تخيلوا لو أن كل شخص يعيش في بريطانيا وكان له جدّ أيرلندي يتم إمهاله تسعة أشهر لمغادرة البلاد والعودة إلى أيرلندا. وتخيلوا لو أن الأشخاص الذين لهم أجداد أيرلنديون تم طردهم من وظائفهم بعد فترة وجيزة، واضطروا لبيع منازلهم وممتلكاتهم، وأن مئات الآلاف منهم يواجهون الطرد من منازلهم والإقامة في بلد غير مألوف لم يقم بعضهم بزيارته طوال حياته.

هناك ما يصل إلى 700 ألف شخص من جنوب السودان الذين يعيشون في السودان لم يتصوروا ذلك، وهذا وضع مخيف يواجهونه. فقد تسببت عشرين عاماً من الحرب الأهلية بين نظام الرئيس السوداني البشير وجنوب السودان في فرار العديد من الجنوبيين من القتال الدائر بحثاً عن الأمن والاستقرار في الشمال. ففي الوقت الذي كانت الحشود المبتهجة في جنوب السودان تحتفل بولادة أحدث دولة في العالم في شهر يوليو الماضي، كان النظام في الخرطوم يستعد لإسقاط المواطنة السودانية عن أي شخص يعتبرونه جنوبياً. فقد تم منحهم تسعة أشهر فقط لمغادرة البلد الوحيد الذي يعرفه الكثيرون منهم أو التسجيل كأجانب في ظل نظام الحكم الذي كان غالباً ما يمارس القمع.

 

فقدان الحق

الآن، هؤلاء على وشك فقدان حقهم في العيش كمواطنين في السودان. ومما لا شك فيه، ربما يود الكثيرون الذهاب إلى جنوب السودان، وبعضهم ذهب بالفعل. لكن الكثيرين غيرهم ليست لديهم الرغبة في ذلك. وعاش كثير منهم حياتهم في الشمال، ولديهم المنازل وفرص عمل وعائلات. وبعضهم ولد هناك، ولا يعرفون شيئاً آخر. ولديهم حق مشروع في الحصول على الجنسية السودانية.

 وبدلاً من ذلك، فقد تم إجبارهم على تقديم طلب للحصول على الجنسية في جنوب السودان، لكن سفارة جنوب السودان في الخرطوم لا يمكنها فعلياً أن تصدر الوثائق اللازمة في الوقت المحدد. فالعائلات تبدي خشيتها من تعرضهم للتمييز وفقدان وظائفهم واستهدافهم من قبل قوات الأمن، سواء بالاعتقال أو الطرد، وهو أمر ليس مفاجئاً.

وحتى لو أن هجرة جماعية كانت ستحدث، فإن الخدمات اللوجستية الخاصة بما يقرب من مليون شخص نازحين عن منازلهم وفي غضون أسابيع قليلة كانت لتمتد إلى أي بلد. لكن العوامل المتمثلة في البنية التحتية المتهالكة أو غير الموجودة أصلاً فضلاً عن اقتراب حلول موسم الأمطار يعني أن خيارات الرحلة محدودة للغاية. فقد حوصر الآلاف من السكان بالفعل منذ شهور وهم يتجهون إلى الشمال مباشرة عبر الحدود.

 

علاقات متدنية

ومنذ شهر يونيو 2011، جعل الصراع على طول الحدود السفر من الشمال إلى الجنوب أمراً خطيراً. وفي الآونة الأخيرة، اندلع قتال عنيف، مع قصف القوات السودانية إقليم الجنوب الأمر الذي دفع بالعلاقات إلى مستويات متدنية. وتصبح السودان بشطريها مرة أخرى على شفا حرب أهلية. ويضيع في غمار ذلك الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، لا سيما الذين قد يضطرون إلى الفرار جنوباً.

نتيجة لهذه الفوضى السياسية التي يصنعها البشر، توشك السودان أن تقف على شفا كارثة إنسانية. وليس ذلك غريباً على الشعب السوداني ولا على استجابتنا غير الكافية، الأمر الذي يعد صحيحاً على الأقل بصورة شكلية، حيث تم تجاهل التحذيرات.

هناك حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات دولية منسقة، بدءاً من الضغط على الخرطوم للاعتراف بأن تحديد شهر أبريل كموعد أخير لرحيل الجنوبيين هو أمر مستحيل ولا بد من تمديده. لكننا نحتاج إلى أكثر من مسكنات مؤقتة.