ليبيا تواجه الخيار الصعب بين سيناريوهين كئيبين

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطلقت الحملات على نحو محتدم لمواكبة الانتخابات البرلمانية الليبية، كما توقع الكثير من المراقبين، أخيراً. ولا يتردد عدد من المحللين السياسيين في تأكيد أن التحدي الأكثر خطورة للحكومة المركزية في ليبيا هو بنغازي التي اندلعت فيها الثورة في فبراير من العام الماضي. وشأن مصراتة، فقد أجرت بنغازي انتخاباتها الخاصة في وقت سابق من هذا العام، وشأن مصراتة أيضا فإن مجلس المدينة المنتخب يعكف على الإمساك بمقاليد السلطة على حساب الحكومة المركزية.

ويرغب البعض في بنغازي في المضي قدماً في هذا الاتجاه، فالمدينة كانت تقليدياً عاصمة لثلث ليبيا، والكثير من مواطنيها لا يشعرون بالسعادة حيال حصول إقليمهم على 60 مقعدا فقط من إجمال المقاعد المئتين التي ستخاض الانتخابات بشأنها، ولا يتردد ما يسمى "مجلس برقة" في الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات الوطنية ما لم تحصل المدينة على شريحة أكبر من المقاعد الانتخابية. وتعد بنغازي مكاناً جيداً لاستشعار النبض المستمر للثورة الليبية، حيث تبادر مجموعات من المتطوعين الشبان إلى جمع القمامة والاعتناء بالشوارع وتحديد معالم الطرق الرئيسة باللون الأبيض، وهو الجهد الذي يحظى بتقدير أبناء المدينة.

ويشير الكثير من أبناء بنغازي إلى أنهم لا يريدون الاستقلال ولكن يريدون الديمقراطية، ولا يتردد أحد الناشطين في القول: " لقد تخلصنا من القذافي ولكننا لم نتخلص من النظام، وهو يشير في هذا الصدد إلى السرية التي تحيط بأعمال المجلس الوطني الانتقالي، الذي على الرغم من أنه وعد بالديمقراطية، فإنه يحيط اجتماعاته بالسرية، بل ويرفض الإعلان عن أسماء أعضائه بالكامل.

صدمة وذهول

وعندما يعلن المجلس الانتقالي مراسمه فإن الليبيين كثيراً ما يصابون بالذهول، فأخيرا أصدر المجلس القانون رقم 37 الذي يغرم انتقاد ثورة 17 فبراير، وقد عقبت منظمة "هيون رايتس ووتش" على هذا القانون بانتقاده كلمة فكلمة، وقالت إنه يشبه حكماً يصدره القذافي بمنع الانتقال.

وقد أشار رئيس الوزراء الليبي عبد الرحمن الكيب، أخيرا، إلى أن القانون سيلغى عما قريب، ولكنه لم يوضح لماذا أصدرته الحكومة الليبية في المقام الأول.

وقال مسؤول في إحدى السفارات الغربية في طرابلس في معرض التعقيب على القانون: " إن المجلس الوطني الانتقالي لا يقصد التصرف بهذه الطريقة، ولكن أعضاءه لا يعرفون أي طريقة أخرى".

ويذكر أن المجلس كان قد استولى على السلطة في غمار الفوضى التي واكبت الثورة في بنغازي العام الماضي، وتولى رئاسته مصطفى عبد الجليل، وهو قاض يعد السياسي الوحيد في ليبيا الذي يتمتع بتأييد واسع النطاق. ويجيء هذا التأييد للتأثير الذي أحدثه مصطفى عبدالجليل عندما استقال من منصب وزير العدل في حكومة القذافي في عام 2010، وأعلن ذلك في بيان تلفزيوني، وهو أمر غير معهود في ظل الأنظمة الدكتاتورية، ولكن نجمه يشرع في الخفوت مع انقسام الليبيين حول ما إذا كان يتحمل المسؤولية عن الصرامة التي يتصرف بها المجلس ، أم أنه أضعف من أن يوقفها.

ثم يأتي التاريخ ليعلن حضوره، فليبيا دولة حديثة التكوين أطلق عليها محتلوها الإيطاليون هذا الاسم في عام 1934 فحسب، وقبل ذلك كانت تتألف من ثلاثة أقاليم منفصلة، هي طرابلس وبرقة وفزان.

وهناك أحاديث تبدأ ولا تنتهي في المدن التي انطلقت منها الثورة حول انتفاضة ثانية، ولكن الأسلحة المختارة ليست البنادق، وإنما هذه المرة صناديق الاقتراع، حيث تم الإسراع بانتخابات مجالس المدن، بينما لا تزال السلطة المركزية مترددة في ما يتعلق بالانتخابات الوطنية، وقد بادرت المجالس البلدية إلى الإمساك بمقاليد السلطة. ويرى بعض المراقبين أنه إذا مضت الانتخابات الوطنية قدماً فإن كل شيء سيكون على ما يرام، أما إذا لم يحدث ذلك فإن بنغازي سوف تعود إلى إدارتها الخاصة.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما هناك الميليشيات، وليس هناك مجال أخفقت فيه الحكومة في إقناع الليبيين بحسن نواياها قدر موقفها من قوات الأمن، ففي الوقت الحالي يعهد الأمن إلى جندرمة وطنية قوامها 60 ألف رجل، وقد انضم إليها بشكل جماعي الثوار والجنود الذين كانوا في صفوف وحدات القذافي سابقا، ولكن جيشي مصراتة والزنتان لا يثقان بهذه القوة.

قلق من المستقبل

وفي غضون ذلك، يعرب الدبلوماسيون في ليبيا عن قلقهم من التطورات المستقبلية، وفي أول دراسة معمقة نشرت حول الميليشيات الليبية، يقول برايان ماكوين الباحث بجامعة أكسفورد إن المليشيات في مصراتة والزنتان منظمة ويسودها الانضباط. ومصراتة وحدها تضم أقل قليلا من نصف وحدات الميليشيا في ليبيا، وبها أكثر قليلا من نصف أسلحة ليبيا الثقيلة ، بما في ذلك 820 دبابة.

يتوقف الكثير على الانتخابات في ليبيا، فإذا حاول المجلس الوطني الانتقالي تزويرها أو استخدام أنصاره بالوكالة للتشبث بالسلطة، فإن ليبيا ستواجه متاعب حقيقية. وفي أفضل الأحوال فإن المدن التي تصدرت الثورة ستمضي في طريقها وتوجد شبكتها الإدارية الخاصة، وعندئذ سيسود كابوس اقتصادي، أما في أسوأ الأحوال فإن الأمر كما عبر أحد عنه أحد قادة الميليشيا في بنغازي: " إذا لم تعجبنا الحكومة الجديدة، فإننا أصبحنا الآن نعرف كيف نقوم بالثورة".

 

 

 

مؤشرات عدة

 

 

تتعدد المؤشرات إلى أن الانتخابات الوطنية لا تمضي في السياق المطلوب على وجه الدقة، وقد تجسد ذلك بوضوح في تأجيلها.

كما تتعدد المشكلات التي تواجهها ليبيا، فالشركات الأجنبية لا تزال تحجم عن العمل فيها، حيث تخشى من الغموض الذي يهيمن على العديد من أوجه الحياة فيها، وفي الوقت نفسه تظل البطالة مرتفعة، ولا يحصل مستحقو الأجور والمعاشات على ما هو من حقهم. وتتعدد أكوام القمامة في العديد من أرجاء ليبيا، بما في ذلك أمام بوابات قصر باب العزيزية.

Email