وجدت المعارضة البورمية أونغ سان سو تشي، أخيرا، شريكا لها في جانب النظام، لكن الديمقراطية الحقيقية في بورما تحتاج إلى مزيد من الوقت لتتحقق. وأخيرا، بعد فوزها بمقعد في البرلمان البورمي، فإن العالم يطرح السؤال التالي: هل التقى نيلسون مانديلا الأسيوي أخيرا برئيسه رئيس جنوب إفريقيا السابق فريدريك ويليام دى كليرك؟ أو باللجوء إلى مقارنة أوروبية، هل التقى فسلاف هافل الأسيوي بالرئيس الروسي السابق ميخائيل غورباتشوف؟ وهذه تعد الحلقة الثالثة من القصة الملحمية من سجين إلى رئيس. سيأتي ذاك اليوم، لكن يجب أن لا تمتلكنا الأوهام، فلا زالت معوقات كثيرة تقف أمام تحقيق ذلك الأمر، ويتطلب التغلب عليها التمتع بالحكمة والقوة داخل بورما وخارجها.

ومهما حصل، فان أونغ سان سو تشي استحقت منذ مدة طويلة أن تقارن بأمثال هافل ومانديلا. ومثل مانديلا، فقد تحملت عقود من السجن وخرجت من دون مشاعر ضغينة. ومثل هافل، لم تكن مجرد زعيمة المعارضة في وطنها، لكنها حللت أيضا ظروف بلادها السياسية والاجتماعية. ولنستمع إلى محاضرات ريث التي قدمتها على إذاعة بي بي سي البريطانية السنة الماضية، ولنقرأ بيانها الشخصي الخاص بحرية التعبير بمناسبة الاحتفال بالعدد الأربعين لمجلة مؤشر الرقابة. تلك نصوص كلاسيكية لمعارضة سياسية حديثة تتميز ببعد جديد.

 

مقارنة بعيدة

فكريا وأخلاقيا، لا توجد مقارنة بينها والزعيم العسكري في بورما ببدلته المدنية، الرئيس ثين سين. لكن سياسيا، فإن عملية الانفتاح التي قادها كانت رائعة. لم يفرج عن أونغ سان سو تشي فقط، بل اطلق سراح مئات من السجناء السياسيين الآخرين، بما في ذلك أعضاء في الحركة الطلابية جيل 88 ورهبان كانوا قد نشطوا في ثورة الزعفران عام 2007. وقد تراجعت الطغمة العسكرية وراء عباءة من السياسات المدنية. وانتشرت حرية التعبير والاجتماع على نطاق واسع، على الرغم من ان الأساس القانوني لها لا زال عرضة للخطر. والناشطون تم إطلاقهم من ظلمة زنزانات السجن إلى وهج عدسات المصورين.

واللافت للنظر أن الرئيس ثين سين خاطر بإغضاب الصين، الراغبة في ان تكون الشقيقة الكبرى لبورما، من خلال تعليق إنشاء السد الكهرومائي الذي تموله والمدعو مايتسون، وكانت الطاقة ستذهب أساسا إلى الصين في حين أن التكلفة البيئية كانت ستتحملها بورما. كما سعى إلى وقف اطلاق النار مع مجموعة من الأقليات المتمردة، على الرغم من استمرار بعض الصراعات المسلحة.

وسمح ل الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بالتسجيل كحزب، وفي الانتخابات الفرعية التي جرت في 1 أبريل الماضي، قدمت الرابطة مرشحين ل 47 مقعدا من أصل 48 مقعدا متاحاً في مجلس النواب، وقد حيت الحشود مرشحة من بين هؤلاء المرشحين كمنقذة في أي مكان توجهت إليه.

