بدا الرئيس الأفغاني حامد قرضاي متفائلاً خلال المقابلة التي أجرتها معه مجلة «تايم» الأميركية في قصره الرئاسي أخيراً، حيال مستقبل الأوضاع في أفغانستان، حيث قال: «يمكن أن أقول بكل ثقة إن حركة طالبان كقوة تهديد لحكومة أفغانستان، أو لطريقة الحياة التي اخترناها، لم تعد موجودة».
لكن تفاؤل قرضاي يبدو غريباً برأي المجلة في وجه الحقائق المجردة خارج القصر الرئاسي، حيث تفوز طالبان بمواقع جديدة في شمال وشرق البلاد، وتزداد أعداد القتلى بين المدنيين، ويعرب قياديو الحركة عن أنهم غير معنيين باقتراحات الرئيس الأفغاني للسلام.
وترى المجلة أن الشيء الوحيد الذي سوف ينتهي على أرض الواقع في السنتين المقبلتين ستكون مسؤولية الغرب تجاه أفغانستان، ذلك أنه عندما تغادر القوات الأجنبية البلاد، فإن كلاً من التمويل الحربي ومساعدات التنمية سوف يتقلص. والرئيس الأفغاني الذي أرسى سلطته على الأمن والتمويل الدوليين يقول إن الانتقال يناسبه أيضاً، علماً أنه من الآن وصاعداً بات عليه تولي دفة القيادة بعد عقد من الزمن قضاه في المقعد الخلفي على الصعيد السياسي.
تتساءل «تايم» ما إذا كان قرضاي البالغ من العمر 54 عاماً يعد الشخص المناسب للقيام بتلك المهمة. فقد أهدر فرصة التخلص من أمراء الحرب والفاسدين في حكومته عندما انتخب بأغلبية كاسحة في 2004، ثم هناك التزوير في انتخابات الرئاسة لعام 2009، وتاريخه السياسي الضعيف، وتتساءل ما إذا كان بمقدوره أن يسلم السلطة إلى رئيس جديد منتخب ديمقراطياً ما إن تنتهي ولايته في عام 2014. فالسنتان المقبلتان ستكونان حاسمتين بالنسبة إليه وإلى أفغانستان، في ظل فراغ ستشهده البلاد بتبعات على الاقتصاد والأمن الأفغانيين.
وفي ما يلي نص الحوار:
يشير الرئيس الأفغاني حامد قرضاي في الحوار الذي أجرته معه مجلة «تايم» أخيراً، إلى أنه بعد مرور 10 سنوات على الغزو الأميركي لأفغانستان وإنفاق أكثر من 533 مليار دولار، فإن الجيش الأقوى في العالم لم يتمكن من إخضاع ميليشيا متشرذمة هنا وهناك.
ويتهم الغرب بمحاولة التلاعب بالانتخابات ضده، بعد أن أفاد مراقبون دوليون على الانتخابات الرئاسية عام 2009 بأن تزويراً واسع النطاق قد جرى بالنيابة عن حملته الانتخابية، ويقول في هذا الصدد: «هذا يجعلني أفكر بنواياهم حيال هذه البلاد، ولهذا السبب تنتابنا الشكوك ونقلب كل الأحجار لمعرفة ما إذا كانت هناك مفاجآت تنتظرنا».
وقرضاي الذي يقال إنه أصبح عصبي المزاج ومصاباً بجنون الارتياب والشك، يقول عنه أنور حامدي، أحد مساعديه في القصر: «من يستطيع أن يلومه، إنها وظيفة صعبة، ولقد مضى على قيامه بها نحو 10 سنوات».
وهذه الوظيفة على وشك أن تصبح أكثر صعوبة. في 21 مايو الماضي، خلال انعقاد قمة «ناتو» في شيكاغو، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الأفغاني أن قوات «ناتو» سوف تبدأ بتقليص العمليات القتالية للسماح للجيش الأفغاني بتولي مسؤولية قيادة أمن البلاد خلال السنة المقبلة.
ولقد أوضح أوباما أن هذه الخطة القاضية بسحب نحو 90 ألف جندي يعملون حالياً في أفغانستان بحلول 2014، ماضية في مسارها. ومتحدثاً إلى مجلة «تايم»، تحدث قرضاي عن إمكانية مغادرة القوات القتالية الأجنبية في تاريخ مبكر كعام 2013، أي قبل سنة من الجدول الزمني الخاص بأوباما، وقال: «الانتقال يناسبنا ويناسبهم، ثم إنها بلادنا ويجب أن نتولى الدفاع عنها».
