تواجه الولايات المتحدة ودول التحالف بالإضافة إلى أفغانستان، أزمة خسارة الحرب، وذلك على خلفية التوترات المتزايدة بين الجانبين الأميركي/التحالف من جهة، والأفغاني من جهة أخرى، وهذه التوترات الموجودة على مستويات عدة لدى الجانبين، تشمل تخوف الأفغان من أن يجري التخلي عنهم، والقلق من استمرار تعرضهم لانتقادات ظالمة من قبل أميركا والتحالف، والغضب من الطريقة التي تخوض فيها أميركا وإيساف القتال، ومن الإغفال والتجاهل لثقافتهم ودينهم.

أما على جانب أميركا والتحالف، فيشمل التخوف قضايا الفساد والسياسة والحكم في أفغانستان. وهناك سجالات نقدية للتوصل إلى كمية المساعدات التي ستقدمها أميركا والتحالف إلى الاقتصاد والقوات الأفغانيين، والمدة الزمنية لبقاء القوات العسكرية والمستشارين في أفغانستان وأعدادهم، وكيفية إدارة مفاوضات السلام، وكيفية التخطيط لعملية الانتقال الإجمالية وإدارتها، وكل أوجه عملية الانتقال.

لكن الأزمة الراهنة تعد أضيق نطاقا من ذلك، حيث تواجه أميركا اليوم أسئلة أساسية تتعلق بتمكن واشنطن وإيساف من الوصول إلى ترتيب عملي مع الرئيس الأفغاني حامد قرضاي والحكومة الأفغانية، مما يسمح للجانبين بالتعاون في خوض الحرب خلال السنوات المقبلة حتى نهاية عام 2014.

 ومطالبة قرضاي القوات الأميركية وقوات ايساف بمغادرة القرى والعمل من قواعد رئيسية هي مجرد حلقة في سلسلة من المطالب المعيقة ضمنيا، وهي تعكس التخوف الأفغاني الحقيقي والقلق من الطريقة التي تقاتل بها أميركا وإيساف الحرب، وستؤدي مطالبة الحكومة الأفغانية تلك إلى خسارة سريعة للفرصة المحدودة أصلا في إحراز تقدم عسكري ومدني قادر على إجراء انتقال ناجح ممكناً.

 

العبء التكتيكي

قوات الأمن الأفغانية لا تزال بعيدة كل البعد عن أن تكون مستعدة لخوض كل مهام القتال الحيوية، وعملية تسريع جدول زمني غير قابل للتطبيق أصلاً لتطوير القوات الأفغانية، وسحب القوات الأميركية وقوات إيساف وإعادتها إلى قواعدها، والمضي بالقوة في نقل المسؤولية بشكل فوري بدلا من تدريجيا بناء على معيار نجاح العملية، تجتمع كلها لتصل بالفشل إلى حدود الانهيار.

وفي الوقت نفسه، فان سحب القوات الأميركية وقوات ايساف إلى قواعدها يعني خسارتها للاستخبارات التكتيكية والتواصل مع الشعب الأفغاني بطرق قد تجعل كل المشكلات السياسية والثقافية المتصورة التي تؤثر على عملياتها اكثر سوءا.

وسيكون رد فعل القوات الأفغانية التي تشعر بالضعف وسوء الإعداد، في معظم الأحيان، هو البقاء آمنة محتمية، بالحفاظ على مواقعها وإجراء دوريات خلال النهار وعقد صفقات مع طالبان والمتمردين.

والفارون من الخدمة سيزداد عددهم، وستحظى الحكومة الأفغانية وعمال الإغاثة بحماية أقل، وستكون هناك حوافز متزايدة للقوات الأفغانية للانقسام بطرق تعيد تشكيل التحالف الشمالي، وتقسم مناطق البشتون، وتعطي طالبان والمتمردين السيطرة بحكم الأمر الواقع.

وهذا الأمر قد يحدث بمطلق الأحوال، ويشكل النتيجة الواقعية الأكثر احتمالا لجهود الانتقال الحالية لأفغانستان، وستسرع مباحثات السلام الناجحة على الأرجح هذا المسار بدلا من تأخيره، لكن جعل هذا المسار أمرا أكيدا قبل أوانه، يمثل الطريق إلى الهزيمة وإلى أفغانستان غير مستقرة ومنقسمة على نفسها.

وكانت مهمة التدريب التي لدى إيساف، والتي يطلق عليها تسمية إن تي إم-إيه تحرز تقدما في تطوير القوات الأفغانية منذ عام 2009، لكن المشكلات في قوات الأمن الأفغانية هي اكثر جدية بكثير مما يشكله مجرد وضع عدد من الكتائب المتأهبة للقتال.

