تعد الأخبار المتعلقة بالانتهاء المبكر للربيع العربي وموجة الاحتجاجات الجماعية العفوية المطالبة بتغيير الأنظمة وبالحقوق السياسية، أخبارا مبالغا فيها إلى حد كبير، وأولئك الذين يعتقدون أن هذه الظاهرة قد انتهت يبنون اعتقادهم على عدد من العوامل، وحيث أن العدوى قد وصلت إلى سوريا منذ أكثر من عام مضى، بعد أن اجتاحت تونس ومصر وليبيا.
واليوم فإن انتشارها يبدو أنه قد تم احتواؤه، وبخلاف مظاهرات عفوية في دولتين عربيتين أخريين، فإن موجات تسونامي السياسية هذه قد ابتعدت عن شواطئ دول عربية أخرى كالجزائر والسودان والعراق.
وعلاوة على ذلك، فإن الانفعال الكبير الذي صاحب في أول الأمر الانتفاضات السلمية في تونس ومصر قد انقضى، والتدخل الأجنبي والحرب الأهلية التي أعقبته في ليبيا، ألقيا بظلالهما على براءة الربيع العربي. وقد صدمت طريقة مواجهات المظاهرات في سوريا العالم، كما أكدت تعقد الأزمة، حيث تسود التوترات بين القوى العالمية حول طرق التعامل مع الوضع هناك. وأولئك الذين راهنوا على تغير سريع في سوريا يشعرون بالإحباط.
وفي مصر التي أذهلت ثورتها العالم كله، تضرب الفوضى الآن أطنابها ويسود الغموض، ويهدد صراع على السلطة بين التيار الإسلامي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مصير الانتخابات الرئاسية الوشيكة. ولم يجمع المصريون على آلية لكتابة دستور جديد، وهناك مخاوف حقيقية من النوايا الكامنة لدى قادة التيار الإسلامي الذي يشكل الآن أكبر قوة منظمة في البرلمان المصري.
الغموض والمستقبل
وفي اليمن يسود الغموض أيضا فيما يتعلق بمستقبل البلاد، في الوقت الذي يبذل الرئيس الجديد قصارى جهده لممارسة سلطاته، وربما يكون الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح قد خضع للمطالب الشعبية والإقليمية، ولكن أنصاره خاصة في صفوف العسكريين، يتحدون محاولات الإطاحة بما بقي له من نفوذ، ويظل مصير البلاد غامضا ومستقبلها على المحك.
وليست ليبيا ما بعد القذافي في وضع أفضل، حيث أن الخلاف بين المجلس الوطني الانتقالي والحكومة يمزق البلاد إربا. ولا يزال يتعين على الليبيين الخروج من آثار أربعة عقود من الطغيان والتخلف والتحديات المتعلقة بتبني الحكم الديمقراطي وتشكيل حكومة، في الوقت الذي يشكل الإبقاء على البلاد موحدة تحديات هائلة، ويلقي خطر الحروب القبلية بظلاله على هذا البلد الغني بالنفط.
وتأتي لمحة الأمل الوحيدة من تونس، التي تتحرك ببطء نحو المصالحة الوطنية بعد إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ، ولكن مسيرتها للأمام لا تخلو من المخاطر، حيث تواصل تيارات مختلفة اجتذاب هذا البلد في اتجاهات مختلفة، ويدور التحدي الأكبر حتى الآن حول هوية هذا البلد الذي كان علمانيا في وقت من الأوقات.
والقاسم المشترك الأعظم بين كل هذه البلاد التي مر بها الربيع العربي، هو بروز الإسلام السياسي بمختلف أشكاله وأطيافه، فقد سيطر الإسلاميون المعتدلون في كل من المغرب وتونس ومصر، ومن شأن الانتخابات الجزائرية أن تكشف النقاب عن المشاعر الحقيقية للناخبين.
ولكن الممارسة المصرية حتى الآن تثير الشعور بالإحباط لدى المراقبين في الداخل والخارج على السواء، وفي الأسابيع الأخيرة شاهد المصريون نماذج من خروج التيار الإسلامي عن السيطرة، حيث تسعى جماعة الإخوان المسلمين إلى الرئاسة، ويستعرض السلفيون عضلاتهم في شوارع القاهرة.
إجماع المراقبين
لقد ساهمت الفوضى في ليبيا ومصر، والغموض في اليمن وسوريا، في النظرية القائلة بأن الربيع العربي قد استنفد طاقته، وينعكس هذا في التطورات السياسية في دول عربية أخرى، حيث تم التعبير عن المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي، ولكن المراقبين يجمعون الآن على أن إدراكا جديدا قد فرض نفسه على أعلى المستويات، حيث يسعى قادة دول عربية أخرى إلى استيعاب التيار الإسلامي ضمن التيارات السياسية العاملة على الساحة.
