بعد موافقة مجلس الأمن الدولي، أخيراً، على زيادة قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي «أميسوم» في الصومال إلى 18 ألف جندي، تضاعفت الآمال في المؤتمر الذي عقد في العاصمة البريطانية لندن بشأن تعزيز الحكومة في مقديشو، وإحلال الاستقرار في البلاد، ومكافحة القرصنة التي زادت وتيرتها على سواحل الصومال في الآونة الأخيرة. ويأتي تصويت مجلس الأمن بالموافقة على اتخاذ هذه الخطوة في إطار المساعي الإثيوبية والصومالية المشتركة من أجل انتزاع مدينة بايداوا من سيطرة متمردي حركة الشباب. من جانبه، قال رئيس الوزراء الصومالي عبد الولي محمد علي: «سيكون استهداف حركة الشباب من خلال شن ضربات جوية خطوة موضع ترحيب. لكن يتعين علينا أن نتأكد من أننا نحمي أرواح المدنيين الصوماليين وسلامتهم».
دعم بريطاني
وقد دعمت بريطانيا القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي بزيادة قوة «أميسوم» وتوسيع نطاق المهام الموكلة إليها. وصرح السفير البريطاني لدى «ناتو»، مارك ليال غرانت، عقب جلسة التصويت على القرار في مجلس الأمن بالقول: «للمرة الأولى يتم تفويض أميسوم باستخدام كل الوسائل اللازمة لتقليص تهديد حركة الشباب، وبالتالي القيام بعمليات أقوى وذات طابع هجومي أكبر». كذلك، فإن القرار فرض حظراً على تصدير الفحم النباتي الصومالي، الذي يعد المصدر الرئيسي للتمويل بالنسبة للمتمردين. ورحّب رئيس الوزراء الصومالي بقرار مجلس الأمن، الذي يضع القوات الكينية في الصومال تحت قيادة الاتحاد الإفريقي، وذلك بعدما شنت نيروبي هجومها ضد مواقع حركة الشباب على امتداد حدودها الشمالية.
وسوف تقوم بمهام قتالية جنباً إلى جنب مع القوات الأوغندية والبوروندية الموجودة بالفعل ضمن قوة الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى قوة جديدة من جيبوتي. وأحرزت قوة «أميسوم»، التي توجد في الصومال منذ عام 2007، سلسلة من الانتصارات، حيث استردت مقديشو من قبضة حركة الشباب، وأجبرت مقاتليها على الخروج من وسط وجنوب البلاد. وأشارت تقارير، أخيراً، إلى أن دبابات وقوات صومالية وإثيوبية اجتاحت المدينة، فيما تمركز مقاتلو الحركة في الغابات المحيطة بالعاصمة.
الحل الوحيد
وقال رئيس الوزراء الصومالي علي، متحدثاً في لندن عشية انعقاد المؤتمر، إن الحل طويل الأمد للمشكلات الأمنية في الصومال يتمثل في تكوين جيش وقوات بحرية وخفر سواحل وطنية قوية، والحل الوحيد لتمرد حركة الشباب ومشكلة القرصنة المزمنة هو اقتصادي.
وأضاف: «يتعين علينا أن نكون مستعدين للترحيب بالأعداد الكبيرة من الهاربين من صفوف المقاتلين ومساعدتهم، ومنحهم كافة السبل لعيش حياة كريمة. فالحل طويل الأمد لمشكلة القرصنة يكمن في داخل البلاد، ذلك أن الأسباب الجذرية تتمثل في الخروج عن القانون والفقر. الفائدة التي تعود على المواطنين الصوماليين جراء ركوب البحر منعدمة. فقد فقدت الأرواح وأودع الكثيرون في السجون. علينا أن نوفر بديلاً معيشياً مناسباً».
ووفقاً لقوات خفر السواحل لمكافحة القرصنة التابعة للاتحاد الأوروبي، فقد قام قراصنة بمهاجمة ست ناقلات بحرية خلال الشهور الست الأخيرة من عام 2011، في مقابل مهاجمة 19 سفينة خلال الشهور الأربعة الأولى من العام نفسه. وبلغت قيمة مبالغ الفدية التي تم سدادها لإنقاذ سفن من أيدي القراصنة 86 مليون جنيه استرليني. إدراك أن الصومال حالة تستحق تكثيف الاهتمام تم تعزيزه في العام الماضي، حيث أعلنت الأمم المتحدة أجزاء من الصومال كمناطق مجاعة، وذلك عندما اجتاحت البلاد موجة جفاف ضارية قبيل سنوات من الصراع بين حكومة انتقالية ضعيفة وحركة الشباب، والتي دفعت بالبلاد إلى حافة الهاوية.