من الممكن زيادة عناصر القوات الأفغانية المختلفة إلى أكثر من 352 الف فرد خلال فترة الانتقال. لكن الانتقال الناجح سيعتمد على ما إذا كانت أميركا وقوات التحالف على استعداد لتمويل كامل جهود التنمية الضرورية إلى نهاية 2014، وخلال الفترة التي ستطلبها ما بعد هذا التاريخ لتحقيق ضمان واستقرار دائمين، وهو مقياس زمني سيمتد بالتأكيد إلى عام 2020 على أقل تقدير، باستثناء ما إذا كانت هناك تسوية سلمية قابلة للحياة، وهذا يتطلب جهود تمويل هائلة.

وهذا الجهد يفشل الآن على جبهتين، فأميركا ودول التحالف لا تزود أفغانستان بالأعداد المطلوبة من المستشارين والمدربين المؤهلين، ولا تصدر تقارير عن مشكلات الاستعداد الدولي الفعلية.

ولا يوجد خطة مستقرة لتطوير القوات الأفغانية، وقد تم إجراء تخفيض حاد في التمويل في الوقت الذي تمضي جهود الإسراع بتطبيق الخطط، والتي يشير التاريخ أنها تستند إلى مقاييس زمنية سريعة جدا تمتد إلى سنتين تقريبا.

وقد تم خفض تمويل المساعدات الأميركية لهذا الجهد من اكثر من 11 مليار دولار خلال السنة المالية 2012 إلى حوالي 6 مليارات دولار في السنة المالية 2013، وتجري مناقشة خطط أميركية يمكن ان تضع المستوى المستقبلي لهذه المساعدات عند حوالي 4.5 مليارات دولار في السنة، مع قيام أميركا بإنفاق فقط ملياري دولار، وما تبقى من المفترض أنه سيأتي من التحالف والحكومة الأفغانية.

 

القوات الأفغانية

ان عمق المشكلات الكامنة في الجيش الأفغاني هي واضحة تماما في التقارير الرسمية الأميركية، على الرغم من أن كلا من أميركا وإيساف وبرنامج إن تي إم- إيه يلفق مثل هذا التقارير بشكل واسع للمبالغة في مستوى التقدم. وهذه التقارير توضح أيضا ان هناك معوقات اكثر خطورة في جهود تطوير قوات الشرطة الأفغانية المختلفة، على الرغم من أن بعضا من هذه التقارير ملفق ويتجاهل واقع النظام القضائي والمحاكم ومرافق الاعتقال ومستوى الحوكمة التي هي ضرورية لعمليات الشرطة المدنية الناجحة.

 

الشرطة المحلية

وقد أحرزت إيساف تقدما حقيقيا في مناطق مختارة، في حشد الجهود لتشكيل شرطة محلية تستجيب للحكومة والشرطة النظامية، وحيث تشكيل قوات أمنية كتلك هو جزء من جهد أوسع لإيجاد إدارة مدنية وجهود مساعدات اقتصادية، وهذا الجهد يذهب أبعد من مجرد تشكيل ميليشيا ويقدم ضمنيا الطريق للتعامل مع المشكلات الأساسية للانتقال من خلال تأمين الأمن الفعال وأسباب الإخلاص للحكومة المركزية على المستوي المحلي والإقليمي.

ومشكلة هذه الجهود انه لا يمكن تشكيلها أو جعلها مستقرة وبقدرات دائمة من دون تواجد رئيسي في الميدان لقوات العمليات الخاصة والجيش وعمال الإغاثة، علما أن تاريخ قوات الشرطة المحلية يعد أيضا تاريخ انهيار سريع نسبيا عندما ينتهي الوجود الغربي، وتعود مشكلات الحكم والفساد المحلي.

 

حل مختلف

قد يكون فات الأوان لحل هذه المشكلات، لأنه في مقابل كل الكلام عن الحوار والاتفاق المتبادل والالتزامات الملزمة، يوجد كثير من المشكلات والقضايا، وكثير منها يشمل باكستان ومستوى المساعدات المستقبلية ومشكلات الحكومة المدنية الأفغانية عوضا عن قضايا القتال.

