أعلن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، أخيرا، أنه بحلول عام 2020 سيكون ما معدله 60% من سلاح البحرية الأميركية منتشراً في المحيط الهادي. وسبق ذلك إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال زيارته الأخيرة إلى أستراليا، عن تأسيس قاعدة عسكرية أميركية في تلك البلاد، وطرحه تحديا أيديولوجيا أمام الصين، بتصريحه أن أميركا: "ستستمر في التحدث بصراحة إلى بكين حول أهمية دعم المعايير الدولية واحترام حقوق الإنسان العالمية للشعب الصيني".

والمخاطر الكامنة في التطورات الحالية على صعيد السياسات الأميركية والصينية والإقليمية معروضة في كتاب سيصدر قريبا عن الخبير الأسترالي في الشؤون الدولية، هيو وايت، بعنوان "خيار الصين: لماذا يجب على الولايات المتحدة الأميركية تقاسم السلطة". وكما يكتب وايت، فإن : "واشنطن وبكين تنزلقان نحو التنافس افتراضيا".

وفي سبيل الخروج من هذا الوضع، يقدم وايت حججا قوية في سبيل عقد "اتفاق بين القوى" في آسيا، شبيه باتفاق القوى العظمى المبرم في أوروبا في عام 1815 بعد حروب نابليون، والقاضي بعدم تحدي الوضع القائم والتشاور بدأب من اجل حل المشكلات الإقليمية، قائلا إنه يمثل الطريقة الفضلى، أو ربما الوحيدة، التي يمكن بها تجنب هذه المواجهة التي تلوح في الأفق. والأسس الاقتصادية لمثل هذا الاتفاق الأميركي ــ الصيني هي أصلا موجودة.

ولا ينبع خطر الصراع من رغبة صينية في الزعامة العالمية. فخارج شرق آسيا، تلتزم بكين بسياسة حذرة جدا، متمحورة حول المزايا التجارية من دون أي مكونات عسكرية، وهذا يعود في جانب منه لأن القادة الصينيين يدركون أن الأمر سيستغرق عقودا من الزمن، وإنفاقا بحريا هائلا، قبل أن يسمح لهم بتشكيل تحد لأميركا على الصعيد الدولي، وحتى عندما يحدث ذلك، فإنهم من شبه المؤكد سيفشلون.

في شرق آسيا

لكن في شرق آسيا تختلف الأمور كثيرا. فقد هيمنت الصين على المنطقة على امتداد معظم تاريخها، وعندما تصبح الاقتصاد الأكبر في العالم، فإنها حتما سوف تسعى إلى الهيمنة على المنطقة بالتأكيد. وفي الوقت الذي لا يمكن أن تبني الصين قوات بحرية لتحدي أميركا في المحيطات البعيدة، فإنه سيكون أمرا مستغربا كثيرا إذا لم تتمكن في المستقبل من بناء صواريخ وقوات جوية كافية لمنع البحرية الأميركية من الوصول إلى البحار الواقعة حول الصين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين متورطة في منازعات إقليمية مع دول أخرى في المنطقة، حول مجموعة من الجزر، وهذه المنازعات تنطوي على مشاعر وطنية شعبية صينية إلى حد كبير.

ومع سقوط الشيوعية، استندت الإدارة الصينية بشكل كثيف على القومية كداعم أيديولوجي لحكمها، ونجحت في ذلك. والمشكلة أنه إذا اندلعت اشتباكات حول هذه الجزر، قد تجد بكين نفسها في موقع لا تستطيع فيه المساومة من دون إلحاق أضرار جسيمة بشرعيتها في الداخل، وهو الموقع نفسه الذي وجدت القوى العظمى الأوروبية نفسها فيه عام 1914.

وإذا التزمت أميركا بتحالف عسكري مع تلك الدول ضد الصين، فإن واشنطن تخاطر بالتورط في النزاعات الإقليمية. وفي حال اندلع اشتباك بين فيتنام والصين، فإن واشنطن سوف تواجه خيارين، فإما أن تنأى بنفسها عن الوضع وترى مصداقيتها كحليف تسير إلى زوال، أو أن تخوض حربا ضد الصين.

النصر المستحيل

ولن تنتصر لا أميركا ولا الصين في هذه الحرب بشكل كامل، لكنهما سوف تسببان بالتأكيد أضرارا كارثية إحداهما للأخرى، وكذلك على صعيد الاقتصاد العالمي. وإذا جرى تصعيد في الصراع، ووصل هذا التصعيد إلى حد الاشتباك النووي، فإن الحضارة القائمة حديثا سوف تدمر. وحتى فترة مطولة من التنافس العسكري والاستراتيجي مع الصين الجبارة اقتصاديا سوف تضعف إلى حد كبير موقع أميركا العالمي. وبالطبع، فإن الإنهاك الأميركي واضح اليوم، كما يبدو في إهمال أميركا لدول أميركا الوسطى.

وفي سبيل تجنب هذا الأمر، يقترح وايت إيجاد نظام شرق آسيوي، يضع الخطوط الحمر، التي يفترض أن تتفق كل من أميركا والصين على عدم تخطيها، لا سيما ضمان عدم استخدام القوة من دون أخذ موافقة من الطرف الآخر أو في معرض الدفاع عن النفس. والأمر الأكثر حساسية يكمن في أن الصين سيكون عليها نبذ استخدام القوة ضد تايوان، فيما واشنطن سيكون عليها، على الأرجح، أن تلتزم في العلن بإعادة توحيد تايوان مع الصين.

والأمر الذي يساوي ذلك من حيث الأهمية يتمثل في أنه سيكون على الصين الإقرار بشرعية الوجود الأميركي في شرق آسيا، حيث ان هذا الأمر مرغوب به من قبل دول شرق آسيا الأخرى، في حين سيتعين على أميركا الإقرار بشرعية النظام السياسي القائم في الصين، باعتبار أنه جلب تقدما اقتصاديا، وحسن إلى حد بعيد الحريات الحقيقية للشعب الصيني. وفي ظل اتفاق من هذا النوع، فإن التصريحات الأميركية، مثل تلك التي ادلى بها أوباما أخيرا، في دعمه لإقامة الديمقراطية في الصين لا بد من التخلص منها.

وكما يقول وايت، فإن مثل هذا الاتفاق بين أميركا والصين والدول الإقليمية سيكون التوصل إليه من الصعوبة بحيث انه :"بالكاد يستحق الأمر في حال لم تكن البدائل سيئة إلى درجة كبيرة". لكن كما يبين كتاب وايت بشكل مخيف، فإن هذه البدائل قد تكون كارثية.