كانت كلمات المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا كوفي عنان صريحة أمام اجتماع مجلس الأمن بشأن سوريا، أخيراً. فقد قال: "اذا لم تتغير الأمور، فسيكون المستقبل قوامه القمع والمجازر والعنف الطائفي والحرب الأهلية الشاملة".
عجز الأمم المتحدة مشهد تزعج المرء رؤيته، في ظل معارضة روسيا والصين للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشأن مسألة التدخل الأجنبي في سوريا. لكن كان هذا موقف العالم لدى مواجهة ليبيا، عندما حاصرت قوات الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي بنغازي، وجاء التغيير الحاسم عندما طالبت الجامعة العربية مجلس الأمن الدولي بالتدخل. إننا بصدد الموضوع نفسه مرة أخرى، حيث طلب أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتقديم مسألة القتال في سوريا إلى مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بوصفه أنه يشكل تهديداً للسلام والأمن في العالم.
خطر حقيقي
امتداد القتال إلى الدول المجاورة لسوريا هو خطر حقيقي للغاية. وفي الواقع، فمن خلال القراءة الموضوعية لميثاق الأمم المتحدة، ينبغي على مجلس الأمن تمرير قرار يخوله اتخاذ إجراءات بما في ذلك القوة العسكرية.
ومع ذلك، هنا تكمن المشكلة في مجلس الأمن في أشد حالاتها: والتي تتمثل في أن استخدام القوة ضد الجيش السوري يعني أن حلف "ناتو" أو القوات الأميركية تخوض القتال في مجموعة متعددة الجنسيات. لا تثق روسيا و لا الصين في أي من الترتيبين. فكلتاهما تشعر بأنه عندما امتنعتا عن التصويت على السماح بالاستناد إلى الفصل السابع من الميثاق في حالة ليبيا، تم تفسير ذلك بشكل خاطئ عمدا على أنه إجبار نظام القذافي على الخروج من السلطة وإشاعة الفوضى التي أسفرت عن قتل القذافي. هناك قدر من الموضوعية في هذه الشكوى، ليس فقط في ما يتعلق بليبيا، ولكن أيضاً بتجربة مشاركة الأمم المتحدة في الحرب على العراق عام 2003، وقصف حلف "ناتو" لكوسوفو في عام 1999.
ومع ذلك، فهناك نموذج آخر يقدم سابقة إيجابية. ففي ديسمبر عام 1992، تقدم المبعوث الأممي إلى البوسنة آنذاك سايروس فانس بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة وقتها بطرس غالي بالكتابة إلى الأمين العام لحلف "ناتو" يطلب فيه أن يبدأ التخطيط المشترك للتدخل في البوسنة والهرسك. وهذا النهج قد مهّد الطريق في النهاية لفرض منطقة الحظر الجوي والتدخل العسكري الناجح من قبل "ناتو" في أغسطس 1995. إننا بحاجة إلى شيء من هذا القبيل الآن، وهو خطة مشتركة للأمم المتحدة وحلف "ناتو" بدعم من روسيا، يقدم بموجبها الحلف بقيادة تركيا، تهديداً باستخدام القوة اللازمة لدعم الجهود الدبلوماسية لعنان.
لقد تعلمنا كثيراً من صراعات الماضي بشأن النشاط المشترك لـ"ناتو" والأمم المتحدة و"ناتو" مع روسيا، ويمكن استخلاص هذه الدروس الآن فيما يتعلق بسوريا. في البوسنة تعاونت القوات الروسية بشكل جيد جدا مع حلف "ناتو" على الأرض لتنفيذ اتفاقات "دايتون". وفي حالة كوسوفو، لم تكن التجربة جيدة، ويرجع ذلك جزئياً لأن حلف "ناتو" لم يعط الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين ومبعوثه الخاص للسلام فيكتور تشيرنوميردين المصداقية الكافية لدبلوماسيتهما. زعم حلف "ناتو" كذباً أن انسحاب القوات الصربية من كوسوفو كان نتيجة 78 يوما من القصف.
وبصرف النظر عن سوء فهم أساسي للدور الهام الذي لعبته موسكو في ثني ذراع الرئيس الصربي السابق ميلوسيفيتش، فقد أدى ذلك إلى الاعتقاد الخاطئ في تأثير القوة الجوية وحدها. يمكن للقوة الجوية ترجيح كفة الميزان بالنسبة للقتال، لكن ذلك يتم جنباً إلى جنب كعامل مساعد للدبلوماسية، ذلك أن الدبلوماسية الناجحة في كثير من الأحيان تعتمد على التهديد بالقوة في نهاية المطاف.
وفي حالة ليبيا، رأينا ما يحدث عندما يكون هناك قدر قليل جدا من التحرك الدبلوماسي من جانب الأمم المتحدة. تم تعيين ممثل للأمين العام، ولكن بصلاحية محدودة للعمل بفعالية مع حلف "ناتو". وفي بريطانيا، فإننا نعتبر التدخل بأنه نجاح كبير، ولكن القوات الحكومية كانت قادرة على استعادة السيطرة على مطار طرابلس من جماعات الميليشيا، أخيراً، ولا يزال أمامنا الكثير لنقوم به من أجل إقامة حكومة مستقرة هناك.
وفي سوريا، فإن الوضع في هذا الصدد هو أفضل بكثير. عنان شخصية ذات مصداقية قادرة على التعاون مع حلف "ناتو" وروسيا، و لديه علاقات جيدة مع مجلس الأمن وبعض القادة السياسيين في سوريا. وفي هذا الطريق فإن التهديد بالقوة العسكرية، إذا اقتضى الأمر الواقع، يكون أكثر سهولة عند وضعه في إطار استراتيجية لتشكيل إدارة انتقالية في سوريا، إذا كان من الممكن استيعاب المصالح الروسية.
تساؤلات
لسوف يتساءل الكثيرون: لماذا نكترث بروسيا؟ الجواب يكمن في كوسوفو، بوصفها دولة لا يزال وضعها المستقل غير معترف به من قبل العديد من البلدان، بما في ذلك خمس دول في الاتحاد الأوروبي، وذلك لأن تدخل الأمم المتحدة يفتقر إلى القوة.
بعد الأخطاء الأميركية والبريطانية في التعاطي مع الحرب في العراق، والآن في أفغانستان، فإننا نعيش في عصر جديد مما قد يسمى بـ "التدخل المقيد". فقد ولّت أيام للتدخل بشكل منفرد من دون تفويض من الأمم المتحدة. لا يمكن تجاهل روسيا ويجب أن تؤخذ مصالحها في الحسبان. من المشجع أن المبعوث الروسي للسلام في الشرق الأوسط يقول الآن ان خطة عنان يمكن تعديلها.
روابط وثيقة
توجد القاعدة البحرية الرئيسية الروسية بمنطقة البحر المتوسط في سوريا. وروسيا تقوم بتزويد الحكومة السورية بالأسلحة، ولديها روابط وثيقة مع أجهزة الاستخبارات السورية. وهو ما يمنح قادة موسكو نفوذا إذا ما تم إقناعهم باستخدامه، ذلك أنهم بإمكانهم تسهيل إخراج عائلة الأسد من السلطة وتشكيل إدارة انتقالية. يجب على المجتمع الدولي أن يقرّ بأن روسيا لا يمكن أن تتخلى عن مصالحها السياسية بذلك البلد، تماماً مثل الولايات المتحدة التي لن تتخلى أبداً عن مصالحها الحيوية وقواعدها العسكرية بجنوب شرق آسيا.
