قوبلت أنباء مقتل ستة جنود بريطانيين في أفغانستان، أخيراً، بتقدير مستحق ورصين، أولاً في مقر الحكومة في داوننغ ستريت، ثم في وزارة الدفاع البريطانية، وبعد ذلك في البرلمان خلال الأسئلة التي وجهت لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.

فقد شدّد وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند على أن ما حدث لن يزعزع إصرارنا على إحراز التقدم في مهمتنا في أفغانستان. وأكد كاميرون على التزام القوات بإنجاز هذه المهمة، بينما يتم تقدم كل دعم ممكن لتحقيق تسوية سياسية.

 

عدم التراجع

وفي حين أن تدخل بريطانيا في أفغانستان كان مكلفاً في الأرواح و المال على حد سواء، إلا أنه عندما يتم تقييم هذا التدخل مقابل الحروب السابقة، كان يمكن أن تكون التكلفة أعلى من ذلك بكثير. و بالإضافة إلى التعقيدات في التضاريس، كان هناك سوء تقدير في الخطوات التكتيكية و في الظروف التي بدأ فيها التدخل، المتمثلة في حدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر والاطاحة بنظام حركة طالبان في أفغانستان، وربما ينظر إليه على أنه أمر ملحوظ من حيث أنه مع هذه الوفيات الستة التي تفقدها بريطانيا، فعلى امتداد أكثر من عشر سنوات، لقي 400 جندي بريطاني مصرعهم هناك.

 

مبررات التدخل

بالطبع، فإن الأمر بالنسبة لمن لا يزالون غير مقتنعين سواء بمبررات التدخل في أفغانستان على الإطلاق أو بتحقيق الهدف من التدخل، يعتبر فقدان 400 جندي بريطاني عددا كبيرا للغاية، وهو ما يعتبره الكثيرون من أقارب وأصدقاء القتلى. مرت أيضاً بعض الأحيان عندما ألقيت المسؤولية على عدم كفاية عتاد الحرب، فقد كان الجنود الستة الذين قتلوا، أخيراً، يسافرون في واحدة من أكثر السيارات المتاحة تقدماً.

وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك ثلاث سنوات تفصلنا عن موعد الانسحاب من أفغانستان، فلا يمكن النظر إلى هذه الوفيات على أنها بمعزل عن باقي الأحداث. و من الصعب التخلص من الانطباع بأن قدراً ضئيلاً آخذ في التغير، حتى رغم تواصل تدريب الجنود وقوات الشرطة الأفغانية، مادامت سلطة الحكومة والأمن العام و سلامة القوات الأجنبية هي أمور محل قلق. في بعض النواحي، يبدو الوضع آخذ في التدهور. فهناك المزيد من الحوادث المسجلة التي تقوم فيها القوات الأفغانية والشرطة المدربة حديثاً بشن هجمات مباشرة ضد حلفائها الأجانب أو التسلل إلى المباني التي يفترض أنها آمنة.

الاحتجاجات العنيفة التي أعقبت حرق القوات الأميركية في أفغانستان

أخيراً، والسرعة التي انتشرت بها، تكشف حدّ السكين الذي يتهدد حالة الأمن و القوات الأجنبية في أفغانستان. و مع زيادة عمليات زراعة نبات الخشخاش في أفغانستان مرة أخرى، و توقع أن تتراجع الزيادة في عدد الفتيات اللواتي يذهبن إلى المدارس بسبب القواعد الدينية التي سوف تفرض على وضع الإعالة للمرأة الذي أقره الرئيس الأفغاني حامد قرضاي، أخيراً، فإن احتمالات أن تغادر القوات الأميركية و البريطانية أفغانستان في حالة أفضل بكثير تبدو أسوأ بشكل ملحوظ مما كانت عليه قبل عام.

قيل إن موقف قرضاي، لا سيما حيال وضع المرأة، يمكن تفسيره على أنه يأتي من قبيل حاجة حكومته المعترف بها أخيراً للتعامل مع حركة طالبان. لكن ذلك حجة ضعيفة. فلو أننا أضفنا ما سبق فضلاً عن الانتكاسات الأخرى إلى العودة الجزئية لحركة طالبان كشرط مسبق للاستقرار، إذن يبقى مغزى بقاء القوات البريطانية في أفغانستان غير واضح. لقد حالف الحظ الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن الولايات المتحدة كانت قادرة على الانسحاب من العراق في حالة جيدة، وليس هذا هو حال القوات البريطانية للانسحاب من البصرة. لكن الاستنتاج المؤسف لا بد و أنه يتمثل في أن الموعد النهائي لمغادرة القوات البريطانية لأفغانستان في عام 2014 يترك مساحة لتفاقم الأوضاع وعمليات قتل لا داعي لها. فالانسحاب يجب أن يتم التعجيل به.

وكان رئيس الوزراء البريطاني كاميرون قد ألمح منذ أكثر من عام إلى أن لندن تنوي تقليص حضورها العسكري في أفغانستان تدريجياً على مدار السنوات الثلاث القادمة، مشيرا إلى أن الانسحاب الجماعي في عام 2014 أمر غير مرغوب فيه. وهذه هي أول إشارة من رئيس الحكومة البريطانية إلى نية مواصلة سحب القوات من أفغانستان. وفي يناير الماضي، قال كاميرون إن دولا عدة سوف يتاح لها خفض عدد من قواتها في أفغانستان بحلول 2014، لكن هذا القرار يظل رهناً بتقدم العملية الانتقالية.

وكرر كاميرون أنه يريد تجنب انسحاباً مفاجئاً في العام 2014 الذي يتجلى في مغادرة متزامنة لكل القوات التي لا تزال موجودة. وتابع: بين اليوم و2014، فان وتيرة خفض قواتنا ينبغي ان تكون مرتبطة بوضوح بنقل السيطرة الى القوات الافغانية في مختلف انحاء البلاد، وهذا الامر يجب ان ينطبق على اعضاء حلف ناتو الذين يساعدون في التأسيس لأفغانستان قوية و مستقرة وسلمية.