يتم تعريف انتخابات الرئاسة الأميركية الحالية، و جميع الانتخابات، بصورة عامة بما يصفه الأكاديميون والصحافيون والخبراء الاستراتيجيون بأنها "رواية الروايات"، ذلك أنها عبارة عن قصص سياسية أولية تضع المرشحين لمنصب الرئيس ضمن إطار معين.

كما أنها العدسات التي من خلالها تجري وسائل الإعلام تقييمها لكل شيء تقوله وتفعله.

فلماذا تعتبر رواية الروايات بهذه الأهمية؟

يميل الذين يصوتون لصالح الديمقراطية على امتداد العالم إلى الاعتقاد بأننا نختار المرشحين بناءً على استعراض دقيق لسياساتهم في القضايا المهمة. ولكن ليست هذه هي الطريقة المثلى التي تعمل بها عقولنا السياسية، خصوصاً في أميركا. في الواقع، أظهرت دراسة تلو الأخرى أننا نجتذب باتجاه المرشحين الذين تربطنا بهم صلة تقارب وثيقة، و الذين نثق بهم كثيرا، والذي يشاركوننا القيم، وذلك وفقاً للغة الأكثر شيوعاً في استطلاعات الرأي.

ولهذا السبب يتم تكريس مصطلح "التراجع" في القاموس السياسي الأميركي باعتباره واحداً من أقوى الهجمات التي يمكن شنها ضد السياسيين.

ففي اثنين من ثلاثة انتخابات رئاسية أميركية ماضية، كان المرشحان الخاسران (وهما آل غور و جون كيري)، حتما ضحايا السرد السياسي الذي صورهما كشخصيتين "متخبطتين" ، أي أنهما مرشحان يتراجعان عن القضايا سعياً لركوب الرياح السياسية المواتية، وأنهما سياسيان يفعلان أو يقولان أي شيء ليتم انتخابهما.

و باختصار، فإن القادة الذين لا يمكنكم الثقة بهم، والذين لم يشاركوكم "القيم" نفسها، يكونون هم أنفسهم السياسيون الذين لم ترغبوا في التصويت لهم.

جاء دور ميت رومني هذا العام لكي يوصف بالتخبط ، و لم يفعل الكثير لحماية نفسه من الهجمات الوشيكة ضده. ويقال إن فريق الرئيس الأميركي باراك أوباما يجهّز لإعلانات سلبية سوف تجعل، وفقاً لخبراء الاقتصاد، من الهجوم الشرس للرئيس الأميركي السابق بوش على جون كيري في عام 2004 أشبه بلعبة أطفال، حيث تم بالفعل كشف النقاب عن أولى هذه الحملات. هل تراها تتركز على أكبر نقاط ضعف رومني؟ أي ما يسمى بـ "رومنيكير"، وهو نظام الرعاية الصحية الذي أطلقه في ولاية ماساشوستش الذي يعتبر نسخة طبق الأصل من قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية الفيدرالي الذي أقره الكونغرس قبل عامين.

رئيس تنفيذي

وفي الواقع، رومني ليس أيديولوجيا. فهو رجل أعمال، وهو رئيس تنفيذي فعال بشكل هائل، و براغماتي صاحب عقلية تحليلية.

ولا يمكن لسجله الممتاز في مجال الأعمال التجارية أن يجعل ذلك أكثر وضوحاً. إلا أن الحزب الجمهوري الذي كان يتعين عليه التمسك به في الانتخابات التمهيدية هو الأكثر استقطاباً من أي وقت مضى. لذلك فقد اضطر لالتزام مسار اليمين.

وهكذا، فقد اعتبر رومني المتراجع رقم 1. وأعاد كتابة فصل عن فتـــــرة ولايته الواقــــــعية و التعاونية عندما كان حاكما لولاية ماساسوستش، وأعاد صياغة التاريخ لتأطير نفسه على أنه حاكم "شديد التحفظ" طبّق مبادئ يمينية خلال فترة ولايته.

 

سجل فاشل

لكن سجل رومني لا يدعم ذلك، بدءا من الرعاية الصحية إلى تمويلات الدولة، فقد كان عملياً وليس عقائدياً.

وكان أقل ما يقال أنه منحاز إلى ــجانب حقوق الأقليات والإجهاض، و هي حقائق كانت حملته الانتخابية حريصة على قـــمعها و ردّها. و لم يتم الافتقار لهذه الانعطافات في المواقف السياسية لدى الناخبين المحافظين، إلا أن المحتجين ظهروا في أحداث حملته الانتخابية وهم يرتدون "صنادل مكشوفة" لأشهر عدة، لذلك فإن المستقلين في معسكر الحزب الجمهوري يرشحون رومني في الوقت الحالي. ربما لا يكونون سعداء للغاية بشأن هذا الموضوع، ولكنـــهم مضطرون إلى التعايش مع هذا الاختيار.

وعلى هذا النحو تم التحضير للشخص رقم 2 الذي يغير سياسته فجأة في الانتخابات العامة. والأكثر أهمية في العمل السياسي لرومني سيكون محاولته التنصل من سياسات حزب الشاي التي تبناها خلال معركة الترشيح و يصور نفسه مرة أخرى كرجل أعمال معتدل و ناجح يمكنه أن يحقق تلك الخـــبرة العملية في المكتب البيضاوي.

علتان متصلتان

 

يعاني ميت رومني من علتين متصلتين بعضهما ببعض، وهما التخبط في القضايا، وإدراك أنه سوف يفعل أو يقول أي شيء ليتم انتخابه رئيساً لأميركا. فهو يتسم بالجمود، ويبدو أحيانا مخادعاً، حيث يتطـــــلع طويلاً إلى الطـــــــموح و يختصر الاعتماد على العاطفة. و كما يصف خبير استطلاعات الرأي الجمهوري فرانك لونتز: "رومني لديه كل الصفات التي يحب الجمهوريون أن يروها في شخصية الرئيس، ولكن ليس بينها أي من الصفات التي يبحثون عنها في المرشح."

والواقع هو أن رومني هو سياسي محنك بما فيه الكفاية، وقائد فذ في مجال الأعمال على الأقل، لكنه يقع أحيانا ضحية لقاعدة الحزب الجمهوري التي تنحاز إلى اليمين المتطرف.

فهل يمكن أن يفوز في السباق الجمهوري التمهيدي دون إرضاء اليمين؟ ربما لا يستطيع ذلك، إلا أنه عندما نجح بذلك، فإن المفارقة هي أنه استثار أقوى الهجمات السياسية المعروفة في كتب أصول ممارسة اللعبة السياسية الأميركية، ويتمثل ذلك في كونه السياسي الأكثر تراجعا عن مواقفه.