يستمر الوضع في سوريا في التدهور من سيئ إلى أسوأ. وعلى الرغم من أنه يصعب الحصول على معلومات دقيقة عن الوضع هناك، فان كل المؤشرات تشير إلى أن البلاد تتأرجح على شفا حرب أهلية، ولا بد من وضع حد لإراقة الدماء.

وإذا كان الثوار قد استمدوا آمالا من موجة التغيير التي اجتاحت شمال إفريقيا والشرق الأوسط خلال الربيع العربي، فإن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، في المقابل، لم تأل جهدا لسحق الانتفاضة ضد حكمه. وحصيلة ذلك كانت معركة دموية مع تراكم للغضب والوحشية. ويقدر أن 9 آلاف مدني على الأقل قتلوا، فيما تدعي الحكومة السورية أن ألوفا من جنودها أزهقت أرواحهم أيضا.

وأحدث الوقائع وحشية تمثلت في الهجوم على بلدة حولة. وتضييق السيطرة على الإعلام من قبل حكومة دمشق، جعل عمل المراسلين أكثر صعوبة، فالمعلومات متفرقة ولا يمكن التحقق منها في اكثر الأحيان.

ولم يتضح بعد من المسؤول عن هذه المجزرة، ففي الوقت الذي تلوم مجموعات مناهضة للحكومة ونشطاء في مجال حقوق الإنسان الحكومة السورية، فإن الحكومة تنفي هذه التهمة، وتزعم أن جنودها تعرضوا للهجوم وأن الإرهابيين المسلحين هم من اقترفوا أعمال القتل.

وقال الرئيس السوري بشار الأسد أمام البرلمان السوري، أخيرا، إن حكومته لا علاقة بها بمجزرة الحولة، وان "الوحوش" فقط يرتكبون مثل هذه الجريمة.

والجانبان قد يكونان على حق. فقد ارتكبت اكثر الأحداث دموية في الانتفاضة من قبل من يطلق عليهم "الشبيحة"، وهم ميليشيا مدنية مسلحة تدعم الحكومة. وهذا الاستخدام للوكلاء يسمح للحكومة بالإبقاء على وهم أن يديها نظيفة.

ويوافق شهود عيان ومراقبون من الأمم المتحدة بان الهجوم بدأ بقصف للبلدة من قبل الجيش، تلاه قيام مجموعات مسلحة بالتنقل من بيت إلى بيت لقتل السكان. أما المسؤولون السوريون فينكرون أن تكون القوات الأمنية قد دخلت إلى القرية.

ولقد أدانت الأمم المتحدة "الاستخدام العشوائي وغير المتناسب للقوة" حتى في الوقت الذي أقر رئيس مهمة المراقبة لدى الأمم المتحدة في سوريا بأن "الظروف التي أدت إلى أعمال القتل المأساوية تلك لا تزال غامضة".

واصدر مجلس الأمن الدولي بيانا يقول فيه إن مثل هذا الاستخدام الشائن للقوة ضد السكان المدنيين يشكل انتهاكا للقانون الدولي المطبق، وان المراقبين يواصلون جهودهم للوصول إلى ملابسات الحقيقة التي وصفها مجلس الأمن بأنها "جريمة مروعة ووحشية".

وتبدو الأمم المتحدة على استعداد لإدانة الفظائع، إلا أنها غير مستعدة للذهاب أبعد من ذلك، وروسيا والصين بعد أن شعرتا بان موافقتهما السابقة للتحرك في ليبيا قد تم استغلالهما، تبدوان على غير استعداد لارتكاب "خطأ" مماثل في سوريا.

وعلاقات موسكو مع دمشق هي علاقات وثيقة، فروسيا تبيع سوريا أسلحة بمليارات الدولارات، وسوريا تقدم تسهيلات في الميناء البحري الوحيد لروسيا خارج أراضيها في المياه الدافئة. وتصر روسيا على أن فريقي الصراع يجب أن يعاملا على قدم المساواة، وترفض الضغط على حليفها في دمشق.

وفي غضون ذلك ترفع الحكومات الغربية الضغط الدبلوماسي، وتفرض عقوبات على حكومة دمشق، وقد تم طرد الدبلوماسيون السوريون على امتداد العالم. وتبقى أي خيارات إضافية محدودة.

ويدعو البعض إلى تسليح المعارضة، وهذه الخطوة رفضتها الحكومات الغربية حتى هذه الساعة، حيث هناك قلق من وجود مجموعات متمردة لديها ارتباطات مع تنظيم القاعدة. إلى جانب ذلك، سوريا تنضح بالخصومات الدينية والعرقية، وتدفق الأسلحة يمكن أن يوفر فرصة لتصفية الحسابات، واحتمال انتقال العنف إلى لبنان أو أبعد من ذلك يعد أمرا واقعيا أيضا.

واحتمال قيام معارضة على نحو أكثر توازنا مع النظام يسعد قلوب الديمقراطيين، لكنه يشكل ضمانة بأن العنف سينتشر والمزيد من الدماء ستراق. وهذا هو الوضع المرجح، لكن اتساع نطاقه يبقى مجهولا.

على الأرجح أن روسيا ستكون اللاعب الحيوي على الرغم من أن موسكو لا يمكنها أن تملي النتائج أيضا. لكن الحكومة في دمشق عليها أن تعلم أنها ستواجه العزلة إذا استمرت على مسارها الحالي.

خيارات محدودة

 

أعرب كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا لحل الأزمة، عن قلقه من أن الوضع السوري وصل إلى "نقطة اللاعودة". وما يدعو للأسف هو أن خيارات التعامل مع الوضع السوري الرهيب هي خيارات محدودة.

فبقدر ما تبدو الأحداث مروعة، تفتقر الحكومات الغربية للإرادة والتفويض للتحرك. وفي حين تبقى أميركا مرهقة بمغامراتها الفاشلة السابقة في العراق وأفغانستان، يفتقر الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الجرأة على القيام بتدخل جديد، لاسيما في سنة انتخابية.

ودول أوروبية أخرى بالقدر نفسه تستنكف عن القيام بخطوة إلى الأمام. ولا أحد يستطيع أن يؤكد ما إذا كان التدخل سيتكلل بالنجاح، أو يحدد تبعات هذا الأمر على المنطقة بشكل أوسع. وهذا الاحتمال أصلا لم تجر مناقشته في قمة "ناتو" التي انعقدت في شيكاغو أخيرا.