كتبت، أخيراً، عن الإضفاء المتزايد لطابع استخدام الطائرات الموجّهة عن بعد على السياسة الأميركية تجاه اليمن، وشككت في الاعتقاد الذي يفيد بأن هذا النوع من الهجمات لن يثير ردّ الفعل العنيف الذي ربما ينتج عن شكل آخر من أشكال التدخل العسكري الأقل استهدافاً. وفي أفضل الحالات، تشكّل الطائرات الموجّهة عن بُعد أداة سياسة، وليست سياسة بحد ذاتها. المنتقدون لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في اليمن ومناطق أخرى، يعتقدون أن الولايات المتحدة بحاجة إلى عدد أقل من الطائرات الموجّهة عن بعد، والمزيد من الأدوات الأخرى. وهنا يطرح السؤال: ما هي هذه الأدوات؟
سؤال ملح
هذا سؤال ملح للغاية، خاصة وأن اليمن يقف الآن على خط المواجهة الأول في الحرب على الإرهاب. قال جون برينان، وهو مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب، إن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومقره اليمن، لديه أكثر من 1000 عضو، وهو أكثر فروع القاعدة نشاطاً، من حيث العمليات التي ينفذها التنظيم. لقد انطلقت محاولة التفجير من خلال زرع قنبلة في الملابس الداخلية عام 2010، من اليمن وكذلك المحاولة الأخيرة التي أحبطها عميل مزدوج وذلك من خلال زرع قنبلة لا يمكن كشفها على متن إحدى الطائرات. خلال الأشهر الأخيرة، تمكنت القاعدة في شبه الجزيرة العربية من طرد القوات الحكومية، لإنشاء دويلة في جنوب اليمن، الأمر الذي سوف يوفر مساحة أكبر للقيام بعملياتها، تفوق مساحة منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية.
يتمثل أحد عناصر الجذب بالنسبة للطائرات الموجّهة عن بُعد أنها تؤدي في معظم الأحيان المهمة الموكلة إليها، وهي قتل الإرهابيين. فهي تؤدي ذلك بسرعة فائقة. وهذه بالضبط هي وجهة النظر التي يسعى إلى توضيحها منتقدو إدارة أوباما. يشكو غريغوري جونسن، وهو خبير في الشأن اليمني ويكتب في مدونة واق الواق على الإنترنت، من أن الإدارة الأميركية أصبحت تعتمد على حلول سريعة وبسيطة بالنسبة لليمن، بدلاً من تلك التي تتطلب وقتاً وجهداً أكبر. ويعتقد جونسن وآخرون أنه يجب على الإدارة الأميركية أن تعطي أولوية أكبر لعملية التنمية الاقتصادية البطيئة والمملة، بالإضافة إلى المشاركة السياسية التي تشمل المعارضة اليمنية. من جانبه، قال باراك بارفي، الباحث في مؤسسة أميركا الجديدة، خلال حديث أدلى به، أخيراً، لشبكة سي إن إن الأميركية: يتعين على الولايات المتحدة أن تركز بشكل أكبر على الأسباب الجذرية للإرهاب، بدلاً من التركيز على نتائجه.
أسباب جذرية
الأسباب الجذرية للإرهاب ليست واضحة ضمناً، لكن ما هو واضح أن الإرهابيين يسعون إلى استغلال المساحات الفارغة التي أنشأتها الحكومات الضعيفة وغير الفعالة. وبالتالي فإن الحل طويل الأجل أمام توسع النشاط الإرهابي في مناطق مثل اليمن، يكمن في مساعدة الدولة لكي تصبح أكثر فاعلية وشرعية. وقد قبِل رؤساء أميركا بهذه الفرضية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وخلال حفل تنصيبه لفترة ولاية ثانية، أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ان نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي هو في صميم مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة. بينما كان أوباما مرشحاً للرئاسة، قال إن الولايات المتحدة عليها أن تولي تركيزاً أقل على الانتخابات في الدول الهشة، وأن تولي اهتمامها لتعزيز التنمية الاقتصادية وقدرات الحكومة.
لقد تضمنت استراتيجية مكافحة التمرد التي اعتمدها أوباما في أفغانستان المكون المدني الذي صمم لهذا الغرض. ومن الإنصاف القول إن إدارة أوباما لم تبد التزامها بعملية بناء الدولة في اليمن. وبلغت قيمة المساعدة المدنية الأميركية في اليمن هذا العام مبلغاً متواضعاً للغاية هو 112 مليون دولار، ستذهب 73 مليون دولار منها للمساعدة الإنسانية الأمر الذي يترك 39 مليون دولار فقط للتنمية، أو ما يزيد قليلاً عن 1.50 دولار أميركي لكل مواطن يمني من اصل 24 مليون نسمة. فهذا البلد يأتي في المرتبة 154 في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، حيث تكون الأسر في حاجة ماسة لمياه الشرب النظيفة والكهرباء والوقود، بالإضافة إلى مواد أساسية أخرى.
لقد أظهرت تجربة أفغانستان وهايتي والعديد من الدول الأخرى، أنه من الصعب إنفاق مبالغ كبيرة بشكل فعال على دول ليس للحكومة فيها حضور يذكر خارج بعض المدن الرئيسية. وبعد سنوات من الجهود ومليارات من الدولارات، لا تزال الحكومة الأفغانية فاسدة للغاية وضعيفة جداً وليست شرعية تماماً. اليمن أكثر تطوراً من أفغانستان، لكن33 عاماً من حكم الرئيس علي عبدالله صالح، الذي اتسم بالشخصنة والفساد الشديد، كانت كفيلة بإضعاف مؤسسات الدولة، وحوّلت معظم الاقتصاد إلى شبكة محسوبية. القيمة الهامشية لأية دولارات إضافية قد تنخفض بسرعة كبيرة. أمل حقيقي
هناك مقال نشر أخيراً في مجلة فورين بوليسي زعم أنه من خلال ازدراء البيت الأبيض لنجاحات الحركة الشبابية التي نزلت إلى الشوارع في نسختها اليمنية من الربيع العربي، فقد يكون بذلك قضى على أي أمل في ثورة ديمقراطية حقيقية، وبالتالي يمن مستقر وأكثر مرونة. وتوقع كاتب المقال أن يرتمي المزيد من الشباب الساخطين في أحضان القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ذلك أمر ممكن، لكن النقاش نفسه دار حول الغارات بطائرات موجّهة عن بعد، وحتى الآن لا يوجد أي دليل كاف على صحة أي من الجبهتين. لا يبدو أن هناك الكثير من اليمنيين ممن يشاركون مقاتلي القاعدة من الأجانب أفكارهم، مقارنة مع الباكستانيين الذين يؤيدون طالبان أبناء الأرض.
