ما تغير، أخيراً، بعد مقتل ما يزيد عن 100 شخص في الحولة، بما في ذلك عشرات الأطفال، هو إدراج أمر ملح مستجد يدعو للاشمئزاز، في أزمة مستعرة أوصلت البلاد إلى شفير الحرب الأهلية.
والغضب حيال ما يجري في سوريا يشكل اسهل الطرق للرد على نظام الأسد، ذلك أن تعقيدات التعامل مع هذه القضية المستعصية على الحل لم تتغير. وتعد هذه التحديات خاصة بسوريا وجيرانها المباشرين، وتعكس أيضا عالما بات يشعر بالحذر بعد عقد من تدخلات عسكرية بقيادة الغرب مليئة بالإشكاليات.
وقد أدت هذه التدخلات إلى إزهاق مئات الألوف من أرواح المدنيين في العراق وأفغانستان بشكل أساسي، أما في ليبيا، فقد أودت بحياة عدة ألوف من قوى المعارضة، وكلفت تريليونات الدولارات. ونتائج هذه التدخلات كانت مخيبة للأمل على اقل تقدير.
وعلى هذا الأساس، ليس هناك ما يدعو للاستغراب في ألا تهلل النخب السياسية ولا ناخبوها لحرب أخرى في محيط شائك يحده لبنان بحالته الهشة، ودولة بجيش حديث مجهز جيدا من قبل حليفه الأساسي روسيا.
بالطبع، عندما تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن سوريا خلال زيارتها إلى الدنمارك، أخيرا، كان ذلك في إطار التشديد على صعوبات التدخل بقدر ما كان في معرض طرح احتمال حدوثه.
وقد شكل حديثها اعترافا بأن المطالبة "بوجوب القيام بشيء ما" للرد على إراقة الدماء الرهيبة في سوريا تعد أمرا سهلا، بالمقارنة مع صياغة ماهية هذا الشيء. وتردد سوزان رايس، مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة، صدى كلام كلينتون الذي يضع الشروط لأي تدخل بقيادة أميركا في أعقاب الانهيار المتوقع لخطة أنان، بموافقة روسيا والصين في مجلس الأمن على التدخل العسكري، وهو الأمر الذي يجعل مثل هذه المهمة غير مرجحة إلى درجة كبيرة في الظروف الحالية.
وكانت مصادر عسكرية أيضا تجاهد للإشارة إلى الاختلافات بين ليبيا، التي شهدت تدخلا من قبل تحالف بقيادة الغرب في الحملة الجوية، وسوريا. والواقع هو أن المعارضة في لبيبا، التي استولت على أسلحة ثقيلة في الأيام الأولى للانتفاضة، ضمنت على وجه السرعة أراضي شاسعة تستطيع العمل انطلاقا منها.
والتدخل في سوريا سيكون اكثر صعوبة بكثير. فالجزء الأكبر من الصراع خلال السنة الماضية لم يجر في صحراء مفتوحة وإنما في تجمعات سكانية واسعة في دولة حيث جغرافية الصراع تعد شركا شديد الإحكام. وكما اكتشفت إسرائيل خلال مغامرتها المطولة في لبنان، بخصوماته الطائفية المعقدة التي تشبه تماما الخصومات في سوريا، فإن الجوار عبارة عن مستنقع يصعب الخروج منه.
وهي خصومات تتغذى من توترات ومنافسات إقليمية أوسع نطاقا، الأمر الذي يجعل العديد من قادة الغرب اكثر احتراسا.
وإذا كان تدخل عسكري واسع النطاق بهدف إسقاط الأسد أو حماية المدنيين بقوات على الأرض يبدو خارج لائحة الخيارات إلى الآن، فإن الخيار الآخر، أي التدريب الكامل للثوار في سوريا وتسليحهم، يبدو مصدر مشكلات بالقدر ذاته.
والمعارضة السورية منقسمة ومتشرذمة، بجهاز يقوم بتنفيذ معظم مهام القتال، وهو الجيش السوري الحر، على خلاف مع المجلس الوطني السوري الذي يكاد يتصف بالتشظي وبالكاد يمثل مجمل فئات الشعب السوري.
والشكوك حيال وجود بعض المقاتلين ذوي العلاقة بتنظيم القاعدة تعمل على تأكيد هذا الاحتراس أيضا. وطبعا، الأسلحة التي ستشكل فارقا جوهريا في الصراع ليست أسلحة خفيفة صغيرة، بل دروع وأسلحة معقدة مضادة للمدرعات.
وكان هناك اقتراح آخر يقضي بإنشاء "مناطق آمنة" على امتداد حدود البلاد محمية بقوة جوية. ويبدو هذا خيارا جذابا على الورق على الأقل لأنه يؤمن ملاجئ أمنة للفرار من القتال، لكن كما تظهر تجربة مخيمات اللاجئين، التي نهضت في أفغانستان خلال حكم طالبان وغيرها، فإن مثل هذه المخيمات يمكن أن تدوم لسنوات، وتسبب مشكلاتها الخاصة. وهذه تتضمن مخاطر عدم الاستقرار للدولة المضيفة، إذا أدى وجود مثل هذه الملاجئ الحدودية إلى جر الجيران إلى حرب تزداد اتساعا.
إن أي حل للوضع سيتطلب موافقة موسكو التي بدونها لا يمكن أن يحدث أي تدخل. وكما كتب اللورد اشدون أخيرا، فإن تاريخ الغرب من الأخطاء الدبلوماسية في علاقاته بموسكو، سهل الأمر أمام روسيا في أن تقول "لا" لأي حل محتمل، أكثر مما صعبه.
ولا يقصد بهذا القول أنه يمكن أن تملي الأحداث في المستقبل تدخلا عسكريا، كما حصل في البوسنة بعد نقطة التحول في سربرنيتشا.
ونحن لسنا في هذه المرحلة، وعلى الأرجح لن نصل إليها، في الوقت الذي تبقى المعارضة السورية جزءا من هذه المشكلة المستعصية عن الحل. ولا بد من إيجاد آلية لكيان يحل محل المجلس الوطني السوري، يشهد الخروج السريع لرئيسه المثير للانقسامات دكتور برهان غليون، في سبيل تشكيل هيئة ممثلة لمختلف فئات الشعب وشفافة تتمتع بمسؤولية سياسية مباشرة على مقاتلي المعارضة.
وكما اقترح اللورد اشدون، فإن الدبلوماسية الدولية تحتاج إلى أن تصبح هادفة بدرجة أكبر، وأن تبني إجماعا فعالا يضم روسيا ولاعبين إقليمين مجردا من المواقف الأخلاقية. وهذا يجب أن يتضمن إصرارا على أن تأخذ روسيا ولاعبون إقليميون أخرون أصحاب نفوذ دورا اكبر في البحث عن نهاية للعنف، بدلا من إشعاله.
حريق إقليمي
مع الخطر المتزايد من اندلاع حريق إقليمي هائل، فإن وقف القتال وإيجاد استراتيجية للخروج يكلفان أرواحا اقل في المدى البعيد من الانزلاق الفوضوي إلى حرب تزداد اتساعا.
والأمر المؤكد هو أن أي اندفاع إلى التدخل العسكري من دون استراتيجية خروج، أو في ظل غياب كامل لما يمكن أن يحل محل النظام الحالي، سوف يسبب بمقتل المزيد من الأطفال مقارنة بمن قتلوا في الحولة أخيرا، لأن هذه هي طبيعة التدخلات العسكرية والسبب الذي يجعل أحياناً الحل الأكثر أخلاقية هو الحل الأكثر تعقيداً.