عوز شديد
وقع الصومال منذ سنوات بين مطرقة المجاعة الشديدة وسندان الحرب الأهلية الضروس التي أودت في النهاية بحياة آلاف من الصوماليين. وعلى الرغم من انقشاع غمة المجاعة، إلا أن هناك ما يقدر بنحو 2.34 مليون نسمة، أي ما يعادل ثلث سكان البلاد يعانون من العوز الشديد في المؤن الغذائية والمأوى، فضلاً عن وجود 1.7 مليون نسمة يعيشون في المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها مقاتلو حركة الشباب الذين منعوا وصول مجموعات المساعدة الإنسانية إلى هناك.
«الحركة» تحت مجهر أجهزة الاستخبارات الغربية
خلال جلسة استماع أمام محكمة في مدينة مومباسا الكينية الساحلية، وقف الشاب البريطاني جارمين غرانت البالغ من العمر 29 عاماً، أمام قضاة التحقيق الذين أخذوا يتلون الاتهام الموجّه إليه بكونه عضواً في حركة الشباب الصومالية التي تخطط لشن هجمات ضد أهداف في كينيا. فقد ألقت شرطة العاصمة الكينية نيروبي القبض على غرانت، أخيراً، لضلوعه مع الحركة المسؤولة عن تنفيذ عدد من التفجيرات في مقديشو ومناطق في شمال الصومال، في الوقت الذي يبدو أن الجماعة تخطط لتصدير العنف إلى خارج حدود الصومال. وربما يمثّل غرانت، الذي ينحدر من أسرة في نيوهام شرق العاصمة البريطانية لندن، شيئاً مختلفاً قليلاً في نظر أجهزة الاستخبارات الغربية.
وعلى امتداد أكثر من ست سنوات ماضية، ظلت أجهزة الاستخبارات الغربية تتابع عدداً من البريطانيين والأميركيين الذي كانوا يسافرون إلى منطقة القرن الإفريقي، ويسعون للتدريبات في معسكرات جماعة الشباب الصومالية في مناطق شاسعة غير خاضعة للسلطات الصومالية، بالطريقة نفسها التي كان يمارسها نظراؤهم من القيام برحلات إلى باكستان و أفغانستان إبان حقبة التسعينات من القرن الماضي. وتعتقد الأجهزة الاستخبارية أن حوالي 200 أجنبي، بمن فيهم غرانت، قد ساعدوا حركة الشباب في القيام بتمرّد في الصومال، والتخطيط لشن هجمات على أهداف غربية في دول مجاورة.
لكن ما لم يتابعونه حتى الآن هو أن هؤلاء الأشخاص يعودون إلى بريطانيا ومعهم الإرهاب. فما جرى في العراق وأفغانستان يشير إلى أنها مسألة وقت فقط قبل أن تكتمل دائرة أخرى من النوع نفسه من الإرهاب. كانت المشكلات التي تهدد بحدوثها حركة الشباب على أمن الصومال، وما يتبعها من آثار مدمّرة بالنسبة للغرب، محور نقاشات مؤتمر عقد، أخيراً، في العاصمة البريطانية لندن.
حركة الشباب الصومالية ليست فرعاً من تنظيم القاعدة الذي كان يتزعمه أسامة بن لادن. فقد نشأت الحركة كمجموعة تمرد طائفية، حيث أصبحت بارزة في منطقة جنوب الصومال في عام 2006، متمردة على الحكومة الانتقالية الاتحادية في البلاد والموالين لها في إثيوبيا والغرب. ويقدر عدد المؤسسين للحركة ببضع مئات، لكنها تمكنت من تجنيد ما يصل إلى 6 آلاف فرد بالقوة في بعض الأحيان. يقول خبراء إن حركة الشباب الصومالية يتزعمها بصفة شكلية شيخ محمد مختار عبد الرحمن، المعروف باسم أبو زبير، لكن يؤكد معظم المحللين على أنها عبارة عن ائتلاف متفرق يتكون من أفرع على جميع المستويات. وتتسم بعض الانقسامات الأكثر عمقاً بأنها أيديولوجية، لا سيما بين من تعتبر أهدافهم داخلية بشكل أساسي، وبين الذين تبنوا طموحات أوسع باتجاه القتال، وهي المشابهة لتلك الطموحات الموجودة لدى تنظيم القاعدة.
