خلال العام الماضي، ألقت واشنطن بدعمها الكامل وراء حركات المعارضة في ليبيا ودول أخرى بالمنطقة. وكان هذا قراراً سهلاً، نظراً لأن هذه الدول لم تكن حليفة للولايات المتحدة. وبالنسبة للرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي كان حليفاً للولايات المتحدة، فقد سحبت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما دعمها له في نهاية المطاف، ولكن لم تفعل ذلك إلا عندما أصبح موقفه متقلقلاً.
والرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين ليس «منبوذاً»، على حد تعبير الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت. فهو ليس صديقاً للغرب، والقليلون من الناس في مختلف أنحاء العالم معجبون بنظام حكمه الاستبدادي الفاسد. إلا أن الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ملتزمان بـ «إعادة ضبط» العلاقات الأميركية الروسية. وعلاوة على ذلك، وبرغم الاحتجاجات الواسعة التي جرت في الأشهر القليلة الماضية للمطالبة بالتغيير الشامل، لم يحرك بوتين ساكناً.
إعادة الضبط
وكان المنافس الجمهوري البارز في انتخابات الرئاسة الأميركية، ميت رومني، ينتقد في الآونة الأخيرة سياسة إعادة الضبط التي ينتجها أوباما نحو روسيا. لكن بعيداً عن مسألة إحياء لغة الحرب الباردة الريغانية التي عفا عليها الزمن، لم يكن لدى رومني ما يقدمه بشأن العلاقات الأميركية الروسية. وهو أمر يدعو للأسف، لأنه على عكس حقبة الحرب الباردة، استطاعت الولايات المتحدة، من خلال رومني، بوصفه شخصية تنفيذية على وجه الخصوص، ممارسة الضغط الفعّال على المسؤولين الروس للمساعدة في محاربة أكبر الفاسدين في البلاد.
وفي البداية، يمكن القول إن الولايات المتحدة أخذت زمام المبادرة في فرض عقوبات في جميع أنحاء العالم على قائمة ما يسمى بـ «ماغنتسكي»، التي كانت عبارة عن عصابة من المسؤولين الحكوميين الروس الذين تورطوا في عمليات سجن غير مشروعة، ومقتل سيرجي ماغنتسكي، الذي كان يعمل محامياً لشركة «هرميتاج كابيتال».
ينبغي توسيع هذه القائمة لتشمل القضاة والمسؤولين الذين يقومون، وفقاً لمنظمة «روسيا وراء القضبان»، وهي منظمة غير حكومية تحظى بسمعة نزيهة، بسجن رجال الأعمال بشكل روتيني على تهم ملفقة. الآلاف من رجال الأعمال الأكثر موهبة وابتكاراً في البلاد يتم إصدار أحكام مطولة بحقهم عندما كانوا يرفضون إعطاء الرشاوى أو بيع شركاتهم مقابل ثمن ضئيل لرجال الأمن. وفي كثير من الأحيان، يتم استهدافهم لأنهم ينافسون شركات لدى أصحابها علاقات بالحكومة، أو يسيطر عليها مسؤولون من خلال أقاربهم أو أصدقائهم.
حملة سياسية
وفي الوقت الحالي، تقود الناشطتان الروسيتان ناتاليا بيليفينا وأليكسي نافالني، حملة لحث مسؤولي النيابة على التحقيق مع النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي إيغور شوفالوف، الذي تلقى، وفقاً للادعاءات التي نشرت في صحيفة «بارون»، في مطلع ديسمبر الماضي، وتم التأكد من صحتها بواسطة صحيفتي «وول ستريت جورنال» الأميركية، و«فايننشال تايمز» البريطانية، رشوة ضخمة من حكومة الأوليغارشيين الروسية. فقد تم دفع بعض الرشى من مواطنين وشركات أميركية تنتهك قوانين الولايات المتحدة، وبالتالي ينبغي التحقيق فيها من قِبَل وزارة العدل.
وبصرف النظر عن حقيقة أن المزاعم بارتكاب المخالفات التي كشف عنها في وسائل الإعلام الرئيسة على نطاق واسع لاقت رد فعل من جانب الحكومة الأميركية، فإنه يتعين على واشنطن التدخل بعيداً عن مجرد المصلحة الذاتية. والحقيقة أن دول المافيا استمرت تحكم على مر السنين في العالم النامي، وعادة ما يدمر حكمها الفاسد العديد من دول أفريقيا وأميركا اللاتينية. حتى إن الميلشيات العسكرية هي في الأساس عبارة عن دول مافيا يديرها رجال يرتدون الزي العسكري.
كذلك فإن أنظمة الفاسد في العالم قلقة من حشو جيوبها لتشكل تهديداً للولايات المتحدة أو حلفائها. لكن روسيا مختلفة، ذلك أنها دولة مافيا لديها أسلحة نووية، وبذلك فهي قادرة على إنهاء الحياة على كوكب الأرض خلال 15 دقيقة. فلو أن واشنطن تجاهلت مسألة تجريم النظام الروسي الحالي، فإنها تفعل ذلك على مسؤوليتها الخاصة.