ومع ذلك، يبدو واضحا انه لا يمكننا الاستمرار في الاستراتيجية الحالية، على الأقل لأننا لا نستطيع تحمل كلفة خطة التطوير الحالية للقوات الأفغانية، أو لأن هذه الخطة لا تعمل جيدا. ولا يمكننا تلبية المطالب الحالية للرئيس قرضاي، لكنه يتوجب علينا في الوقت نفسه ان نكون اكثر مسؤولية تجاه الحساسيات الأفغانية وأن نظهر ذلك بطرق تبدو مقنعة للشعب الأفغاني، ويوجد ثلاث طرق قد نتمكن من خلالها التعامل مع هذه القضايا:

 

خطة تطوير مشتركة

التوقف عن إيجاد خطط أميركية صرفة أو خطط خاصة بقوات إيساف فقط، وتشكيل جهود تخطيط بشراكة كاملة مع وزارتي الدفاع والداخلية الأفغانيتين. والبدء بإيجاد التسوية المشتركة الفضلى حول كل القضايا المطروحة سابقا، والتي من المحتمل ان تؤدي إلى خسارة الحرب، ومن ثم الانتقال إلى معالجة الخيارات الواقعية لقضايا التمويل والاستشارة والشراكة والتسهيلات بطريقة شفافة للأفغان ولمشرعي أميركا دول التحالف وشعوبها.

كذلك العمل على جعل هذه المجموعة خلية الانتقال إلى قيادة مشتركة فعلية بمرور الوقت. فلتدع أميركا الأفغان يتولون القيادة بطريقتهم حيثما كان هذا ممكنا وبأقرب فرصة ممكنة، وتوضيح أين يوجد لديها هي وايساف خطوط حمراء بشان ما يمكن تنفيذه، مع الاستماع إلى الأفغان، وإبقاء الرئيس الأفغاني حامد قرضاي في اطار هذه الحلقة، واستخدام الجهود في مجال الاتصالات الاستراتيجية لصد دعاية طالبان، على ان تكون أميركا ودول إيساف أمينة في توصيل المشكلات الحقيقية وحاجات التمويل المنطقية والمقاييس الأمنية الحقيقية.

 

ضم الأفغان

وقد تمضي سنوات قبل ان يصبح الأفغان على استعداد تام لتولي كل ناحية من نواحي امنهم. لكن يوجد الأن عدد كبير من الضباط والمسؤولين المؤهلين والأكفاء. ويمكن جعل الأفغان جزءا من مقر ايساف وعملياته الميدانية، وان يصبحوا جزءا من قواتنا، تماما كما نحن جزء من قواتهم. ولتضع أميركا ضباطا أو ضباط صف أفغان في كل حلقة من سلسلة العمليات أو عملية اتخاذ القرار لاسيما في المواقع عالية الحساسية، ولتعطيهم القدرة على وقف العمليات، وتطوير طرق افضل للعمل مع الأفغان من خلال تطوير تواصل استراتيجي متكامل، لكسب تأييد الأفغان وسد الفجوة الزمنية وأشكال التواصل التي تبرز باستمرار بين الطرفين.

وإذا لم تستطع أميركا ودول التحالف جعل أمر كهذا يعمل على مدى الأشهر المقبلة القليلة، فما الذي بإمكانه تحقيق نجاح في المستقبل؟

 

برنامج معدل

يبدو جليا ان كلاً من أميركا وإيساف يحتاج بإلحاح إلى مزيد من القوات بعد الخبرة التي كسبها من الجولات المتعددة. والمشكلة ان هذا يعني إبقاء مدربين أميركيين ومن التحالف ومستشارين وشركاء على استعداد للقيام بجولات مطولة بمخاطر اعلى.

ولم يكن بالإمكان الحصول على أعداد القوات الأساسية المطلوبة حتى الآن، وكان يجري تجاهل الجودة في معظم الأحيان. والأمر القابل للتطبيق جزئيا لناحية تمكن الأفغان من تولي المسؤولية الأمنية يتعلق بمستوى التدريب الأولي، على الرغم من أن الوتيرة التي يجري فيها تطبيق إن تي إم-إيه الآن تعرض هذا الأمر للخطر، لكن هذا الأمر لن يكون قابلا للتطبيق إذا استمر الإسراع في تطوير القوات الأفغانية، فيما يجري التسريع في تخفيض الموارد وسحب القوات الأميركية وقوات إيساف.

وهناك حاجة إلى حوافز رئيسية للحصول على الطواقم الأفضل، ويجب على أميركا ان تولي اهتماما في جعل هذا الأمر جهدا لايساف، بالتشديد على دعم التحالف في مجالات مثل تدريب الشرطة شبه العسكرية حيث لدى الخبراء الإيطاليين والفرنسيين الخبرة التي يفتقر إليها الأميركيون، وحيث لا يمكن للمتعهدين القيام بهذه الوظيفة. فالتجربة مع مجموعات شركات تتوخى الربح في كل من العراق وأفغانستان وضحت هذا الأمر بجلاء تام.