في الوقت الذي تنزف سوريا، تخاطر الدبلوماسية بأن تصبح وسيلة مخادعة لإخفاء الحقيقة القاسية. الاطناب المثير للضجر من جانب كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة وصاحب خطة السلام المؤلفة من ست نقاط، يعد بمثابة التوضيح الأساسي لهذا الخطر. وبدلاً من الاعتراف بالفشل الواضح لخطته في أعقاب المجزرة الأخيرة في سوريا، فإن هذا الرجل الذي يعد بمثابة دعامة من الاحترام العالمي يفضل ربط نفسه بروابط وقورة على نحو رائع. ويقول: "لست متأكدا مما إذا كانت الخطة قد فشلت، أم أن التنفيذ هو ما ينقصها".
خطة غير مجدية
لابد أن عنان حضر مؤتمرات دولية لا تعد ولا تحصى لإنتاج مثل هذه الصورة المشوشة. والآن، فقد حان الوقت لنسمي الأشياء بأسمائها: خطة عنان غير مجدية. فلم تغير هذه الخطة بأي حال من الأحوال سلوك الرئيس السوري بشار الأسد أو المعارضة السورية. بل على النقيض من ذلك، على الرغم من الموافقة على احترام وقف اطلاق النار ابتداء من العاشر من أبريل الماضي (ياله من اقتراح أجوف كما يبدو)، فبرغم الموافقة الرسمية على مقترحات عنان قبل أكثر من شهرين، فقد استمر الرئيس السوري يذيق شعبه العذاب. وأعاد الانقضاض على المدن الكبرى وأضعف تحالف المعارضة من خلال هجوم قاس. وعلى هذا النحو، فهو أكثر أماناً على الأرجح اليوم مما كان عليه في مطلع هذا العام.
من يستطيع أن يشك الآن في أن قبوله لخطة عنان كان مجرد وسيلة ساخرة لدرء الضغوط الدولية؟ ومن جانبهما، أيدت روسيا والصين الاقتراح لتغطية حرجهما كونهما مصدري حماية رئيسيين للنظام بغيض. وأقرت القوى الغربية والدول الغاضبة المجاورة لسوريا الخطة لأنها لا تريد أن ينظر إليها على أنها تعرقل أي فرصة للسلام. وعلى امتداد فترة من الوقت، أبدى الجميع اهتماماً في دعم عنان، والتظاهر بأن أفكاره ذات أهمية.
وللأسف، فإن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية البريطاني وليام هيغ لم يصرفا النظر حتى الآن عن الخطة. وأوشكت تشويهاتهما اللفظية، أخيراً، على أن تكون في صف عنان. فأميركا وبريطانيا على الأقل لديهما العذر بأن التخلي عن جهد عنان ليس من سلطتهما، ولا يمكن أن يفعل ذلك سوى المبعوث الدولي نفسه.
إذن فإن عنان، الذي لا يمكن التشكيك في إخلاصه، يمتلك القدرة على تقديم خدمة كبيرة للشعب السوري. لذا ينبغي له الآن أن يعلن أن أقصى ما يبذله من محاولات قد باءت بالفشل، وأن مجلس الأمن وجامعة الدول العربية، اللذين كانا يعمل مبعوثاً مشتركاً لهما، يتعين عليهما أن يمضيا قدماً لمراجعة نهجهما برمته تجاه سوريا. وهذا من شأنه أن يفسح الطريق لبذل جهد جديد، مع فرصة أكبر للنجاح. هناك بعض الأمل في أن تسحب روسيا والصين أسلحتهما الواقية من الأسد. فلو أن روسيا، وهي مورد الأسلحة الرئيسي لسوريا، قطعت إمدادات الأسلحة، فإن قوات الأمن الملطخة بالدماء التي تقف جميعها بين الأسد وخصومه سرعان ما تضعف قواها. لكن يبدو أن هذا أمل لا طائل منه. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عاد حديثاً إلى سدة الحكم، أوضح بشكل قاطع أنه لن يتزحزح عن موقفه.
مسار ممكن
وهذا يترك مساراً ممكناً. فكل دولة عربية، باستثناء العراق ولبنان، تريد أن يرحل الأسد. وتركيا، التي تعد الجارة الأقوى، ترغب بشدة في الاطاحة به. ينبغي أن تمنح هذه الدول كل التشجيع والمساعدة التي تحتاجها لدعم معارضي الأسد بما يكفي من القوة، إما لإسقاطه أو إجبار حلفائه على الإطاحة به. لدى تركيا خيارات تشمل إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود السورية لكي تصبح مركزاً لمعارضي الأسد المسلحين والمدنيين.
حقائق واضحة
يتوق الملايين بوضوح في داخل سوريا لكسر سلاسل الطغيان. لكن بعض الأطراف، لا سيما الأقليات من العلويين والمسيحيين، يخشون ما يمكن أن يترتب على ذلك. فبعد مضي 42 عاماً من حكم العلويين، فإن أي نقل للسلطة إلى الأغلبية السنية من شأنه في حد ذاته أن يشكل خطرا عليهم. وعلى هذا النحو، يجب أن تعطى المعارضة منبراً لطمأنة هذه الأقليات بشأن وضعها في سوريا بعد سقوط الأسد. وبمجرد أن يصبح من الواضح أن خصوم الدكتاتور يزدادون قوة، في حين أن كل ما يقدمه هو سفك دائم للدماء، ربما تنقلب الموازين ضده. ولكن يجب أولا مواجهة الحقائق القاسية اليوم.
