في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت في روسيا في شهري ديسمبر وفبراير الماضيين، قدمت السلطات الروسية تنازلات للمعارضة من خلال إعلانها عن مجموعة من الإصلاحات السياسية قبل انتخابات الرئاسة التي جرت في مارس الماضي.
وسرعان ما تم تمرير قانون للتخفيف من تسجيل الأحزاب السياسية الجديدة، بهدف تحرير العملية السياسية. ولكن تم تجاهل كل تعديل آخر اقترحته المعارضة، بما في ذلك أهم تعديلين، وهما قدرة الأحزاب على تشكيل ائتلافات قبل الانتخابات و المطالبة بخفض الحاجز المفروض على الأحزاب للحصول على مقاعد في مجلس الدوما. وفي الوقت الحاضر، يقف ذلك الحاجز عند مستوى 5%، أما الناخبون الذين يؤيدون الأحزاب الصغيرة فهم يخاطرون ليس بعدم التمثيل في البرلمان فحسب، ولكن أيضاً برؤية أصواتهم يتم منحها بشكل فعال لصالح الحزب الفائز. وسوف تكون النتيجة عملية بلقنة كبيرة يتم فيها تشكيل عشرات الأحزاب الجديدة، ولكنها عديمة الفائدة.
ثم إن هناك مشروع قانون لإعادة انتخابات منصب الحاكم مباشرة. وقد تم فرض مشروع القانون بسرعة بعدما اعرب الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف عن ضرورة وجود قانون جديد لانتخابات حكام الولايات مباشر، وأشار الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين إلى أنه ينبغي أن يتضمن شكلاً من أشكال الانتقاء لاستبعاد رئيس المرشحين غير المرغوب فيهم. بعد ذلك، جاء الكرملين بأشكال انتقائية أكثر صرامة، هذه المرة على مستوى انتخابات المحليات. وأدخلت السلطات شرطاً يفيد بأن المرشحين لمناصب حكام الولايات من الأحزاب المسجّلة يجب عليهم جمع توقيعات بنسب تتراوح بين 5% إلى 10% من نواب البلديات والمسؤولين المنتخبين من الهيئات البلدية.
لكن المرشحين المستقلين لديهم مهمة أكثر صرامة. يتعين عليهم أن يجمعوا التوقيعات من 0.5% إلى 2% من الناخبين في دائرتهم. و ما هو أكثر من ذلك، أن تلك التوقيعات لا يمكن جمعها من بلدية واحدة حيث يمكن أن يكون لمرشحي المعارضة قاعدة قوية، ولكن من ثلاثة أرباع من البلديات في المنطقة.
لدى المشرعين في المجالس التشريعية للأقاليم السلطة لتقرير أي شرط يستخدمونه، مثل توقيعات من 5% إلى 10% من نواب البلديات أو التوقيعات من 0.5% إلى 2% من الناخبين في المنطقة. السلطات في الأقاليم تعرف أي نهج أفضل سيقضي على المرشحين غير المرغوب فيهم. المجالس التشريعية في الأقاليم لديها أيضا سلطة للفصل في صحة التوقيعات. وتلك حيلة قديمة. الأمر بسيط للغاية بالنسبة للسلطات في استبعاد مرشح غير مرغوب فيه من خلال رفض الاعتراف بشرعية التوقيعات الفردية.
سلطات محدودة
وعلى النقيض من نظرائهم في أوروبا و الولايات المتحدة، فالبلديات الروسية ليس لها حقوق عملياً على الإطلاق. وليس لديهم تقريبا أي ميزانية مستقلة أو قاعدة ضريبية لتمويل برامج البلدية، و سلطاتها محدودة للغاية لدرجة أنها تظل تحت رحمة الحكام و تحت رحمة موسكو. فلو تم، على سبيل المثال، انتخاب رئيس بلدية لا ينتمي إلى الحزب الحاكم، فإنه يمكن حجب التمويل الذي يحق له الحصول عليه من المستوى الإقليمي. و الناخبون الذين هم على بينة من هذا الأمر يمكن أن يتم مواجهتهم بقرار قاسٍ، وهو: هل يستحق الأمر تجاوز المسارات التي بنيت عليها روسيا المتحدة، والتصويت لصالح مرشح المعارضة؟
وفي ظل هذه العمليات الانتقائية في انتخابات رؤساء الولايات، فإن الانتقاء في انتخابات الرئاسة لا داعي لها الآن، على الرغم من أن هذه العملية لا تزال قائمة في حال الاحتياج إليها. و على سبيل المثال، يمكن للرئيس أن يدعو لعقد اجتماع مع أي حزب أو مرشح مستقل، ويمكن التعبير عن موافقته أو رفضه بناء على تقديره الخاص. ولا تعتبر توصيات الرئيس ملزمة بشكل رسمي، ولكن كل سياسي يبحث عن مصلحته الخاصة يدرك فوائد إرضاء الكرملين.
ومع ذلك، فإن هناك عدد قليل من السمات الإيجابية في مشروع القانون. فعلى سبيل المثال، يمكن للمواطنين استبعاد الحكام الذين لا يحظون بشعبية من خلال استفتاء. لكن هذا يتطلب وجود حكم قضائي يثبت أن هذا المسؤول قد انتهك القانون، و يتطلب توقيعات من 25% من سكان الدائرة لبدء الاستفتاء، و تصويت أكثر من 50% في استفتاء لاستبعاد المسؤول من منصبه، وهي مهمة شبه مستحيلة في روسيا اليوم.
خطة أولية
وينص مشروع القانون أيضا على إجراء انتخابات لحكام الولايات في جولتين، على الرغم من أن الخطة الأولية كانت من أجل الحصول على أغلبية نسبية من الأصوات تكفي للانتخاب. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن انتخاب أي حاكم لأكثر من ولايتين متتاليتين، على الرغم من أن هذه القاعدة لا تنطبق على الحكام الحاليين الذين يمكن أن يتم انتخابهم لفترتين متتاليتين أخريين. وقبل أن يتم تمرير مشروع القانون، سرعان ما قام ميدفيديف باستبدال أكثر من عشرة حكام في المناطق التي كان أداء حزب روسيا الموحدة ضعيفاً في مجلس الدوما و الانتخابات الرئاسية.
سوف يدفع التشريع الجديد أحزاب المعارضة إلى أن تكون أكثر نشاطاً على مستوى المحليات. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يكون هذا تطوراً إيجابياً لو أن التنافس السياسي بدا في مستوى أكثر أهمية بالنسبة لتطور أي ديمقراطية. ولكن لتفعيل ذلك، فإن الهيئات البلدية في حاجة إلى مزيد من السلطة لصياغة ميزانيات الإنفاق المحلي ومراقبتها.
