تجرى في العلن نقاشات لقضايا تتعلق بالعلاقات بين المسلمين والأقباط في مصر. وهذه النقاشات العقيمة لم تكن من أسباب الانتفاضة، لكنها قد تكون سببا في تمزيق البلاد.
خلال الأيام الثمانية عشر في فبراير 2011، رأينا مسلمين ومسيحيين يحمون بعضهم بعضا، ويحتجون سويا، لكن الآن فان القطاعات والأحزاب التي تشكل المجتمع المصري تهاجم بعضها والثقة بينها متداعية.
والقوة السياسية التي قطفت ثمرة الانتفاضة لم تكن القوى الليبرالية التي قادتها، بل القوى الإسلامية التي كسبت أكثر من ثلثي المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، مع حصول الإخوان المسلمين على نسبة 38% من المقاعد، وحزب النور المتشدد على 29%، هذا دون ذكر أن 20% من المرشحين الفائزين يمكن أن يقفوا إلى جانب الإسلاميين في الحكومة المقبلة.
أما الشباب الثوري، الذي سيطر على قلوب المشاهدين على امتداد العالم، في فبراير 2011 فلا يشكل قوة متحدة، بل هو منقسم إلى اكثر من مجموعة مختلفة، ويفتقر إلى بنية واحدة أو آلية للتعبئة على الجبهة الانتخابية. وتحديهم للنظام السابق لن يكون قادرا على النجاح إلا إذا تغاضوا عن خلافاتهم، وعملوا معا مع قوى أخرى في مصر، تشمل المجلس العسكري للقوات المسلحة الذي يحكم مصر حاليا، في خطوة قد تبدو مثيرة للجدل.
والمجلس العسكري الحاكم لا يمكن إزالته من المعادلة السياسية، على الرغم من أنه يواجه الآن حملة انتقادات حادة واحتجاجات، وأنا لم اكن يوما أريد للجيش هذا الدور في الحياة السياسية، لكن الأوضاع تغيرت. وهو الكيان الوحيد الذي يملك القوة لتغيير مؤسسات الدولة في مصر. ولقد وعد قادة العسكر في العلن بتسليم السلطة في يونيو المقبل. ومن غير المجدي المطالبة بتنحيهم قبل ذلك التاريخ، خصوصا وأن اكثر من نصف المصريين يؤيدون موقفهم الآن.
ومصر ليست القاهرة على الرغم من الاحتجاجات التي شاهدناها على شاشات التلفزة على مدى السنة الماضية، كما أن القاهرة ليست ميدان التحرير. فمصر تتألف من ألوف القرى والبلدات والمدن، وهي أمة تضم 85 مليون نسمة، لكن كل عائلة مصرية لديها رابط وعلاقة خاصة مع الجيش من خلال الخدمة الوطنية. لقد ارتكب قادة العسكر أخطاء، وربما أخطاء فادحة، لكن هذا لا يعني أنهم العدو، فلقد حملوا البلاد عبر أربعة حروب رئيسية خلال السنوات ال60 الماضية.
سمحوا بانتخابات حرة وعادلة، والنتيجة تم احترامها، وهذا الأمر لم يحدث في أيام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وقد جرى تسليط الضوء على التعاون بين العسكر والإخوان المسلمين، لكن منذ استلام العسكر السلطة فان القوى الليبرالية العلمانية رفضت العمل معه، حيث إنها لا تؤمن بقيام القوات المسلحة بإدارة الدولة، وهذا ترك فراغا تمكن الإخوان المسلمين من الاستفادة منه.
والحديث الجاري في القاهرة اليوم هو أن التعاون بين الإخوان المسلمين والعسكر سوف يؤدي بنا إلى النموذج التركي. لكن هذه مغالطة. فكمال أتاتورك أسس تركيا كدولة علمانية في عشرينات القرن الماضي. ولم تحدث تغييرات جوهرية في تركيا حتى القرن الواحد والعشرين، أي بعد مرور 80 عاما. وعندما انتخب الأتراك حزبا بنكهة إسلامية، حافظوا على علمانية الدولة. ومصر لم تمر أبدا بهذه التجربة التركية. وكانت صدمة للإسلاميين في مصر عندما اعلن رئيس الوزراء التركي: "دولة علمانية تحترم كل الأديان. ولا تكونوا حذرين من العلمانية، وآمل ان تكون هناك دولة علمانية في مصر".
ان مستقبل مصر ما زال غامضا، وأتمنى الأفضل لها على المدى البعيد، لكن من الواضح أنه سيجري اختبارنا بقسوة كأمة في خضم التطورات الجارية.
