أنباء تجريد حاكم مقاطعة تشونغتشينغ السابق بو زيلاى من مناصبه في المكتب السياسي واللجنة المركزية التابعين للحزب الشيوعي الصيني، والاشتباه في تورط زوجته غو كايلاي بقتل رجل أعمال بريطاني أضاف منعطفاً جديداً و مثيراً لهذه الأنباء التي بدأت تطفو إلى السطح في شهر فبراير الماضي.

وتضع إقالة زيلاي، الذي شغل منصب الرئيس السابق للحزب الشيوعي في المقاطعة بالتأكيد نهاية لحياته السياسية. كذلك فهي تعني أن الطريق إلى مؤتمر الحزب الشيوعي في الخريف المقبل يمكن أن يسير بشكل أكثر سلاسة إلى حد ما، وذلك عندما يتم تفعيله و انتخاب رئيس للصين و رئيس مجلس دولة جديدين و استبدال سبعة أعضاء من أصل تسعة ضمن اللجنة الدائمة التي تدير الصين.

ماذا تكشف لنا قضية زيلاي بشأن الصين؟ الحقيقة أن انتشار القضية على المستوى الشعبي العام، بعد فترة طويلة من وقوع الحدث يعتبر مؤشرا على صعوبة إبقائها الآن في طي الكتمان. ويعني تنامي شبكة الإنترنت و المدونات و وسائل الإعلام الخاضعة للرقابة بشكل طفيف أن المجتمع الصيني أصبح الآن أكثر انفتاحا و أسهل اختراقاً مما كانت عليه الحال في السابق.

والطريقة التي كان يدير بها زيلاي حملته المستترة للحصول على مقعد في اللجنة الدائمة هو دليل آخر على ذلك التوجه، المتمثل في أن العديد من القادة أصبحوا للمرة الأولى مرتبطين في أذهان الناس بمواقف سياسية متنافسة. وسيكون من قبيل المبالغة الإشارة إلى أن الحزب يتبنى الآن مجموعة واسعة من الاتجاهات السياسية التي يمكن تعريفها على الملأ، ولكن هذا أحد المسارات التي يمكن للعملية الديمقراطية المتنامية أن تتبعه في المستقبل.

تفسيرات

يعطينا الجدل بشأن زيلاي قدراً من التفسير للصراعات العنيفة التي جرت بين قيادة الحزب فيما يتعلق بتركيبة القيادة الصينية الجديدة والسياسات التي ينبغي أن تتبعها. إننا نميل إلى اعتبار الصين على أنها خالية نسبياً من النقاش والجدل. فإذا كان الاقتصاد ينمو بمعدل 10% سنوياً، ويتضاعف في الحجم كل سبع سنوات تقريباً، فهو بذلك يلقي بمشكلات جديدة ضخمة باستمرار.

و حقيقة أن ذلك يجري، بشكل ملحوظ، منذ أكثر من ثلاثة عقود يعني أن الصين هي الآن بلد مختلف بشكل عميق مقارنة بعقد مضى، ناهيك عن 30 عاماً قبل ذلك.

سوف تواجه القيادة الجديدة أربع قضايا شاملة من شأنها تحديد ما يحدث في البلاد على مدى العقد المقبل. أولاً، هناك التحدي المتمثل في تحويل مركز الثقل في الاقتصاد من كونه اقتصاد كثيف العمالة ومنخفض في القيمة المضافة إلى اقتصاد ذي قيمة مضافة على نحو متزايد و موجّه نحو الاستهلاك المحلي.

الإصلاح

بعد ذلك، تظهر مسألة الإصلاح السياسي. فهناك، في الحقيقة، عمــــلية مستمــــرة للإصــلاح الســـــياسي في الصين يتم تجاهلها إلى حد كبير في الغرب، لأنها لم تتضمن تحركات نحو ديمقراطية بالنمط الغربي. و من أكثر الداعين باستمرار إلى إجراء المزيد من الإصلاح السياسي هو رئيس مجلس الدولة الصيني ون جياباو، الذي جدّد دعوته عندما شكّك في التطورات في مقاطعة تشونغتشينغ الشهر الماضي، الأمر الذي عجّل بسقوط زيلاي. فما يبــــدو أنه يدور في ذهــــــنه توسيع نطـــــــاق الانتخابات القروية إلى المدن والمحافظات الصـــــينية، ومــــواصلة زيادة الانفتاح والشفافية.

تعد المسألتان الأكثر إحداثاً للفتنة في الصين، هما الفساد وعدم المساواة.

هناك رأي واسع الانتشار بين العديد من الصينيين يفيد بأن نسبة كبيرة من الأثرياء الجُدد قد حصلوا على هذه الثروة الجديدة نتيجة الفساد المتضمن الصفقات غير المشروعة بين المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال. مثل هذه الآراء تقوض مشاعر احترام السياسة الاقتصادية للحكومة و تضعف شرعيتها.

ففي حين أن النمو الاقتصادي شديد الازدهار، و مستويات المعيشة آخذة في الارتفاع بشكل سريع، فمن غير المرجح أن يزول هذا الاستياء لكنه يمكن أن يكون مصدراً لعدم الاستقرار في المستقبل. تحديات صينية في ظل تفشي الفساد وعدم المساواة في الصين، فإن ذلك يفرض سؤالاً بشأن ما إذا كان الحزب والحكومة لديهما الإرادة لمعالجة هاتين القضيتين، أو ما إذا كانت المشكلة الآن ضاربة بجذورها و تستعصي على الحلّ.

سوف تواجه القيادة الجديدة تحدياً ملحّاً على نحو متزايد يتمثل في بلورة سياسة خارجية جديدة.

ومنذ أن حدد الرئيس الصين الأسبق دينغ شياو بينغ معالم الطريق قبل 30 عاماً، من خلال تركيز السياسة الخارجية لصالح النمو الاقتصادي والحد من الفقر، فإن هذه السياسة لم يطرأ عليها تغير يذكر في جوهرها. ربما لا تزال الصين فقيرة، لكنها لم تعد ضعيفة.

وعلاوة على ذلك، فهي تمتلك حصيلة متنامية من المصالح الدولية. و بالفعل يدور نقاش رائع حول ما يمكن أن يشكل تلك السياسة الخارجية الجديدة.