الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين أمام مجلس الدوما، أخيراً، كان أول خطاب عام رئيسي بعد انتخابه في مارس الماضي. فقد استغل هذه المناسبة لتلخيص انجازات حكومته خلال السنوات الأربع الماضية، ووضع الخطوط العريضة لخططه المستقبلية كرئيس للبلاد.

وبشكل عام، لم يقل بوتين شيئاً جديداً. وللمرة الألف، تعهد بحل المشكلات طويلة الأمد في روسيا المتعلقة بالفساد والتفاوت الاجتماعي و تدهور شبكات الطرق والبيروقراطية المتضخمة و المناخ الاستثمار غير المواتي واعتماد الاقتصاد بشكل مفرط على صادرات المواد الخام. و تلك هي المشكلات نفسها التي وعد بمعالجتها عندما تم انتخابه لأول مرة رئيسا في عام 2000، والتي ازدادت سوءاً خلال السنوات الـ 12 التي قضاها في السلطة.

وصف بوتين السنوات الأربع الماضية كرئيس للوزراء في روسيا بأنها كانت عبارة عن سلسلة من الانجازات والنجاحات الراسخة، متجاهلاً حقيقة أن المنافسين الرئيسيين لروسيا في مجموعة بريك وهم الصين والهند والبرازيل، قد أحرزوا تقدماً و نمواً أكبر بكثير خلال الفترة نفسها. كما أوضح انه لن يقبل أي تغيير في النظام السياسي، ولم يقترح أي إصلاح مؤسسي، حتى على الرغم من أن المؤسسات المتخلفة في روسيا تشكل الحاجز الرئيسي نحو التنمية.

 

رفض للمطالب

ورفض بوتين كل المطالب الرئيسية التي قدمها عشرات الآلاف من الغاضبين والمواطنين من الطبقة المتوسطة المتعلمة الذين خرجوا للاحتجاجات في الشوارع بين شهري ديسمبر ومارس الماضيين.

ويعتبر إعلان بوتين بأنه سوف يتعاون بشكل بنّاء مع مجلس الدوما طوال فترة ولايته الدستورية كاملة بمثابة رفض واضح لمطالب المحتجين المنادين بإجراء انتخابات مبكرة لمجلس الدوما تكون مفتوحة لجميع قوى المعارضة. كذلك أشار هذا الإعلان إلى عدم رغبة بوتين للتحقيق في آلاف الحوادث الموثقة بشأن الانتهاكات انتخابية.

ويتسم رد فعل بوتين تجاه الأزمة السياسية في بلدية استراخان بالاتساق التام مع هذه المواقف. ففي استراخان، أنحى مرشح حزب روسيا العادلة أوليغ شين باللائمة على التزوير الانتخابي الهائل لخسارته في السباق على رئاسة البلدية أمام مرشح حزب روسيا الموحدة ميخائيل ستولياروف حيث يقوم حالياً بإضراب عن الطعام مع أنصاره منذ السادس عشر من مارس الماضي.

ورداً على سؤال حول رؤيته لحالة نائب روسيا العادلة خلال خطابه أمام الدوما، قدم بوتين رداً مستهزئاً يفيد بأن المتظاهرين عليهم أن يتقدموا بقضيتهم إلى المحكمة. وليس سراَ أن المحاكم في روسيا غير نزيهة وأن المحاولات السابقة لإقامة دعاوى قضائية ضد مسؤولين لتزوير الانتخابات تم رفضها دون سابق إنذار من قبل قضاة التحقيق من دون فحص الأدلة. وكونهم منزعجين لسخرية بوتين من المحتجين، غادر أعضاء حزب روسيا العادلة مجلس الدوما بشكل مفاجئ.

قبل أن يدخل شين إضرابا عن الطعام، تقدم بشكوى للجنة الانتخابات المركزية، لكنه سرعان ما أدرك أن هذه الخطوة كانت غير مجدية. غالبية أعضاء اللجنة هم من حزب روسيا الموحدة، ويتم تعيين ما يقرب من ثلث أعضاء اللجنة من قبل الإدارة الرئاسية. وكان رد فعل لجنة الانتخابات بأن الانتهاكات الانتخابية في السباق على رئاسة بلدية استراخان محدودة، ولا يمكن أن تكون قد أثرت على النتيجة النهائية. واتخذ مكتب المدعي العام الموقف نفسه.

 

تقبل النتائج

يقول بوتين للروس: ان الانتخابات انتهت. فلنقبل النتائج وننس ما مضى. أما مسألة فتح تحقيق يتسم بالشفافية والنزاهة بشأن مزاعم تزوير الانتخابات في استراخان فسوف يتم فتح صندوق باندورا. فإذا تحققت هذه العملية ، فإن المحققين سرعان ما سيكتشفون الانتهاكات الفظيعة والاحتيال في كل منطقة على امتداد البلاد تقريباً. وهذا هو السبب في أن السلطات تعارض بشكل صارم مطالب المحتجين، حتى لو كانت صحة المضربين عن الطعام و حياتهم على المحك.

لا شيء من تلك الأوضاع يبشر بالخير بالنسبة لروسيا، ذلك أن كلا من السلطات والمتظاهرين يواصلون رفع رهاناتهم. يتمسك بوتين بشكل متعنت بأسلوبه الاستبدادي في حكم البلاد، في حين أن المتظاهرين ليس لديهم خيار آخر سوى اللجوء إلى تدابير يائسة، مثل الإضراب عن الطعام و المظاهرات، لتحقيق أهدافهم. وهذا اتجاه خطير لأنه يحتمل أن يتصاعد إلى صراع عنيف.