كلمات شجاعة، لكن الأمر ليس كما لو أن الخيار بيده. وكما تنتاب قرضاي شكوك حول رعاياه الأميركيين، كذلك تنتاب الغرب شكوك حول أفغانستان.
لقد مضى على وجود قرضاي في منصب الرئاسة في أفغانستان عشر سنوات، لكنه بات عليه الآن تولي دفة القيادة، وهناك القليل في ماضي قرضاي يشير إلى أن للرئيس الإرادة على التصدي لهذا التحدي، فما باله بالقدرة على ذلك.
الخوف في كابول
يعتقد قرضاي أنه يفوز بحربه، حيث يقول: «يمكن أن أقول بكل ثقة إن طالبان كقوة تهديد لحكومة أفغانستان، أو لطريقة الحياة التي اخترناها لم تعد موجودة». لكن تفاؤل قرضاي يبدو غريباً في وجه الحقائق المجردة خارج القصر الرئاسي. فلقد فازت طالبان بمواقع في الشمال والشرق، كانت قد فشلت في الاستيلاء عليها حتى عندما كانت في السلطة قبل الغزو الأميركي في عام 2011. والسنة الماضية شكلت علامة فارقة في أعداد القتلى بين المدنيين والبالغ عددهم 3021، لكونها السنة الخامسة على التوالي التي يرتفع فيها عدد القتلى.
وقادة طالبان بشكل مستمر يقولون لمجلة «تايم» إنهم غير معنيين باقتراحات قرضاي للسلام. وقد قام رجال مسلحون باغتيال عضو بارز من مجلس السلم الأعلى الأفغاني أخيراً. وعندما سئل قرضاي ما إذا كان الاغتيال سوف يعطل مسار السلام، أجاب قائلاً: «لا، بتاتاً، لا يمكننا أن نتخلى عن سعينا للسلام، وسوف يتحقق على الأرض».
لكن الجيش الأفغاني الذي يهدف إلى إعطاء كلمات قرضاي الدفع المطلوب لا زال في بدايات تشكله. والهدف هو الوصول به إلى 195 ألف جندي مدرب بحلول أكتوبر، إلى جانب 157 ألف فرد من أفراد الشرطة.
وهناك فراغ في البلاد بتبعات على الاقتصاد والأمن الأفغانيين. وما إن تغادر القوات الأجنبية، حتى يتقلص التمويل الحربي ومساعدات التنمية.
ويعبر بعض الناس عن مخاوفهم من المستقبل بأشكال أخرى، لاسيما السعي إلى إيجاد ملاذ في الخارج بشكل قانوني، حيث إن الفساد ازداد إلى مستويات هائلة. وحسب المصرف المركزي الأفغاني فإن نقداً بقيمة 4.6 مليارات دولار أخرج من البلاد في السنة الماضية، حيث هروب الرساميل يوازي تقريباً الميزانية السنوية للدولة البالغة 4.8 مليارات دولار.
ولا يمكن أن تلقى مسؤولية انعدام الأمن والفساد على قرضاي فحسب، لكن هذا الأخير فعل القليل لاقتلاعهما. ويقر قرضاي قائلاً: «هناك فساد في أفغانستان، لا شك في ذلك»، لكنه يضيف أن المانحين الدوليين هم الذين أشعلوا هذا الفساد بالعقود غير الشفافة ومحاولات كسب ود السياسيين البارزين.
وعدم رغبته في رؤية الصورة الأوسع لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل أفغانستان، وقدرته على قيادة البلاد عبر هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، يقول أحمد رشيد خبير في منطقة أفغانستان-باكستان: «لا أعتقد أنه يفهم المشكلة تماماً. فهو يفكر بأفق ضيق حول بقائه، وبقاء عائلته وبقاء نظامه، ولا يفكر بما هو أفضل بالنسبة للبلاد».
القائد غير المحتمل
لكن مجيء قرضاي، وهو الابن الأوسط لزعيم قبلي نافذ من قندهار، إلى الرئاسة لم يكن الهدف منه فرض سلطته. في عام 2001، عندما عينه مؤتمر دولي حول أفغانستان الرئيس المؤقت للبلاد، لم يكن الأمر يتعلق بقدرته على القيادة، وإنما لأنه شكل القاسم المشترك غير المستفز في بلاد موبوءة بالانقسامات العرقية.
حيث قلة من الزعماء يمكنها أن تتباهى بأن لديها أيادي نظيفة. يقول الرئيس الأفغاني السابق صبغة الله مجددي: «قرضاي ليس شخصاً قوياً يمكنه أن يكون إنساناً ذا نفوذ يسيطر على كل شيء في البلاد».
