بدت ملامح العناد على جميع تفاصيل وجه الرئيس المصري السابق حسني مبارك خلال محاكمته وهو نائم على سرير طبي واضعاً نظارات شمسية معتمة، وقد صبغ شعره بعناية. يداه معقودتان على السرير ومغطى بغطاء طبي، وتنزلق أكمام منامته التي يرتديها بسلاسة من تحت أكمام بدلة السجن.
ويظهر إلى جواره أيضاً ولداه يحيطان به كأنهم حراس يحولون دون وصول عدسات الكاميرات إليه. فهل هذا هو حسني مبارك الذي ظل رئيساً لمصر طيلة 30 عاماً؟ وهل ستكون صورة رئيس المافيا هذه هي آخر صورة نراها له؟
مزاج أكثر قسوة
بعد مرور أكثر من عام على خلعه من منصبه كرئيس لمصر، ساد مزاج عام أكثر قسوة في البلاد. فقد نصبت المشانق الرمزية، التي تحلو لوسائل الإعلام الغربية تسليط الضوء عليها، في ميدان التحرير وخارج قاعة المحكمة بعد أشهر من الثورة. لم تكن رغبة المحتجين أبداً مع المحاكمة القصيرة والسريعة، بل كانوا يريدون محاكمة تفصيلية شاملة وعادلة، وتهيأوا نفسياً لأن تأخذ المحاكمة وقتاً.
ومع استمرار هذه المحاكمة، تعلمنا أكثر وأكثر عن الدمار الممنهج الذي كان هذا الرجل يشرف عليه، حيث إن دمارنا تم إحياؤه من جديد أمام أعيننا، فقد تفككت الصناعات وأفلست الوزارات وسممت المياه وهربت التحف الآثرية والذهبية القديمة وتراكمت الديون الخارجية وأزهقت الأرواح.
وبينما كنا نستوعب هذه المعلومات عرفنا أن مبارك لا يزال يعيش في ترف في سجنه، في البداية في مستشفى على الشاطئ في شرم الشيخ، قبل أن ينقل إلى جناح مكوّن من إحدى عشرة غرفة في المركز الطبي العالمي المجهز بأجهزة الهاتف وشاشات البلازما التلفزيونية. وتقوم طائرة خاصة بنقله على سريره الطبي إلى مقر المحاكمة. فمن يدفع تكلفة كل ذلك؟ تقول القوات المسلحة إنها تقوم بذلك، لذا فكيف يمكن لهم تحمل كل هذه النفقات؟
يري الناس أن هذا مضاد للموقف القومي، حيث تمكن محامو ناشطون من الحصول على حكم قضائي بتحديد الحد الأدنى من الأجور. فالقانون يضمن 1500 جنيه مصري (157 جنيهاً استرلينياً)، وتقول الحكومة إنها لا تمتلك الأموال الكافية لدفعها، وتقترح بدلاً من ذلك مبلغ 700 جنيه مصري (73 جنيهاً استرلينياً) في الشهر.
ونحن نرى ذلك مخالفاً أيضاً للحقيقة التي مفادها أن ابني مبارك هم من دبرا للمواجهات مع الشعب التي راح ضحيتها نحو 200 من المدنيين وتم تقديم نحو 1200 منهم للمحاكمات العسكرية. فلا عجب في أن يتغير مزاج الناس، وبدلاً من مجرد المطالبة «بالرحيل» فحسب، فإننا الآن نسمع المطالبات بالإعدام.
مشهد جانبي
وحتى الآن، بمعنى أو بآخر، فقد أصبحت المحاكمة مشهداً جانبياً، أو تشتيتاً للانتباه. فهي تسمح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والقوى الحالية بتعزيز الانطباع بأنهم ليس لديهم صلة بهذه الجرائم الكبيرة، ولكنها مدبّرة، إن لم يكن من قبل مبارك، فهي عن طريق شبكة اتصالات أبنائه التي مازالت نشطة.
تعتبر المحاكمة بأي حال من الأحوال عرضية. بالطبع كان لا بد من محاكمة مبارك لدوره في قتل المتظاهرين خلال شهري يناير وفبراير 2011، لكن ذلك ليس ذروة الجريمة التي تدين أنشطة مبارك ونفوذه بتهمة الخيانة العظمى، وبتهمة السماح لدولة أخرى بالحصول على منافع المصريين.
فلا عجب، إذاً، من أن تنعي إسرائيل فقدان «حليفها الاستراتيجي». ولا عجب بأن يقضي مبارك 10 دقائق في الحديث هاتفياً مع صديقه وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعازر يوم الحادي عشر من فبراير 2011، معرباً عن صدمته من أن الأميركيين قد تخلوا عنه رغم كل ما قدمه من أجلهم.
لكن المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى كان من شأنها أن تجعل اللاعبين الحقيقيين ذوي المصالح الكبرى يمثلون للمحاكمة. لذلك، فهو يحاكم حالياً على قتل المتظاهرين، وبهذه الطريقة سوف يبقى الأمر كله في إطار النطاق المحلي.
