تغوص سوريا أعمق في الحرب الأهلية التي قيل لنا إنها ستندلع إذا تدخلت أميركا وحلفاؤها في سبيل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. وعلى هذا الأساس بقي الغرب بعيدا، لكن القتل تضاعف ليشمل أربع مجازر في أسبوعين على أقل تقدير، وتقوم روسيا الآن بتصعيد مساعدتها العسكرية إلى نظام الأسد بمروحيات هجومية، مما يعني أنه حتى "القيادة من خلف" كانت أفضل مما يجري الآن.
وأخيرا، مضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قدماً في تدخلها الكلامي، وكشفت عن أن الأميركيين "قلقون حول المعلومات الأخيرة التي وصلتنا بأن هناك طائرات هليكوبتر هجومية في طريقها من روسيا إلى سوريا". ولقد رد وزير الخارجية الروسي بالقول إن أميركا تسلح دولا أخرى في المنطقة.
دلائل مادية
وروسيا هي نفسها التي حمت الأسد من أخف عقوبات للأمم المتحدة، وقد يتذكر القراء أن كلاً من روسيا وسوريا كانتا الدليلين الماديين لسياسة أوباما بشأن الانخراط مع الدول التي كان يفترض أنها تختلف فقط مع أميركا لان ديك تشيني كان نائبا للرئيس الأميركي السابق. وبعد اربع سنوات، تبقى سوريا في المنطقة في حين روسيا الشهيرة بـ "إعادة تشكيل" علاقاتها، كما في السابق، تلجأ إلى الفيتو الخاص بالحرب الباردة ضد تحرك غربي جماعي.
وفي غضون ذلك، دعا وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس مجلس الأمن لوضع وقف اطلاق النار الخاص بالمبعوث الأممي إلى سوريا كوفي عنان موضع التنفيذ، وذلك من خلال القوة العسكرية إذا لزم الأمر. والروس والصينيون بإمكانهم أن يطرحوا الفيتو ضد أي تحرك أممي، ولا شك في انهم سيرتعدون تجاه الإدانة الأخلاقية التي ستلي ذلك في افتتاحيات الصحف الغربية التي لا زالت تعارض التدخل الأميركي.
والحقيقة هي أن الأسد وحماته لن يقبلوا أي وقف لإطلاق النار أو خطة سلام إلا سلام القبور لمعارضيه، وهذا قتال وجود وبقاء من قبل نظام قاس مدعوم من قبل أنظمة أقسى منه. والأسد لن يقبل بـ "الانتقال السياسي"، وهو التعبير السياسي المنتقى من قبل كلينتون تجاه سوريا، إلى أن يجري طرده بالقوة.
تصور أميركي
والأسد يمكنه رؤية أن أوباما لا رغبة لديه في التدخل عسكريا لوقف المجزرة. وهذا التصور بحد ذاته يطلق يد دمشق في تنفيذ المجازر، وهناك سيناريو شبيه جرى في البوسنة في تسعينات القرن الماضي، إلى أن تدخل "ناتو" بضربات جوية أنهت الحرب.
وموقف الإدارة الأميركية المعبر عنه ضد التدخل العسكري هو أنه سيجعل الوضع الإنساني في حالة أسوأ مما هي عليه، وهناك أيضا الخوف من أن أميركا لا تعرف بما فيه الكفاية حول المعارضة السورية وما يمكن أن تفعله إذا ما وصلت إلى السلطة. لكن كما حصل مع الرئيس الصربي الأسبق سلوبودان ميلوسيفيتش في صربيا، فإن من الصعوبة تخيل كيف يمكن أن تكون سوريا تحت القيادة الجديدة في وضع أسوأ بالنسبة للمصالح الأميركية من جماعة الأسد.
إذا كان الواقعيون على حق، فإن إسقاط نظام الأسد هو نصر استراتيجي لأميركا. ومن جهة أخرى، إذا تمكن الأسد من البقاء في السلطة، فإنه سوف يكون مدينا أكثر لفضل روسيا، وأكثر ميلا لإثارة المشكلات للبنان وتركيا. وإذا بقي، فان باقي سكان المنطقة والعالم، سيدركون أنه فعل ذلك على الرغم من الدعوات المتكررة لكن غير الفعالة من قبل أميركا بضرورة خروجه من السلطة، وستكون مصداقية أميركا ونفوذها في وضع ضعيف.
قوة الإقناع
التدخل في سوريا لا يعني تكرارا للحرب في العراق، فحملة جوية على مثال البوسنة تستهدف الوحدات النخبة العسكرية السورية قد تدفع بهيئة الأركان لإعادة النظر في ازدرائها للرأي العام الدولي، وربما لولائها لعائلة الأسد، وعلى أقل تقدير، فإن إقامة نوع من الملاذ الآمن داخل سوريا سوف ينقذ الأرواح في الحدود الدنيا.
وأفضل ذريعة ضد التدخل عند هذه النقطة هي الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه. فلا يستطيع إلا رئيس للولايات المتحدة الأميركية قيادة تحالف الراغبين والمستعدين خارج الأمم المتحدة، كما أنه هو فقط بإمكانه إقناع الشعب الأميركي بذلك، لكن من الواضح أن أوباما لا يريد ذلك. وقيادة خجولة غير واثقة من نفسها جعلت الحملة الليبية تأخذ وقتا أطول، وتبدو أصعب مما يفترض أن تكون عليه، وسوريا ستكون أكثر صعوبة.
أوباما يريد كابوسه السوري أن يزول قبل الانتخابات الرئاسية، ويمكن أن يحصل هذا الأمر مع طائرات الهليكوبتر الروسية ومع استمرار سفك الدماء.
