ماذا يحصل عندما يجري استبدال نظام وحشي ليحل بدلاً منه كيان غير معروف إلى حد بعيد؟ الدليل المادي الأول في هذا الصدد هو ليبيا. بعد فترة وجيزة من إصابة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي برصاصة في الرأس، استولى «الثوار» على السلطة وأعلنوا على الفور تطبيق الشريعة الإسلامية، إنها البداية، على ما أعتقد، لكن بداية ماذا بالتحديد لا أحد متأكد تماماً. وأخيراً، برزت مجموعة من «الثوار» الليبيين لتحل محل الثوار القدامى، وسيطرت على مطار طرابلس، وحولت مسار حركة الطيران. وهي كاللعبة التي كلما حاولت التخلص في إطارها من شيء تجده يتكاثر: اضرب واحداً، فيبرز خمسة مكانه.

يمكن لهؤلاء أن يستعيدوا هدوءهم ويتمرسوا تدريجياً في ممارسة الديمقراطية، أو يمكنهم أن يبقوا مجموعة من التيارات القبلية تتقاتل على التفوق من الآن إلى ما لا نهاية. وكلما كان هناك تدخل غربي معني بتغيير الأنظمة، كما كان الوضع مع «ناتو» في ليبيا، يجب أن تكون هناك مسؤولية أخلاقية معينة تستدعي البقاء في الجوار حتى تستقر البلاد، وبشكل مثالي فيما يخص التطور الاقتصادي واستخراج الموارد الطبيعية والتجارة.

قضية خاسرة

والتدخل من دون خطة داعمة للاستقرار أو ما هو أسوأ، كما هي الحالة في أفغانستان، بالسماح لمصدر زعزعة الاستقرار والفساد الجاريين بالنمو والانتشار، كما حصل مع حقول الأفيون وتجارة المخدرات، ومن ثم إعلان المكان قضية خاسرة، يجعل التدخل أمراً لا طائل منه. وإذا كانت القضية خاسرة، وإذا لم تكن بسبيلك إلى تغيير شيء، فلماذا تزعج نفسك عندئذ؟ لمجرد استبدال دكتاتور ليحل محله مؤقتاً مجموعة من الدكتاتوريين المحاربين الساعين للسلطة؟ ويجدر أن تكون هناك عوائد اقتصادية مهمة لأي من هذه التدخلات لكي تكون جديرة بالاهتمام، لكن أياً من هذه العوائد لن تعود للغرب عندما يضرب ضربته ويلوذ بالفرار.

وهذا يعود بنا إلى الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يقرأ حالياً دور القذافي في الفصل الأول من المسرحية نفسها التي شهدناها السنة الماضية. وأخيراً، دعت المعارضة السورية التي تقاتل ضد قوات الأسد إلى حماية الأمم المتحدة بـ «منطقة حظر طيران»، وهو بالتحديد ما حصل في ليبيا قبل توسيع المهمة إلى أبعد من أهدافها الأصلية، حيث تفككت الحماية الجوية بسرعة إلى صراع على الأرض. ومن غير المرجح أن تخدع كل من روسيا والصين مرة ثانية، خصوصاً بعد أن كانتا مترددتين في المرة الأولى.

وللإجابة حول التساؤل حيال توقيت التدخل العسكري الأميركي في سوريا، نقول إنه يجري حالياً. ولهذا كان هناك قتال على مدى الشهور الـ 15 الأخيرة. إنها ليست مثل القبضة الحديدية لدكتاتور وقد اهتزت فجأة من دون نوع من الدفع الخارجي.

وكما أوضحت وثيقة لويكليكس في فبراير الماضي، عندما جرى الحصول من خلال قرصنة على الكمبيوتر تحت اسم «أنونيموس» على اتصالات البريد الإلكتروني لشركة استخبارات خاصة تدعى «ستراتفور»، فإن أميركا كانت بشكل غير رسمي في كل أنحاء ليبيا، في الوقت الذي كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يتبجح بأن أميركا لم يكن لديها رسمياً أي وجود لقوات على الأرض، طبعاً ليس بالزي الرسمي على أقل تقدير.

وفي إحدى رسائل البريد الإلكتروني، تسأل ستراتفور: «أنتم تقدمون المساعدة للمعارضة؟» فيجيب أحد المتعهدين بتعيين حكومي داخل ليبيا قائلاً: «بالتأكيد، فهم يحتاجون إليها، وبناء على طلب لجنة «حكومية أميركية» والـ «الثوار»، نحن موجودون هناك منذ إعلان منطقة حظر الطيران».

حماية أمنية

وبالرجوع بسرعة إلى سوريا، فقد أصدر موقع ويكيليكس رسائل إلكترونية تعود إلى ديسمبر 2011، حيث ممثل شركة خاصة أميركية يوصف من قبل «ستراتفور» بأنه «ينوي تقديم خدماته للمساعدة في حماية أعضاء من المعارضة، كما كان جارياً في ليبيا»، ويقول بالإضافة إلى ذلك إن كيانات غربية خاصة أخرى سوف «تتصل بالمعارضة السورية في تركيا»، وأن «المهمة الحقيقية تتمثل في كيفية المساعدة في تغيير النظام».

هكذا إذاً تجري الأمور. فجهود التدخل قد بدأت، ويمكن أيضاً لفلفتها حالما يحين وقت القيام بأي شيء حيالها بشكل رسمي. يبدو أننا دخلنا حقبة جديدة من الحروب، حيث المشكلة يمكن حلها على الدوام من خلال التدخل غير الرسمي، أو كما يعرف مجازاً بالتدخل «الأمني»، كل هذا فيما الشعب مشغول بالأنين من عدم وجوده، تماماً مثل طفل في عيادة طبيب يتألم من حقن إبرة في ذراعه فيما كان قد سحب الدم أصلاً.

ربما يحصل الأميركيون على نوعية الحروب التي يستحقونها، حروب سرية تلتف على نوع الشكاوى الذي أوجدته التدخلات العسكرية منذ مدة قصيرة. والجانب السلبي يتعلق بأن المسؤولية عن نتائج هذه الحروب والحقوق الخاصة بغنائم النصر هي مبهمة. من سيكون المسؤول عن معالجة مخلفات الاشتباكات القبلية الحتمية ما بعد الثورة؟ بالتأكيد ليس المتعهدين الخاصين الذي سينتقلون إلى وظيفتهم التالية. ومن سيدعي المطالبة بأي من المنافع الاقتصادية التي يمكن أن تنفتح في ظل اقتصاد جديد غير مستقر؟ طبعاً ليست الدول التي تتظاهر بأنها لم تكن هناك. مساهمات حافلة

 

راشيل مارسدن صحافية كندية تنتمي إلى التيار المحافظ، وهي كاتبة عمود سياسي ومؤلفة كتب ومعلقة تلفزيونية، وكذلك أستاذة جامعية في باريس. في أوائل القرن العشرين، كتبت أعمدة في مواقع «واشنطن تايمز» و«ناشونال بوست» و«نيويورك بوست». وانتقلت من تورنتو إلى نيويورك في عام 2006، حيث كان قد سبق لها العمل مع شبكتي «فوكس نيوز» و«سي إن إن» كمساهمة في برامج. في نوفمبر 2011 نشرت كتابها «القنبلة الأميركية: قصة الغزو المحلي والدولي». يظهر عمودها السياسي على موقع "ديلي تلغراف"، ولقد نشرت لها صحيفة «وول ستريت جورنال» أيضاً. ويتسم أسلوبها بالحيوية وإلقاء الضوء على جوانب مختلفة في العديد من القضايا الدولية المعقدة.