من المؤسف حقاً ألا يعتبر مزاد بيع سندات غير مخيف البتة على أنه أخبار طيبة في الأسواق العالمية، فيما وصف بأنه انعكاس لبشاعة الأمور الناجمة عن أزمة اليورو. وهذا هو ما فعلته الحكومة الإسبانية، أخيراً، عندما أقدمت على دخول أسواق المال العالمية لجمع أموال من بيع سندات الخزانة الإسبانية يتراوح أجلها بين عامين وعشر أعوام، حيث وجدت مشترين لكلا النوعين من السندات.
فقد أشار أحد العناوين بالقول: ارتياح بسبب الطلب على سندات الدين الإسبانية، وهو العنوان الذي كان ملخصاً منطقياً لردود الأفعال في الأسواق. إلا أن أحدا لا يعتقد أن حالة الذعر تراجعت لأكثر من دقيقة، ليس تراجع بشكل مطلق. فقد قفز سعر الفائدة التي يتعين على مدريد الآن سدادها على القروض لأجل 10 أعوام، من 5.403٪ إلى 5.743%. و هذا ليس معدلاً منخفضاً مثل معدل سندات الدين الاسبانية البالغة 6% والتي حققتها، أخيراً، لكن الفارق ليس كبيراً بشكل واضح.
و بحسب وكالة التصنيف الائتماني موديز، فإن تكاليف الاقتراض فوق 5.7٪ زادت بشكل بارز فرص التعرض للإفلاس بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي. فإذا كان هذا صحيحاً، حينئذ يكون خامس أكبر اقتصاد في أوروبا وبقية دول منطقة اليورو تتأرجح على حافة الكارثة.
مدعاة القلق
تلك هي المشكلة بشأن هذه الأزمة، حتى ان الأخبار الجيدة نسبياً تبين أنها مدعاة للقلق الشديد. وتم بالكاد تهدئة القلق عن طريق ردود أفعال واضعي السياسات. و في الاتجاه الإيجابي، فقد شهد اجتماع صندوق النقد الدولي، أخيراً، أقدام الدول ببطء و ثبات على منح مساعدات نقدية لدعم صندوق الإنقاذ في منطقة اليورو. و في الاتجاه السلبي، تحلى عدد قليل جداً من المستثمرين الجادين بقدر كبير من الثقة في أن صندوق الانقاذ سيكون فعالاً، خصوصا في حال احتياج مدريد إلى خطة إنقاذ.
ويشير المسؤولون الأوروبيون إلى اعتزام راخوي إجراء تخفيضات حادة في الميزانية، ولكن تشير جميع الأدلة إلى أن ضغط الإنفاق يدمر التوقعات المستقبلية للاقتصاد الاسباني والعاطلين عن العمل (وخاصة نسبة الـ 50٪ ممن هم دون الخامسة و العشرين العاطلين عن العمل) دون أن تقنع الممولين أن إسبانيا تعاني مخاطر ائتمانية.
وخلال مؤتمر معرض الكتاب في لندن، أخيراً، لخّص بول سيبرايت، وهو محلل اقتصادي في تولوز، ببراعة سبب أن هذه الجهود الضخمة المضنية لا تجدي نفعاً. وقال إن الساسة لا يزالون يصرون على تصوير أزمة اليورو أنها مسألة أخلاقية، أو ملحمة تدور حول الأوروبيين الجنوبيين المسرفين والأوربيين الشماليين الفاضلين. وحتى عشية اندلاع الأزمة المصرفية، فإن إسبانيا كانت لها تمويلات عامة أفضل من ألمانيا. وبالمثل، فإن الفكرة القائلة إن أثينا كانت تخفي المستوى الحقيقي لديونها يقودنا إلى ما هو أبعد من ذلك.
فأي شخص كان يهتم بالتدقيق في هذه الأرقام يمكن أن يرى أن اليونان أصحبت بحلول عام 2008 خامس أكبر مستورد للأسلحة في العالم، بعد الصين والهند وكوريا الجنوبية، على الرغم من أن اقتصادها أصغر بكثير من تلك البلدان. وكما وصف سيبرايت ذلك، فإن هذه المعلومات، التي تدل على مدى إنفاق اليونان بكثافة على مجالات خاطئة، كانت على مرأى من أي مصرفي ألماني يفترض أنه حريص ومهتم بالتحقق من هذه البيانات على شبكة الانترنت.
نهج الإقراض
ومن الواضح أن تجار الأسلحة يحققون النفع من هذا النهج في الإقراض، ولكن البنوك تستفيد أيضاً، على الأقل خلال أوقات الرخاء. وهو ما يقودنا إلى واحدة من أهم الجوانب الأكثر بروزاً فيما يتعلق بانهيار اليورو. فما تم تصويره وكأنه معركة بين الشماليين الفاضلين وذوي العمل الدؤوب، و بين الجنوبيين الكسولين الضعفاء، يتعين بدلاً من ذلك أن يتم تصويره في شكل أزمة مصرفية.
