يعد بروز المرشحين الرئاسيين د. محمد مرسي، والفريق أحمد شفيق، في الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية المصرية لخوض غمار الإعادة، بمثابة الاستحضار المطلق لمقولة «إخراج الجديد ودفع القديم»، وهو استئناف للمعركة ذاتها التي كانت مندلعة في الحياة السياسية المصرية على امتداد أجيال، كما أنه يعد بمثابة وصفة لورطة أخلاقية خطيرة في صفوف ثوار مصر، ولكن القصة لم تنته فصولاً عند هذا الحد، حيث يبرز الاهتمام الكبير بالمرشح الناصري حمدين صباحي الذي تردد الكثير عن إمكانية منافسته على المرتبة الثانية من الانتخابات، قبل إعلان استبعاده بشكل نهائي.

قوة دفع

وقد حظي صباحي بقوة دفع كبيرة باعتباره المرشح الوحيد الذي كان بمقدوره أن يمثل الناخبين اليساريين غير الإسلاميين، وفي الوقت نفسه لا يتم ربطه بالنظام السابق، وقد أشار المراقبون إلى أن المرشح الإسلامي د. عبد المنعم أبو الفتوح الذي كسب تأييد كثير من الناخبين المؤيدين للثورة قد لعب دور المفسد في الانتخابات، فلو أن غالبية أصواته قد ذهبت لحمدين صباحي، لكان هذا الأخير قد تجاوز شفيق باقتدار.

وعلى الرغم من أن الكثير مما يتعلق بالانتخابات في مصر يظل بعيداً عن الحسم، فإن هناك دروساً محدودة يمكننا أن نخرج بها من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

أولاً، الوسط المصري لم يقدر له التماسك: يتعين على الإعلاميين الذين كتبوا أشياء من قبيل أن: «عمرو موسى يتصدر السابق الرئاسي»، أن يراجعوا مواقفهم تماماً، فاستطلاعات الرأي التي وضعت الأمين العام للجامعة العربية السابق في الصدارة كانت مخطئة تماماً، حيث أوضحت نتائج الانتخابات في جولتها الأولية أن عمرو موسى كان في ذيل الذين خاضوا السباق، وقد أعاد استطلاع للرأي، نشرته صحيفة الأهرام في 14 إبريل الماضي، خلط الأوراق، عندما استبعدت لجنة الانتخابات المصرية ثلاثة من المرشحين، وهم عمر سليمان، وحازم أبو إسماعيل، وخيرت الشاطر. وكان المرشحان عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح يفتقران إلى بريق الأسماء المستبعدة.

ولكن بينما تغير ترتيب البارزين في السباق، فإن الناخبين لم يتغيروا، وقد برهنت الفترة بين عملية استبعاد وبين الجولة الأولى من الانتخابات، على أنها كافية لكي تنطلق الماكينة الانتخابية للإخوان المسلمين لتدفع د. محمد مرسي إلى الصدارة، وكانت كافية أيضاً لكي يفوض شفيق دعم صفوف المصريين، المتشككين في الإسلاميين والساعين إلى عودة الاستقرار، لعمرو موسى.

ثانياً، أثارت نتائج الجولة الأولى مشاعر الارتياح في الولايات المتحدة وإسرائيل: يعد الفريق أحمد شفيق المرشح الذي لن يتحدى الشراكات الدولية التي أبرمها نظام مبارك، وقد أعلن أنه إذا تم انتخابه فإن الولايات المتحدة ستكون الدولة الأولى التي سيبادر لزيارتها، ولكن بعد عام من التأييد الخطابي الأميركي للثوار المسلمين، فإن الأمر سيقتضي من واشنطن الكثير من تعديل المواقف لتعود إلى معانقة الفريق شفيق، وخاصة عندما تندلع الاحتجاجات الحتمية في القاهرة.

تحديات

والتحديات التي يمثلها مرشح الإخوان المسلمين د. محمد مرسي، الذي وصف الإسرائيليين مراراً بأنهم قتلة، هي تحديات معروفة جيداً، ومع ذلك فإنها تظل أقل من تلك التي كان يشكلها المرشح حمدين صباحي الذي انتقد منذ زمن بعيد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وتعهد بأنه إذا فاز بالرئاسية فإن مصر في ظل رئاسته لن تبيع الغاز لإسرائيل، وكان يشير إلى إسرائيل على امتداد حملته الانتخابية بـ «الكيان الصهيوني».

وقد ذهب الكثير من المراقبين إلى الإعراب عن اعتقادهم بأن صباحي يمكن أن يكون السياسي الذي سيؤدي بروزه إلى تعقيد العلاقات المصرية - الأميركية. فهو في نهاية المطاف السياسي المصري الذي لم يتردد في عام 2005 في الإعراب عن تأييده للهجمات التي تعرض لها الجنود الأميركيون في العراق، ونقل عنه قوله: «إن أي سلاح يوجه إلى الأميركيين في العراق هو سلاح في موضعه، وكل سلاح يقتل الأميركيين هناك هو سلاح في موضعه».

ثالثاً، سقوط معاقل بارزة للإسلاميين: تحدت المناطق المصرية، التي كان يفترض أنها تحفل بأصوات الناخبين المتحمسين لمرسي وأبو الفتوح، كل التوقعات، فعلى سبيل المثال هيمن السلفيون على الانتخابات البرلمانية في الإسكندرية، ولكنهم اكتسحهم العلماني حمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية.

 

مخاوف التزوير

 

ينطبق على امتداد مصر ما حدث من تراجع للإسلاميين في معاقلهم، ففي محافظة الشرقية، التي يفترض أنها من معاقل الإخوان المسلمين، حصل الفريق شفيق على تسعين ألف صوت أكثر مما حصل عليه محمد مرسي، وفي محافظة الغربية، وهي محافظة أخرى يسيطر عليها الإخوان المسلمون والحزب السلفي، وبرز ذلك واضحاً في الانتخابات البرلمانية، سحق شفيق مرسي بحوالي 200 ألف صوت.

لقد توقع الجميع أن تفقد الحركات الإسلامية بعضاً من طاقتها، مقارنة بأدائها في الانتخابات البرلمانية، ولكن ليس من الواضح كيف حصل ما شهدناه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وقد أشار بعض المحللين إلى أن التزوير ربما لعب دوراً، وهو ما يشكل مخاوف ستغدو أكثر بروزاً إذا فاز شفيق في الإعادة.