لو سمع أحدهم بهذا الأمر منذ أربع سنوات، عندما جرى قمع احتجاجات سلمية بقيادة رهبان بكثير من الوحشية، لما صدق الأمر. فكل ثورة مخملية، وكل انتقال يجري التفاوض بشأنه، يتطلب أناسا من النظام والمعارضة على استعداد لتحمل مخاطر المشاركة، وأخيرا، يبدو أن لدى بورما من الجانبين ما يتطلب للقيام بذلك.

 

مجازفة خطرة

والزعيمان يخوضان مجازفة خطرة، وقد تكهن أحد المنجمين الرئيسيين للنظام، ولطالما فضل قادة بورما المنجمين على خبراء الاقتصاد، أن الرئيس ثين سين سيمرض قريبا، وهذا المرض قد يكون مرضا سياسيا، إذا شعر قادة العسكر ان مصالحهم الحيوية مهددة. ومنذ فترة قصيرة، حذر قائد الجيش من ان موقع الجيش الخاص، المنصوص عليه في الدستور، يجب ان يحظى بالاحترام.

وتواجه زعيمة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية مخاطر جمة أيضا، إذ تهيمن على مجلس النواب تركيبة تشمل حزب تضامن وتنمية الاتحاد الذي شكله العسكر، إلى جانب 110 مقاعد أخرى، محفوظة للمعينين من قبل العسكر، ما يوازي مقعدا من أصل 4 مقاعد، ولن تجري الانتخابات العامة المقبلة قبل عام 2015.

 

مصداقية الإصلاح سابقة لأوانها

 

تسير زعيمة الحركة المؤيدة للديمقراطية في بورما، أونغ سان سو تشي، بحذر فيما هي تشرع في سلسلة زيارات في أنحاء البلاد، تشكل المغامرة الأولى لها خارج وانغون منذ إطلاق سراحها من الإقامة الجبرية في نوفمبر الماضي. ففي المرة الأخيرة التي قامت بها أونغ سان سو تشي بجولة على المقاطعات في مايو 2003، قتل بلطجية مدعومين من النظام اكثر من 70 شخصا من مؤيديها وحاولوا قتلها بكل ما ملكت أيديهم من قوة، فلا عجب إذن من أن تلتزم جانب الحيطة والحذر.

وأونغ سان سو تشي تجري اختبارا لطيفا لمدى وفاء النظام بالتزاماته التي تفترض إجراء مزيد من الانفتاح السياسي، وذلك بعد عملية تجميل غير موفقة أجريت لهذا النظام في السنة الماضية، حيث قامت قادة العسكر في بورما باستبدال بزاتهم العسكرية ببدلات مدنية، وانتخبوا انفسهم بطريقة مشينة في اقتراع كان كفيلا بجعل رئيس زمبابواي روبرت موغابي يشعر بالخجل. وكيف ستخرج أونغ سان سو تشي من هذه التجربة، يشكل اختبارا أيضا للحجج الآتية من أوروبا والمنطقة التي تقول ان الطغمة العسكرية أجرت تغييرا في الصميم وليس عملية تجميل شكلية.

 

رحلة خاصة

ولقياس حجم المخاطر التي تواجهها أونغ، سياسيا وماديا، فان أعضاء من حزبها المحظور الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، يشددون على ان الرحلة التي ستدوم أربعة أيام إلى مدينة المعابد القديمة في باغان، هي رحلة خاصة، وليست جولة للاجتماع بالناس. وكانوا مجبرين على الإدلاء بهذا التصريح، حيث أن حزب الرابطة الوطنية من اجل الديمقراطية الذي فاز بسهولة في آخر انتخابات حرة في بورما في عام 1990، طلب منه الابتعاد عن السياسة، في حين ان أحزابا مدجنة مؤيدة للنظام يجري التساهل معها. ويقول النظام إن بإمكان أونغ السفر فقط بصفتها مواطنة عادية، مما يعني أن جولتها لن تتضمن إلقاء خطابات في العلن.

