اختتم حلف «ناتو»، أخيراً، قمته التي انعقدت على مدار يومين في شيكاغو الأميركية، بتصديق رسمي على خطط إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بسحب تدريجي لقوات الحلف من أفغانستان على مدى العامين والنصف المقبلين، في حين وضع الأساس للوجود العسكري المتواصل الذي تقوده الولايات المتحدة في البلاد خلال عام 2024 وما يليه.
وقد استخدم الرئيس أوباما القمة لإرسال رسالتين متضاربتين. الأولى، أن المقصود بــ«الحرب في أفغانستان، حسبما نفهمها، قد انتهت» تستهدف تهدئة المعارضة الساحقة بين الشعب الأميركي للوجود العسكري الأميركي في أفغانستان قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في عام 2012. أما الرسالة الثانية، فقد استهدفت حلفاء واشنطن في حلف «ناتو» وتمحورت حول مناشدتهم دعم الخطط الأميركية لإبقاء قواتها وقواعدها في البلاد على الأقل حتى عام 2024. وأشار إلى هذا على أنه يشير إلى رسم الولايات المتحدة وحلف «ناتو» رؤية لمستقبل أفغانستان.
رؤية مختلفة
تتضمن هذه «الرؤية» استمرار احتلال البلاد بقوات أميركية يزيد قوامها على 20 ألف جندي، ومتابعة جهود واشنطن لتحويل أفغانستان إلى قاعدة أميركية تقع على أطراف منطقة آسيا الوسطى الغنية بالنفط. وفي حين انه أعيد وصف أفراد هذه القوات بأنهم «مدربون» و «مستشارون»، بدلاً من وصفهم بأنهم قوات مقاتلة، فإن هذه القوات من المقرر أن تشتمل على أعداد كبيرة من فرق العمليات الخاصة، مدعومة بالقوة الجوية الأميركية، التي سوف تواصل الغارات الليلية وعمليات القصف التي أودت بحياة أعداد كبيرة الضحايا المدنيين وأثارت كراهية وغضب الشعب الأفغاني.
وكان التحضير الرئيسي للقمة في شيكاغو هو التوقيع على «اتفاق الشراكة الاستراتيجية الدائمة» من قبل الرئيس أوباما ونظيره الأفغاني حامد قرضاي بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الاميركي ذهاباً و إياباً من أفغانستان تحت جنح الظلام، أخيراً.
وفي الوقت الذي لا تزال هناك تفاصيل تنقص الاتفاق، فهو يوفّر الوسائل لبقاء القوات الأميركية في البلاد بعد نهاية عام 2014، وهو الموعد الذي حدده حلف «ناتو» لسحب قواته من أفغانستان. كذلك فقد ألزم الاتفاق واشنطن وحلفاءها بمواصلة تمويل قوات الأمن الأفغانية، والتي من المقرر أن تتم زيادة أعدادها لتصل إلى 352 ألف جندي في أكتوبر المقبل، قبل أن ينخفض العدد إلى 32 ألف بحلول عام 2017.
وتقدر التكلفة السنوية للحفاظ على القوات الأفغانية وقوات الشرطة بـ 4.1 مليارات دولار، وكان هدف الولايات المتحدة الرئيسي في القمة هو الضغط على الدول الأعضاء الأوروبيين في الحلف، والتي تمرّ بأزمة اقتصادية متفاقمة وتنفذ تدابير تقشف صارمة، لتقديم الدعم لهذه القوات العميلة. وأشار مسؤولو الحلف إلى أن الخطة تقتضي يتقديم أفغانستان 500 مليون دولار، وبالنسبة لأعضاء «ناتو» الآخرين دفع 1.3 مليار دولار، وتقوم الولايات المتحدة بتمويل المبلغ الباقي.
كان هناك نقاش علني محدود حول التمويل العسكري، والذي لا يحظى بشعبية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، في ظل الظروف الراهنة يجري خلالها إبلاغ الطبقة العاملة بأنه لا توجد أموال لدفع رواتب لتوفير الوظائف والرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الضروريات الأساسية الأخرى.
تقديرات فرعية
ووفقا لتقديرات صدرت، أخيراً، عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهي مؤسسة فكرية تتخذ من واشنطن مقراً لها، فقد ارتفعت تكلفة الحرب في أفغانستان بين العامين الماليين 2001 و2013 إلى 641.7 مليار دولار، بزيادة 30% مما تم إنفاقه في العامين الماليين 2012 و2013. وعملياً، فلم يتم القيام بشيء حيال هذه الأرقام الكبيرة من أجل تحسين البنية التحتية في أفغانستان أو الظروف بالغة السوء التي يعيش فيها معظم سكانها، حيث يتم إنفاق الغالبية العظمى من هذه الأموال على العمليات العسكرية، وتدفع إلى المسؤولين الفاسدين الذين قاموا بتحويل الكثير منها إلى حسابات مصرفية أجنبية.
وتضمن خطاب أوباما حول وضع حد للحرب و«الرؤية» الجديدة في أفغانستان تحذيراً بشأن «استمرار الخسائر في الأرواح»، وأنه سوف تكون هناك «أيام صعبة مقبلة». من جانبه، كان الجنرال جون ألين قائد القوات الأميركية في أفغانستان، أكثر وضوحاً إلى حد ما حيال المستقبل القريب. فقد نحى جانباً ما أسماه بالسيناريو الموجود هناك» الذي تروج له إدارة أوباما، ومفاده أن الولايات المتحدة وقوات حلف «ناتو» تنقل جميع العمليات الأمنية إلى القوات الأفغانية في عام 2013. وقال: «سوف تستمر العمليات القتالية في البلاد طوال الفترة» المنتهية في الحادي والثلاثين من ديسمبر من عام 2014. وسوف يستغل الجيش الأميركي هذه الفترة للقيام بعمليات لمكافحة التمرد بهدف استنزاف القوى المقاومة للاحتلال الأجنبي.
وأضاف الجنرال ألين بأنه مع المضي قدما في الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية، فإن البنتاغون على استعداد لتعزيز الاحتلال في حال وجود تقدم كبير من جانب قوات المعارضة المسلحة الأفغانية. وأضاف: «إذا اكتشفنا أن وجوداً لحركة طالبان، في الواقع، بدأت في الزيادة خلف خطوط قواتنا، فإن لدينا قوات نعتزم وضعها للحيلولة دون حدوث ذلك.»
وقد خيم على القمة فشل واشنطن التوصل إلى اتفاق مبكر مع الحكومة الباكستانية بشأن إعادة فتح طريق الإمدادات من ميناء كراتشي إلى الحدود الأفغانية، والذي تم إيقافه لمدة ستة أشهر احتجاجا على الضربات العسكرية الأميركية على الحدود الباكستانية في شهر نوفمبر الماضي، والتي أودت بحياة دزينتين من الجنود الباكستانيين.
مطالب باهظة
أصدرت الحكومة الباكستانية سلاسل من المطالب كشرط لإعادة فتح الطريق، والذي كان ينقل ما بين 30 و40% من الإمدادات الأميركية، والذي سيصبح ذا أهمية حيوية، في الوقت الذي يحسب البنتاغون أعداداً كبيرة من المعدات الثقيلة من أفغانستان. وشملت هذه المطالب تقديم واشنطن اعتذاراً عن المذبحة بحق القوات الباكستانية، ومراجعة الحملة الأميركية بواسطة الطائرات الموجّهة عن بعد على باكستان، وزيادة رسوم العبور من 250 دولاراً للمركبة الواحدة إلى 5 آلاف دولار، وهو المعدل الذي وصفه مسؤولون أميركيون بأنه «باهظ».
