قامت كوريا الشمالية باتخاذ سلسلة خطوات استفزازية في تحد للمجتمع الدولي، شملت اختبار اطلاق صاروخ بعيد المدى، والابتعاد عن المباحثات مع الأطراف الستة وكل اتفاقات نزع السلاح، وطرد المفتشين الدوليين من مرافقها النووية، وإجراء تجربة نووية في باطن الأرض في 25 مايو الماضي، والإعلان عن استئناف إنتاج البلوتونيوم والبدء في برنامج لتخصيب اليورانيوم.

وفشلت بيونغيانغ أخيراً في إطلاق صاروخ بعيد المدى، لكن هناك أحاديث عن قيامها بتجربة نووية ثالثة، وإذا مضت كوريا الشمالية في مثل هذه الخطوات دون رادع، فإنها بلا شك ستراكم ترسانة عسكرية من حيث الكم والنوع. والأسوأ من هذا كله انه عندما تحصل بيونغيانغ على ما يكفي من الأسلحة لضمان ردعها، فإنها قد تشعر بميل إلى بيع الفائض من هذه الأسلحة. وكلما طالت الأزمة، يصبح دحر طموحاتها النووية أكثر صعوبة.

ولقد انضمت الصين، الحليف الأهم لكوريا الشمالية وشريكها التجاري الأول، إلى المجتمع الدولي في الرد على نشاطات كوريا الشمالية. لكن بكين أشارت إلى رغبتها في إيجاد نهج متوازن، وعدم دفع بيونغيانغ بقسوة اكثر مما يجري حاليا. ومع ذلك، فإن الصين بإمكانها، بل يجب ان تفعل اكثر من ذلك للضغط على جارتها. وسلسلة نشاطات كوريا الشمالية الأخيرة تهدد المصالح الوطنية للصين، إلى جانب المصالح الأميركية ودول شمال شرق آسيا.

ومن المهم ان تكون التوقعات واقعية حيال التغيير في النهج الصيني. يمكن توقع أن تدعم بكين فرض عقوبات من الأمم المتحدة متواضعة ضد كوريا الشمالية، كما فعلت ردا على التجربة النووية الأولى، وسترد ربما بقوة أقل حدة عما تأمله أميركا واليابان وكوريا الجنوبية. وقد تحافظ بكين على موقف مفاده ان أي إجراء قاس بحق كوريا الشمالية يجب ان يوجه نحو تسهيل المباحثات حول نزع السلاح النووي، لكن من دون تهديد استقرار نظام كوريا الشمالية.

ومن جهة أخرى، يجب ان تسلم بكين بأن نهجها غير صارم كما أظهرت السنوات السابقة لم يكبح تطوير بيونغيانغ قدراتها النووية. والتجربة التي أجريت في مايو الماضي قضت على الاستقرار الإقليمي، وهذه النتائج لا تخدم مصالح بكين الرئيسية، بإيجاد شبه جزيرة كورية مستقرة وخالية من السلاح النووي. واذا استمرت بكين في السماح للطموح النووي لبيونغيانغ في ان ينطلق من دون رادع، فإن بيونغيانغ ستضع بكين في وضع محرج، يؤدي إلى مزيد من الضغط الدولي ويشكل خطرا كبيرا في النهاية على مصالح الصين الوطنية.

 

مصالح الصين

بعد ساعات من التجربة النووية الأخيرة لكوريا الشمالية أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانا نددت بالتجربة بلهجة شديدة، وتركز خطة الصين الاستراتيجية حتى عام 2010 على التنمية الاقتصادية مما يستوجب الحفاظ على بيئة عالمية مستقرة، لاسيما بين دول الجوار. ووجود أسلحة نووية في كوريا الشمالية يحفز على سباق تسلح نووي إقليمي ويشكل عذرا لليابان للإسراع في نشر درع دفاعي صاروخي أميركي- ياباني مشترك، مما قد يقوض الردع النووي الصيني. بالإضافة إلى ذلك، قد يولد تفاقم الأزمة تدفقا هائلا للاجئين من كوريا الشمالية باتجاه الصين.

وفي سبيل تعزيز صورتها كعضو مساهم مسؤول في المجتمع الدولي، يجب ان تظهر الصين استعدادها للمساهمة في جهود منع انتشار الأسلحة النووية في العالم، والقبول بكوريا الشمالية النووية يشكل سابقة سيئة بالنسبة لنظام معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي انسحبت منها كوريا الشمالية، ولبلدان أخرى ذات طموحات نووية.

ولطالما كانت كوريا الشمالية شوكة في خاصرة الصين. ومزيدا من التطوير النووي والصاروخي يضيف عنصرا خطرا جديدا يسمح لقدرات الضرب النووية الاستراتيجية لكوريا الشمالية في تغطية مجمل مساحة الصين.

 

الضغط المتزايد

ونظراً لأن بكين تتمتع بالنفوذ الأكبر على بيونغيانغ، فإنها تواجه ضغطا شديدا من المجتمع الدولي، لاسيما من واشنطن وطوكيو. وتواجه بكين أيضا ضغطا كبيرا على الجبهة الداخلية. فالتجربة النووية اطلقت رد فعل قويا من الشعب الصيني الذي يتخوف من انجرار بكين إلى حرب كورية بسبب تصرفات بيونغيانغ المتهورة.

ويمكن توقع ألا تغير بكين موقفها حيال بيونغيانغ كثيرا في المستقبل القريب. وإذا أرادت بكين إجراء تغيير ما، فإنها ستأخذ خطوات حذرة ومتدرجة، قد ترغب بكين في الاحتفاظ بعلاقات حميمة مع بيونغيانغ لكسب نفوذ اكبر. كذلك، ستكون بكين مستعدة لتعزيز علاقتها مع اطراف أخرى في مفاوضات حول القضية النووية، إلا أنها ليست على استعداد للانحياز لطرف دون آخر بين بيونغيانغ وواشنطن.

وتدعم الصين عقوبات جديدة اكثر تشددا من قبل الأمم المتحدة على كوريا الشمالية، لكن يتعين عليها أيضا تصور رد فعل ملائم تجاه بيونغيانغ. ما إذا كانت ستتصرف من خلال الأمم المتحدة أم بمفردها، وكان على بكين الموازنة بين ان تكون قاسية بما يكفي لتلقين بيونغيانغ درسا، وبين عدم دفع بيونغيانغ إلى رد فعل متطرف أو حتى انهيار النظام. وفي الوقت نفسه، يتعين على بكين أيضا تلبية مطالب واشنطن وطوكيو وسيئول في العمل على إيجاد شبه جزيرة كورية مستقرة ومنزوعة السلاح.

وكانت كل من كوريا الجنوبية واليابان أكدا أنهما لن يتساهلا مع وجود أسلحة نووية في كوريا الشمالية. بالتالي، فإن تأكيدا مماثلا من قبل الصين سيدفع بكوريا الشمالية إلى إعادة حساباتها قبل المضي في برنامجها النووي. ويجب ان ترسل الصين برسالة واضحة إلى بيونغيانغ، بأن الأسلحة النووية ليست في المصلحة الأمنية القومية بعيدة المدى لكوريا الشمالية. وسيطرة بكين على مساعدات الطاقة لبيونغيانغ تشكل ورقة ضغط مهمة لدفع بيونغ يانغ نحو نزع سلاحها النووي.