في الآونة الأخيرة، أجبرت القوة المسلحة التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال «أميسون» جماعة الشباب على التقهقر، في الوقت الذي قوبلت الجماعة بضغط باتجاه الشمال من قبل قوات كينية بلغ قوامها ألفي مسلح شنت هجوماً على البلاد في أكتوبر الماضي. فيما تحذر آنا رايدر، من المعهد الملكي البريطاني في لندن، من أن جماعة التمرد تتسم بالمنعة، مضيفة: «لقد أثبتت هذه الجماعة قدرتها على التكيف والتطور على امتداد السنين، و أظهرت أنها أصبحت أكثر تماسكاً تحت الضغط. إنها جماعة براغماتية».
وأعلنت الحركة، أخيراً، مسؤوليتها عن تفجير سيارة ملغومة في العاصمة الصومالية مقديشو، وذلك عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» الذي يتضمن الألوف من أتباعها. ويعتقد المراقبون أن زيادة عدد عناصر قوة «أميسوم» المسلحة إلى 18 ألف جندي من شأنها أن تسحق جماعة الشباب، فيما يرى آخرون أن ذلك من شأنه أن يستثير مشاعر أتباع الحركة ضد ما يعتبرونه أنه الجيش الموالي للغرب.
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، خلال كلمته أمام مؤتمر لندن: «إن حشد الجهود الدولية لتحقيق التحول في الصومال يعني العمل في جميع أنحاد البلاد التي اجتاحتها المجاعة والأمراض والعنف والإرهاب أكثر من أي بلد آخر في العالم، ومنح هذا البلد فرصة ثانية».
وتشعر أجهزة الاستخبارات الأميركية و البريطانية بالقلق حيال تنامي علاقات جماعة الشباب الصومالية مع الخلايا الأخرى التابعة لتنظيم القاعدة، لا سيما ما يسمى بـ «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» والترويج للفكر المتطرف في غرب افريقيا، بما في ذلك نيجيريا، التي أعلن بعض مسلحيها صلتهم بتنظيم القاعدة.
أخيراً، قال اندريه لوساج، وهو كبير الباحثين في شؤون إفريقيا في جامعة الدفاع الوطني بواشنطن، لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: «أشد ما يقلقني هو ما إذا كان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يمكنه أن ينقل المعرفة لحركة الشباب، لا سيما ما يتعلق بتصنيع متفجرات يدوية وتدبير خطط متطورة واستعداد الحركة لأن تكون رهن إشارة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، حاملين وثائق سفر غربية. ولكن ماذا بوسع الغرب أن يقدموه من أجل احتواء حركة الشباب، التي توجد في دولة تتمزق أوصالها على امتداد معظم العشرين عاماً الماضية؟ جهود أميركية
أنفقت الولايات المتحدة ما يقدر بـ 500 مليون دولار لتدريب ودعم قوات في منطقة شرق إفريقيا، فيما تقوم قيادة العمليات الخاصة الأميركية بشن هجمات صاروخية باستخدام طائرات موجّهة عن بُعد، بما فيها العملية التي نفّذتها على مشارف مقديشو، والتي أسفرت عن مقتل أحد عناصر تنظيم القاعدة الشبان من لندن، ويدعى بلال البرجاوي.
وتبذل في الوقت الراهن جهوداً من أجل حصار التمويل الذي تتلقاه جماعة الشباب، والذي يأتي جزء منه عبر جماعات صومالية في الولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وألمانيا وأستراليا. أما عدد الأجانب الذين يتلقون تدريبات في معسكرات بالصومال فلا يزال محدوداً، حيث يتضمن ما لا يقل عن 40 عنصراً من الولايات المتحدة ومثلهم من بريطانيا.