ولقد قدمت لقرضاي في المؤتمر نفسه حكومة جاهزة تم تشكيلها بهدف إيجاد توازن بين الخصومات العرقية على السلطة. وهذه الحكومة سرعان ما أصبحت مسؤولية على كاهله، لم تكن له قوة سياسية ولا قدرة على توجيه أو فصل أعضاء في حكومته. وعندما تم انتخاب قرضاي بأغلبية ساحقة في عام 2004، كان بإمكانه أن يتخذ موقفاً يطرد على أساسه أمراء الحرب والناشطين السياسيين الساعين إلى السلطة الذين أفسدوا حكومته. لكن الأوان كان قد فات حينها.
والمؤشرات الأولى لا تدعو إلى التفاؤل، يستشهد أندرو وايلدر مدير برامج أفغانستان- باكستان في مؤسسة السلام الأميركية باتفاقية الشراكة الاستراتيجية الأميركية الأفغانية التي وقع عليها في أوائل مايو الماضي. فإصرار قرضاي على وضع عناصر محددة من الاتفاقية، بالتحديد تلك التي تضع أسس العلاقات الأمنية والاقتصادية بين البلدين على مدى عقد من الزمن، جانباً، للتشاور بشأنها لاحقاً، يبدو أنه تكتيك للمماطلة بهدف الحفاظ على سلطته لسنة إضافية مقبلة على حساب أمن أفغانستان.
يقول وايلدر: «إنه من صالح أفغانستان أن تكون هناك علاقات قوية مع أميركا كرادع لطالبان كذلك للحماية ضد التدخلات من قبل البلدان المجاورة، وكلما طال إنهاء هذا المسار، ازداد احتمال أن يتقلص الاهتمام بأميركا»، ومعها ورقة التفاوض المتبقية الأخيرة لقرضاي.
ويعرب قرضاي عن انزعاجه من المخاوف الأفغانية من عودة طالبان في أعقاب انسحاب «ناتو». وهو يلون هذه المخاوف بدعاية إعلامية لتبرير وجود عسكري دولي مستمر في بلاده. ويعتقد قرضاي أنه مع مغادرة «ناتو» فإن القسم الأكبر من طالبان لن يكون له مبرر للقتال. ويؤكد قائلاً: «عندما تغادر قوات ناتو، فإن الشعب الأفغاني سيكون أكثر فاعلية في حربه ضد الإرهابيين، لذا ليس لدي أي قلق حيال هذا الأمر».
لكن قرضاي قد يكون بعيداً عما يحصل فعلاً في بلاده بشكل ملموس. فالتقييدات الأمنية تبقيه منغلقاً داخل قصره الرئاسي. ولقد مضت سبع سنوات منذ أن تجول قرضاي في العاصمة، ويقول إنه يحن بشدة إلى القيام بنزهة على الأقدام في شوارع المدينة.
سيحصل قرضاي على أمنيته بعد سنتين، فحسب القانون يفترض به أن يترك السلطة بعد ولايته الثانية، وأن يفسح المجال لأول انتقال ديمقراطي في سلطة الرئاسة في البلاد. وعلى الرغم من أن التكهنات كثيرة بأن قرضاي سوف يحاول تمديد ولايته، إلا أنه يقول إنه لا ينوي البقاء يوماً واحداً بعد انتهاء ولايته. يقول لمجلة «تايم»: «بعد هذا التاريخ أصبح رئيساً غير شرعي».
يقول السناتور الأميركي ليندسي غراهام، وهو جمهوري معني بشكل كبير بالسياسة الأفغانية: «أفضل ما يمكن أن يقوم به قرضاي ليكون شخصية تاريخية هو السماح بانتقال سلمي للسلطة وعدم سلوك طريق بوتين»، ويضيف: «لقرضاي الحق في المساعدة على اختيار الرئيس المقبل، لكن إذا ما حاول القيام بذلك بطريقة تنافي أشكال الممارسات الجيدة، فإن هذا سيدمر إرثه».
وقرضاي نفسه يعلم أن السنتين المقبلتين حاسمتان بالنسبة لقيادته السياسية ولبلاده.
يقول: «في نهاية المطاف سيقرر الشعب الأفغاني وما يقوم به مستقبل أفغانستان، وإذا ما قمنا نحن كأمة بالشيء الصحيح وأقمنا حكومة في خدمة الشعب الأفغاني، فإننا لن نكون إطلاقاً في وضع يمكن تدميره»، والسؤال في النهاية، هو ما إذا كان قرضاي هذه المرة يعد الشخص المناسب للقيام بذلك.
