يعد الكثير من المراقبين فوز فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أخيرا، إنجازا حقيقيا بكل المعايير، حيث لم يكن ينظر إليه نظرة جدية كمرشح للرئاسة، ولم تتح له فرصة تقدم الصفوف إلا بعد استبعاد دومينيك ستراوس بفعل الفضيحة المدوية قبل عام مضى.

 ومن ذلك الحين تغلب هولاند على الانقسامات داخل الحزب الاشتراكي وعلى الصورة غير المتألقة في أذهان الجماهير، ليشق طريقه إلى المنصب الأول في فرنسا، وهو بعد أن وعد بـ"التغيير"، لن يرتقي إلى سدة الرئاسة على ظهر توقعات كبيرة، ولكن التغيير سار سواء في فرنسا أو أوروبا لا يبدو شيئا واضحا حتى الآن.

لقد وعد هولاند "بإعادة التفاوض" حول الصفقة المالية الأوروبية التي تنظر إليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل باعتبارها حجر الأساس في خطط استقرار منطقة اليورو، ووعد بعدم التصديق على المعاهدة إذا لم يصل إلى ما يسعى إليه، حيث أبلغ أنصاره خلال الحملة الرئاسية بأن ألمانيا لا ينبغي "أن تتخذ القرار عن أوروبا بأسرها" وقد مضى قدما بمطلبه في لقائه الأول مع ميركل.

غير أنه في حقيقة الأمر لم يكن اقتراع الفرنسيين لصالح هولاند رفضا للتقشف ببساطة، فقد سئم الناخبون الخسائر في فقدان الوظائف والركود بالتأكيد، ولكنهم ضاقوا ذرعا، على نحو أكبر، بالرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، وقد وعدهم هولاند بكل من "الرئاسة العادية" وبمجتمع أكثر عدلا، وهو يخطط للوصول بأعلى مستوى للضرائب إلى 75%، وزيادة الحد الأدنى للأجور وفرض ضرائب أعلى على الشركات والثروات، وإيجاد 60 ألف وظيفة في قطاع التعليم، وخفض سن التقاعد بالنسبة للبعض ليعود من جديد إلى 60 عاما، وهو المستوى الذي كان عليه إلى أن رفعه ساركوزي في 2010.

وفي الوقت نفسه، وعد هولاند بالحفاظ على التزام الحكومة المنتهية ولايتها بالتراجع بالعجز في ميزانية البلاد إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي في العام المقبل، وهو لم يتردد في هذا الشأن، الأمر الذي يعد الموقف الأول من نوعه بالنسبة لمرشح اشتراكي في فرنسا. وعلى الرغم من أنه يقول إنه سيؤجل توازن الميزانية حتى عام 2017، أي متأخرا عاما عما كان يخطط له ساركوزي، فإنه لم يدع مرة واحدة إلى تنشيط ممول بالعجز للاقتصاد الفرنسي.

وربما تعمد هولاند إسدال ستار الغموض على الكيفية التي سيحقق بها ذلك. ويقول مكتب المحاسبة الفرنسي العام إن فرنسا ستحتاج إلى أن توجد زيادة مقدارها 20 مليار يورو أي 26 مليار دولار كل عام لمجرد أن تحقق المستهدف في العجز، وذلك قبل إضافة تعهدات الإنفاق التي تقدم بها هولاند في حملته الانتخابية التي لا تعد شيئا مبالغا فيه، حيث تقدر قيمتها بـ20 مليار يورو على مدار 5 سنوات، ولكنها كذلك ليست بالشيء الذي يمكن تجاهله، وستكون موازنة الدفاتر الفرنسية شيئا أكثر صعوبة إذا خيب النمو توقعات هولاند بأن يكون معدله 1.7% العام المقبل، وهو الأمر الذي يبدو محتملا.

ولكن صندوق النقد الدولي يتوقع النصف في المئة فقط. ويقول غيوم منوي المحلل الاقتصادي في مجموعة سيتي غروب: "لا يمكنه الوصول إلى أرقامه بالضريبة وحدها، وسوف يضطر إلى القيام بمزيد من تخفيض الإنفاق".

وبتعبير آخر فإن هذا ما ليس وعد به هولاند الناخبين تماما، حيث يبدو أنه سيضطر إلى تنفيذ شكل من أشكال التقشف. ويقول فلير بلرين أحد مسؤولي حملة هولاند والمرشح لتولي منصب حكومي: " لقد كان الانتخاب المناهض للتقشف صحيحا بالنسبة لليونان لكنه لن يكون كذلك بالنسبة لفرنسا، وقد قال هولاند بوضوح إنه سوف يتمسك بالعجز المستهدف، والجميع يعرف أننا يتعين علينا أن نبذل جهدا، ولكن الأمر سيتم إنجازه بصورة منصفة.

وستكون من الخطوات الأولى المهمة بالنسبة لهولاند إقامة علاقة إيجابية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترسخ مكانته كقوة بناءة من أجل التغيير في أوروبا، وهولاند، باعتباره الابن الروحي لجاك ديلور داعية الاندماج الأوروبي، يعرف حق المعرفة مدى الحاجة إلى علاقات فرنسية ألمانية متينة. وأمام هولاند فرصة محدودة في تغيير المعاهدة الأوروبية. وكانت ميركل، التي أيدت حملة ساركوزي، قد قالت قبل لقائها هولاند إنها سترحب به بذراعين مفتوحين، ولكنها حرصت أن تشير لفرنسا والجميع إلى أن الصفقة المالية الخاصة بالاتحاد الأوروبي ليست "مفتوحة لإعادة التفاوض" على نحو يزيد على شروط انتشال اليونان من ورطتها.

ولا يزال موقف هولاند غير واضح فيما يتعلق بإنقاذ اليونان من ورطتها، وإذا اتفق مع ميركل في موقفها من اليونان، فماذا سيكون عليه وضعه كثقل مواز جديد في أوروبا، دع جانبا مصداقيته في فرنسا كرجل يعارض التقشف؟ أما إذا اختلف معها فإن صدعا سيحدث في قلب أوروبا.