تتسم مشاركة العديد من حكومات العالم في محادثات مباشرة مع معارضين سياسيين، سواء كانوا من المسلحين أو من غير المسلحين، في محاولة تهدف إلى حل أزمة سياسية أو عسكرية في جزء من العالم. بأنها مسعى رشيد وإنساني، لأنه يعد تطلعاً من جانب أصحاب النوايا الطيبة الذين يرغبون في رؤية نهاية للصراعات المسلحة الحاصلة في أجزاء مختلفة من العالم.
ومع ذلك، فإن مثل هذه المحادثات تأتي بشروط يجب الوفاء بها من جانب جميع الأطراف كي تثمر المفاوضات عن نتائج ملموسة. ففي الأشهر الأخيرة، تكبدت جماعة الشباب الصومالية التابعة لتنظيم القاعدة خسائر كبيرة في العتاد والأرواح والأراضي. وقد تم شن هجمات عسكرية عليها من قبل قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي أميسوم في مقديشيو وحكومة الصومال الانتقالية وجيوش من الدول المجاورة للصومال من كينيا وإثيوبيا، حيث توغّلت في عُمق الأراضي الصومالية لطرد حركة شباب المجاهدين من المواقع الرئيسية.
خلافات داخلية
مع مواجهة حركة الشباب الهزيمة في المعارك البرية، فقد بدأت الخلافات الداخلية داخل التنظيم تطفو على السطح. وأدت الخلافات بشأن الدين والإستراتيجية العسكرية في حدوث انقسام داخل الحركة التي اتسعت منذ بداية الهجوم العسكري في منتصف عام 2011.
أخيراً، وخلال كلمته في مسجد في ضواحي مقديشيو، ندد العقيد حسن أويس، وهو مسؤول بارز في حركة الشباب، باغتيال المدنيين مستشهداً بتعاليم الإسلام في هذا الصدد. ومن المعروف عن أويس، أنه كان زعيماً لاتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال في عام 2006، وهي المنظمة الأم لحركة الشباب اليوم.
أدهشت كلمات أويس الكثير من الصوماليين والأجانب على حد سواء. وكما نعلم جميعاً، فإن مقاتلي حركة الشباب والمقاتلين الأجانب بين صفوفهم ضالعون في بعض أعمال العنف الكبيرة التي شهدها الصومال في الآونة الأخيرة أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الحرب بها، بما في ذلك حرب العصابات التي جرت في المناطق السكنية والتفجيرات الانتحارية والقنابل المزروعة يدوياً على جوانب الطرق، والاغتيالات المستهدفة ضد مدنيين بارزين. وخلال هذه الدوامة من العنف، والتي بدأت في عام 2006، كان أويس دائماً ما يتقلد أعلى منصب في مجموعة تمرد أو أخرى، مثل اتحاد المحاكم وحركة الشباب.
ويتبادر سؤال إلى الأذهان وهو: لماذا لم يتحدث العقيد أويس علانية قبل اليوم لإدانة قتل المدنيين والاغتيالات التي ظلت تستخدم كسلاح سياسي وتكتيك للخوف من قبل مقاتلي حركة الشباب منذ عام 2006؟
حتى لو أننا قبلنا بأن العقيد أويس هو رجل إصلاح، فإن قبولنا ببرنامجه الإصلاحي لا بد أن يكون ذلك مشروطاً بترك السياسة الصومالية تماماً، والسعي للحصول على عفو وطني، والانسحاب نحو العزلة. فلا تزال دماء الأبرياء الذين قتلوا على يد التنظيم الذي يتزعمه العقيد أويس حية في أذهان الكثيرين، لا سيما أسر الضحايا.
إشراك قومي
من المؤسف أن العديد من المعلقين السياسيين يتجادلون اليوم بشأن إشراك ما يسمى بالعناصر القومية داخل حركة الشباب في عملية السلام الصومالية. وهذا خطأ كارثي يعادل مكافأة الإرهابيين والجماعات التي تسعى إلى السلطة السياسية عن طريق العنف المسلح.
لقد عانى الصومال والشعب الصومالي بشكل كبير منذ عام 1991. ومع ذلك، فقد عصفت دائرة العنف التي لا معنى لها والتي اندلعت في عام 2006 تحت قيادة أشخاص مثل أويس وغودين وشونغول وأفغاني وأبو منصور، بأجزاء كثيرة من الصومال وفاقمت الوضع المأساوي المتدهور فعلاً.
المفاوضات من دون شروط معقولة نتيجتها الفشل. تجربة الحكومات في جميع أنحاء العالم تشهد على هذه الحقيقة. وفي الوقت الذي تمضي الصومال قدماً، تحت رعاية الجهات الدولية الفاعلة، فلا بد من أن تجني الصومال الفوائد من دروس البلدان الأخرى. وإذا لم يحدث ذلك، فسوف تستمر في مسارها الحالي الذي يولّد المزيد من المشكلات بدلاً من الحلول.