ومع ذلك، فإن ظهور أونغ سان سو تشي مجددا بين الناس العاديين في بورما لمدة أربعة أيام، بعد القمع الوحشي لثورة الزعفران، هي لحظة سياسية بامتياز، ترسل إشارات لا لبس فيها حيال سعيها المتقد حماسا وعاطفة للحرية والديمقراطية، تماما كما محاضرتها ضمن محاضرات ريث التي تنظمها هيئة إذاعة ال بي بي سي، أو خطابها المسجل مسبقا إلى الكونغرس الأميركي.

 

رسالة ثابتة

ان وجود أونغ سان سو تشي ورسالتها الثابتة في الدعوة إلى مقاومة سلمية ومعارضة كريمة وحوار ومصالحة وطنية، يدحض المحاولات للحط من قدرها وقدر مؤيديه كمخربين متهورين. والنظام بالتأكيد يعي هذا الأمر، ومع ذلك، فإنه يتمسك بالمزيج القديم من الدعاية والتهديدات المستطيرة شرا، وعلى هذا الأساس، يأتي التحذير التخويفي من أن تسبب جولة أونغ سان سو تشي الفوضى والاضطرابات، وقد كان ويليام هايغ وزير خارجية بريطانيا محقا في مطالبة النظام بضمان سلامتها، حيث يبدو واضحا بجلاء انه يتمنى لها السوء.

وليس لدى أونغ سان سو تشي خيارا إلا السير بوداعة، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الحكومات الخارجية، الإقليمية والغربية، التي كانت متسرعة في تصديق السرد الإصلاحي المثير للضحك لقادة العسكر. ومثال فاضح على هذا كانت مقالة مفوض الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان، ماركوس لونينغ، في صحيفة فايننشال تايمز أخيراً، الذي قال إن العقوبات على النظام يجب دوزنتها جيدا في سبيل مكافأة التحسن المفترض ما بعد الانتخابات.

وقد علق رئيس حملة بورما في بريطانيا قائلا: المقالة منحازة بالكامل نحو جدول أعمال ألماني في تخفيف الضغوط على الدكتاتورية، وفي زيادة المبادلات التجارية، وهذه ليست سياسة جديدة، لكن ألمانيا في السابق كانت تنكر واقع أنها كانت تضغط نحو تخفيف العقوبات بالاختباء وراء سرية اجتماعات الاتحاد الأوروبي.

 

وجه ودود

وألمانيا ليست وحيدة في الزعم بتبيان حصول تقدم، بل أن تيارا من السياسيين والدبلوماسيين الأجانب، بما في ذلك السناتور الأميركي جون ماكين والأسترالي كيفن رود، سمح لهم بدخول البلاد أخيرا، في مسعى للنظام لتقديم وجه أكثر وداً للعالم.

ولقد خففت أميركا والاتحاد الأوروبي مواقفهما من العقوبات، وتبدو الأمم المتحدة أنها تراجعت عن الدعوة للتحقيق في مزاعم بشأن ارتكاب النظام جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، أما الشركاء التجاريون الأهم تايلاند والصين، فإنهما يتعاونان مع حملة القمع التي يشنها الجيش البورمي ضد مجموعات من الأقليتين العرقيتين كارين وكاتشن في المناطق الحدودية، وحدها بريطانيا تستمر في اخذ مواقف مشككة بقوة حيال ما يجري في بورما.

وتنقل صحيفة آسيا تايمز عن رئيس موقع صوت بورما الديمقراطي قوله إن عملية تقليص رقابة النظام المفترضة على وسائل الإعلام، كما إصلاحاته الأخرى، كانت خداعا، وقبضته على الحياة السياسية تزداد خناقا، وان مثل هذه التغييرات التجميلية كانت كلها جزءا مما يطلق عليه حملة علاقة عامة تم تصميمها بعناية في سبيل تبديل التصورات الخارجية وتعزيز وضع قادة العسكر ببدلاتهم المدنية.