جماعة الإخوان المسلمين إن ألوف المؤيدين لهم ماضون في الاعتصام في ميدان التحرير إلى أن تجري إعادة مجلس الشعب، الذي حله المجلس العسكري أخيرا. وقال قادة العسكر إنه ستجرى انتخابات لمجلس جديد، على الرغم من أن أولئك الذين جرت الإطاحة بهم تسلموا مقاعدهم في يناير الماضي. وأخيرا، طرح مرسي التحدي الأول على العسكر قائلا إنه سيؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب الذي جرى طرد أعضاؤه. وكان قد خدم كرئيس للهيئة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين.
ومع الأخذ جانبا مشكلات مصر المستنزفة كليا، لا سيما اقتصادها المتداعي، فإن مرسي سوف يواجه تحديات محددة في إدارة الحكم، لا سيما تجنيد شركاء من أحزاب أخرى كانوا ممانعين للعمل مع الإخوان، والتعامل مع بيروقراطية دولة مثقلة بالأعباء أورثه إياها الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وسيخضع مرسي لعملية تدقيق مكثفة في علاقاته مع جماعة الإخوان المسلمين. فقد استقال من الجماعة أخيرا، لكن كثيراً من الناس يعتقدون بأن السنوات التي أمضاها في الجماعة تعني أن روابطه معها لا زالت قائمة. ولم يتخذ مرسي خلال حملته قراراً مهماً من دون موافقة مكتب الإرشاد التابع للإخوان المسلمين. ويعد المهندس خيرت الشاطر، القائد الاستراتيجي للجماعة مؤثرا بشكل خاص، وهو الذي أدى إقصاؤه عن الترشح إلى خوض مرسي الحملة الرئاسية.
توتر داخلي
يقول حميد: "لديه فرصة ليصبح رجلا مستقلا بذاته، لكن عليه أن يبعد نفسه عن جماعة الإخوان، وسيبدأ مرسي عند نقطة محددة في اتخاذ قراراته، وعاجلا أم آجلا، سيكون هناك توتر بين الشاطر ومرسي".
ويطرح حبيب الأمور بفظاظة: "يجب أن يكون مستقلا كليا، ولا يوجد خيار آخر".
وفي خطابه، أخيرا، لم يذكر مرسي جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أنه مد يده إلى المسيحيين الذين شكلوا دعامة التأييد لمنافسه، الفريق احمد شفيق. مرسي الذي قال إن النساء وغير المسلمين يجب أن لا يخدموا كرؤساء، حاول مجددا أن يزيد من جاذبيته، حيث قال: "نحن المصريين مسلمين ومسيحيين سنواجه معا الفتن والمؤامرات التي تستهدف وحدتنا الوطنية".
أولويات ملحة
يقول محمد حبيب، نائب الرئيس السابق للإخوان المسلمين الذي عمل مع رئيس مصر الجديد محمد مرسي: "الأمر لا يشبه إدارة حزب أو جماعة، بل شيء كبير جدا". ويضيف قائلا إنه سيتعين على مرسي نشر "الخطاب التوافقي" لإقناع مرشحي الرئاسة السابقين مثل اليساري حمدين صباحي، أو القيادي السابق بالإخوان المسلمين دكتور عبد المنعم أبو الفتوح، للعمل معه، يقول: "سيتعين عليه تعزيز علاقاته وإعادة ثقة الأحزاب الوطنية به، وإلا فإنهم سيسببون له المتاعب ويسحبون السجادة من تحت قدميه".
