الكثيرون في أوروبا، و في ألمانيا على وجه الخصوص، يتساءلون عن سبب الاضطرار إلى مواصلة تقديم الدعم المالي لبلد فشل في الوفاء بالتزاماته تجاه شركائه، وهي دولة متأخرة دولياً بحسب جميع المؤشرات الرئيسية، بما في ذلك مؤشرات الابتكار والقدرة التنافسية والشفافية. مثل هذه الاعتراضات مفهومة لكنها خاطئة. فأوروبا ستخسر بالقدر نفسه الذي تخسره اليونان في حال اضطرت الأخيرة إلى الخروج من منطقة اليورو.

فالمسألة ليست مجرد انتشار عدوى عدم الاستقرار إلى البلدان الأخرى في الطرف الجنوبي من أوروبا فحسب، بل انعكاساتها على اقتصادات شمال أوروبا وتأثير ذلك على عملية التكامل الأوروبي التي بدأت من أنقاض الحرب العالمية الثانية. ففي حال سقوط اليونان، فسوف تسقط قبرص أيضاً، وذلك بسبب انكشافها على الاقتصاد اليوناني، و سوف تخسر أوروبا حصنين في شرق البحر المتوسط، واللذين لم يفقداً شيئاً من أهميتهما على ساحة القوة الدولية.

تعد اليونان أيضا أول حاجز في أوروبا ضد موجات الهجرة غير القانونية القادمة من آسيا. ورفعت العبء عن الجميع، بقدر ضئيل للغاية من المساعدة. فلو أن الاتحاد الأوروبي يعتقد أننا في الحقيقة لا نبذل جهداً عظيماً في حراسة حدوده، فلننتظر لنرى الفوضى التي سوف تترتب على خروج اليونان من الاتحاد.

 

بلقان أخرى

وثمة سبب ثالث جيد لإنقاذ اليونان يتمثل في الحيلولة دون تحولها إلى بلقان أخرى، والذي سوف ينجم عن الفقر المدقع وعدم القدرة على استيراد الأدوية والوقود والمواد الغذائية بعد تعرضها للإفلاس بشكل فوضوي. فعلى عكس الأرجنتين، ليست لدى اليونان عملة خاصة بها لخفض قيمتها.

وسوف تضطر إلى تقديم عملة جديدة من نقطة الصفر، دون وجود قيمة لسعر الصرف على الإطلاق، و دون وجود وسيلة لدعمها، ذلك أن اليونان ليست مصدراً أساسياً للسلع الأولية أو المصنّعة. وسوف ينهار النظام السياسي، وستتعرض الديمقراطية للخطر. ولن يحصل الاتحاد الأوروبي وحلف ناتو على أية فائدة جراء وجود مصدر جديد للتوتر في منطقة البلقان، التي حاربوا من أجلها لتحقيق الاستقرار خلال العقود الأخيرة. سيكون خطأ فادحاً.

وعلاوة على ذلك، ينبغي لشركاء اليونان الأوروبيين ألا ينسوا أن مصالح مشتركة بعينها التي ربما نجحت في الحفاظ على امتيازاتهم والتهرب من دفع الضرائب ربما لا تزال متفشية في اليونان، لكن الغالبية من الشعب اليوناني قدمت تضحيات كبيرة، من أجل تحمل أقسى برامج التقشف المالي التي يتم تطبيقها في البلدان المتقدمة. و خروج اليونان من عضوية الاتحاد سيكون بمثابة خيانة من جانب جميع الذين تخلوا عن الكثير.

 

دوافع خفيفة

ينطبق الشيء نفسه على جزء كبير من النظام السياسي في اليونان. فربما أثبت الساسة اليونانيون أنهم غير كفؤين، لكن لا يمكن لأحد أن يتهمهم بأن لديهم دوافع خفية. فالغالبية من ثلثي نواب البرلمان الذين صوتوا لصالح المذكرة الاقتصادية الجديدة يدركون أنهم قد وقّعوا على نهاية مسيرتهم السياسية.

وبالنسبة لباباندريو وساماراس، وهما زعيما الحزبين الرئيسيين في اليونان، فقد غامروا بحلّ حزبيهما من خلال دعم بقاء البلاد في منطقة اليورو، وهي الخطوة المناهضة للأصوات الاشتراكية التي تعد بأن كل شيء سوف يتم التوصل إلى حلّ من أجله، إذا بدأت اليونان بطبع دراخمة مخفضة القيمة.

وتظهر جميع استطلاعات الرأي أن اليونانيين، رغم تضحياتهم، تعهدوا بالبقاء في منطقة اليورو. وتعد صور أحداث الشغب والعنف التي يتم نقلها إلى الجانب الآخر من العالم عبر وسائل الإعلام عملاً من صنع قلة قليلة و وعجز من جانب الشرطة . فعندما يرى العالم أن 100 ألف شخص يخرجون في مسيرات في أثينا، فإن ما لا يرونه هو أن 4 ملايين أثينيين آخرين لم يخرجوا في مسيرات أو يحرقوا أو يقوموا بأعمال شغب، وكل ما يحاولون القيام به هو البقاء على قيد الحياة فحسب، و تغطية نفقاتهم في بلد معطل من كل شئ في الوقت الحالي.