على الرغم من انقضاء بعض الوقت بين إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية وبين اللقاء الأول الذي ضم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند، الا أنه من المحقق أنها تعرفه حق المعرفة، ولولا ذلك لما بادر كبار دبلوماسييها إلى الإعلان بمزيد من الثقة أنهما وجدا "حلا براغماتيا" فيما يتعلق بالتحالف المثالي الجديد، على نحو ما صرحوا لأجهزة الإعلام أخيرا، ولكن كما يعلم المراقبون فإن البراغماتية هي ما ترمز إليه ميركل.

وفي غضون ذلك فإن أجهزة الإعلام البريطانية لا تزال تميل إلى الحديث عن الدبلوماسية القارية من منظور تحالفات كل شيء أو لا شيء، ومن منظور تحركات العباءة والخنجر. وفي حقيقة الأمر فإن الزعيمة الألمانية قد تجاوزت السياسات التي تدفعها الأيديولوجية والمنتمية إلى أوائل القرن العشرين، فأسلوب ميركل في القيادة في أوروبا قد أصبح درسا كاملا في الأسلوب الأفضل والأسوأ للبراغماتية الأنجلوسكسونية القائمة على القول: فلننتظر ولنر.

من المؤكد أن هناك البعض في حزب ميركل المسيحي الديمقراطي يؤمن تماما بالحظر المالي وبالتقشف، ولكن ميركل ليست واحدة منهم، وفي حقيقة الأمر أنها تغيرت وتحولت إلى النغمة الميالة للنمو بمجرد أن بدا فوز هولاند أمرا محتملا في إبريل الماضي. وسجل ميركل الوزاري حافل بعلامات التحول فيما يتعلق بالتدخل في أفغانستان وعمليات إنقاذ منطقة اليورو والطاقة النووية.

إن الأمر المدهش هو أن ميركل تفلح في الإفلات بما تقوم به، ففي الانتخابات الأخيرة التي أجريت في ولاية شليسفج هولشتاين خسر حزبها 0.7% بينما خسر شريكها في الائتلاف الحزب الديمقراطي الحر 6.7% ومع ذلك، فقد تم على نحو ما استدراج الإعلام الألماني إلى النظر إلى ذلك باعتباره هزيمة للديمقراطيين الاشتراكيين وللخضر.

وفي حقيقة الأمر أن هناك تكهنات بأن ميركل قد أدركت بالفعل أن استراتيجية أوروبا الاقتصادية الحالية لا تكلل بالنجاح، وأنها ربما تمد يدها للضغط على زر النجاة قبل أن يفوت الأوان. وهناك حديث في برلين عن دعوة ميركل إلى انتخابات مبكرة في سبتمبر المقبل والتخلي عن الديمقراطيين الأحرار والاتجاه إلى تحالف كبير مع الديمقراطيين الاشتراكيين.

وهذا ليس من شأنه فقط أن يضعها في أوج موقف أقوى عندما تصل العاصفة الاقتصادية، أخيرا، إلى ألمانيا، وإنما من شأنه ذلك أن يمكنها من القيام ببعض التنازلات لهولاند ، مثل الصفقة المتعلقة بالضرائب، والتي يعارضها الليبراليون حاليا.

وقد أدت طلقة التحذير الأولى المبكرة التي أطلقها هولاند تجاه جارة فرنسا الشرقية: " ليس من شأن ألمانيا أن تتخذ القرار لباقي أوروبا "- أدت إلى أن يعلن البعض "نهاية التقشف". أما مسألة صعوده إلى مستوى هذا الخطاب فهي مسألة أخرى تماما، وفي مناظرته الأخيرة أشار بصورة متكررة إلى نجاح النموذج الألماني .

والأمرالذي كان الأكثر احتمالا من الصدام هو أن الزعيمين يعدلان مواقفهما ويمضيان قدما معا. وفي عام 1981 كانت هناك مخاوف مماثلة حول العلاقات الفرنسية الألمانية عندما وجد هيلموت شميت المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي نفسه في مواجهة الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا آنذاك فرانسوا ميتران. ويكشف تقرير أعلن فحواه أخيرا عن شعور شميت بالاحباط حيال ميتران، وقوله له : " إن أساليبك وطرقك يصعب أن نتناغم معها". ولكن سرعان ما تخلص الناخبون من شميت ومضى هيلموت كول المحافظ وميتران في مسيرة تشبه منزلا يحترق.

ومن عجائب العلاقات الفرنسية الألمانية أن من ينتمون إلى الأطراف السياسية المتعارضة يتفاهمون على نحو أفضل من أشخاص ينتمون إلى أحزاب متقاربة.

ومع ذلك فإنه يتعين على هولاند التزام الحذر فهو يواجه شريكة صعبة في المفاوضات، والخطر بالنسبة لأوروبا لا يكمن في أن الزعيمين الفرنسي والألمانية لن يتفاهما، وإنما في أن تقوم ميركل بدفع هولاند إلى التفكير في أنه قد كسب المناظرة، بينما تواصل أوروبا مسيراتها في الدرب الزلق على نحو ما كانت الحال عليه.