لم تكن هناك هجمات لطالبان في كابول لأشهر عدة بعد غزو قوات التحالف لأفغانستان عام 2001، أما اليوم، فقد أصبحت الهجمات في العاصمة متكررة وفعالة بشكل مميت، كما تظهر الهجمات الأخيرة بالبنادق والقذائف والعمليات الانتحارية، وهذه الهجمات تشكل مقياساً واحداً لمقدار التقدم في الحرب بعد مرور أكثر من 10 سنوات، وهناك العديد غيرها.

واستناداً إلى شهادة لضابط كبير في الجيش الأميركي، فإن حركة طالبان الآن تتنقل بحرية في معظم أنحاء البلاد، ولا تكاد القوات الأميركية تسيطر على الأراضي التي تقع على مد النظر من قواعدها المحصنة جيداً. ويفيد الكولونيل دانيال ديفز من الجيش الأميركي أن الجيش الأفغاني ليس مؤهلاً ولا موثوقاً به، تماماً مثل حكومته.

وكان يفترض أن تنتهي الحرب بوصول حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات في وضع المتوسل، بعد قيام التحالف بتوجيه ضربات تكفي للحط من قدرها. وهذه الإستراتيجية انقلبت رأساً على عقب، وإذا كان هناك من متوسل الآن، فإنه التحالف نفسه، الذي يتوق إلى عقد صفقة تمكنه من الزعم بأنه حقق نوعاً من فوز محدود قبل انسحابه. لكن إذا كانت الهجمات الأخيرة مؤشراً على أمر ما، فإنها تشير إلى أن حركة طالبان تبدو غير مهتمة في إجراء مباحثات.

فأين انحرفت الأحداث بهذا المقدار في الاتجاه الخطأ؟ ويبدو ان خطأً قاتلاً اقترف حتى قبل ان تبدأ الحملة. ففي المؤتمر الدولي الذي عقد في بون من أجل بناء استراتيجية سياسية تلي النصر العسكري المحتم، كانت الاستراتيجية أن تقود قبائل الباشتون المعتدلة حكومة تتألف من كل التيارات والأعراق، على الأقل أولئك الذين يوافق عليهم التحالف. وهذا التوزيع الجديد كان يحظى بتأييد مجلس الأعيان التقليدي في البلاد الذي يطلق عليه لويا جيرغا، أو كما يحلو للبعض أن يسميه الديمقراطية على الطريقة الأفغانية، وبدا الأمر معقولًا وقد وقع المجتمع الدولي عليها.

 

ضرب من الخيال

لكن أفغانستان الجديدة كانت في الواقع ضرباً من الخيال! فبعد أسابيع معدودة من مؤتمر بون، أخرجت قوات التحالف حركة طالبان من أجزاء من أفغانستان بشكل سريع، وتم تشكيل حكومة برئاسة الرئيس الأفغاني حامد قرضاي، واستمرت الأوهام، لكن العيوب في تلك المخيلة كانت ظاهرة حتى في 2002، بالنسبة لأولئك الذين كانوا يريدون النظر في تلك العيوب، وبالطبع كانت واضحة للعيان في بون.

والتيار الوحيد الذي لم يدع إلى الانضمام إلى أفغانستان الجديدة، كان بالطبع حركة طالبان، وافترض أنها ببساطة ستختفي عن مسرح الأحداث. لم يطرح تساؤل لماذا لم يكن هناك من وجود للتحالف في مناطق شاسعة من الجنوب. وفي القاعدة العسكرية الرئيسية في بغرام، كان يجري تقديم العمليات العسكرية باعتبارها مجرد تمشيط لقوات ضعيفة لإبعادها نحو الجبال، وكان هناك من لم يقتنع بهذا السرد الوردي للأحداث.

 

صنع الاستقرار

قال الجميع إن مجلس الأعيان الأفغاني لويا جيرغا سيصنع الاستقرار الديمقراطي المرغوب به. ولم يذكر أحد ان الشركاء المحليين في هذا المشروع كانوا يتصرفون في معظم الأحيان كطغاة أكثر منهم ديمقراطيين. وأفيد أن أحدهم كان يميل إلى ربط خصومه بدبابتين من أطرافهم ويسير بهما في اتجاهين معاكسين.

وكان لدى التحالف كل البنادق والأموال، فهل ما يثير العجب ان يتفوه الأفغان الذين كانت أميركا تلتقي بهم بما أرادت سماعه؟ في كل اجتماع كانت ترافق القوات الأميركية فرق مدججة بالسلاح. أما بالنسبة للمال، فكان يتمتم بصوت خافت في السفارة في كابول ان حقائب مليئة بالنقود كانت تسلم بانتظام إلى وزراء حكومة جدد وأمراء حرب يصطفون إلى جانبنا، بما في ذلك سادة لطفاء هنا وهناك، كانوا يتقنون الإنجليزية ويقدمون أنفسهم بشكل جيد على التلفزيون. اليوم، المفاجأة الوحيدة هي أننا نبدو مصدومين بفساد حكومة قرضاي، علماً أننا ساعدنا في إفسادها.