"لا نهاب الموت بل نخشى في الأساس من الحياة.. تلك الحياة التي عشنا فيها أيامًا مريرة، فعلمتنا معنى الذل والخنوع والخضوع لرغبات ديكتاتورية سياسية لا ترى سوى مصالحها الشخصية، تتحدث باسم الفقراء من برج عاجي عالٍ وبعيد، نعيش هنا منذ أكثر من 30 سنة، في مناطق وصفوها بـ"العشوائيات"، ولم يدركنا الموت حتى الآن، وعلى الرغم من الوعود الحكومية البراقة سواء قبل الثورة أو بعدها بايجاد حل لمشكلة السكن، إلا أن شيئًا لم يحدث حتى الآن.. لا أريد سكنًا لنفسي، بل لأحفادي الذين لا أريدهم أن يعيشوا مثلما عشت"..
تلك عبارات من حديث سيدة مصرية مُسنة، بلغت من العمر أرذله، زهدت في الحياة ولا تخشى أن ينهار مسكنها العشوائي، بل كل ما تخشاه ان يتشرد أحفادها الذين شهدوا ثورة شعبية هائلة في 25 يناير، وعاشوا على أمل حل مشكلتهم مع العشوائيات؛ لينعموا بسكن آدمي آمن.
وتصل نسبة المساكن العشوائية غير الآمنة، والتي تهدد حياة القاطنين فيها نحو 1% من الكتلة العمرانية، حيث يعيش في كل فدان منها نحو 200 مواطن مصري، مهددون يوميًا بكوارث ضخمة قد تأتي على حياتهم، وحياة ذويهم، عبر مساكن مبنية في الأساس على مخلفات البناء من "صفيح" أو مخلفات مواد البناء نفسها، كما يوجد في مصر نحو 404 مناطق غير آمنة و1068 منطقة غير مخططة بالمحافظات.وبلغ إجمالي ما أنفقته الحكومة المصرية على تطوير العشوائيات منذ عام 1993؛ وحتى زوال النظام السابق نحو 3.1 مليارات جنيه فقط!.
ويقول رئيس صندوق تطوير العشوائيات دكتورعلي الفرماوي، ، إن الصندوق مخول بإعطاء قروض "حسنة" لتطوير العشوائيات، وإنشاء مساكن بديلة للمتضررين، والتكلفة المتوقعة لتطوير العشوائيات في مصر تصل إلى نحو 8.5 مليارات جنيه، رصد منها حوالي 3.5 مليارات لتطوير المناطق المهددة للحياة، وتم تقدير تكلفة العشوائيات من درجة الخطر الرابعة بنحو 1.5 مليار جنيه، ومن درجة الخطر الثالثة 2.6 مليار جنيه.
إلا أن عددًا من الخبراء الاقتصاديين، من بينهم دكتور حمدى عبدالعظيم، يرى أن تطوير العشوائيات لابد وأن يكون بمثابة مشروع قومي في مصر عقب الثورة، وخاصة أن الحق في السكن يعد أحد حقوق الكفاية في الإسلام، وطالب كافة القوى السياسية بالجلوس على طاولة مفاوضات واحدة لعرض برامجهم الانتخابية بشأن القضاء على إشكالية العشوائيات في مصر بصفة عامة، وخاصة أنها تأتي ضمن أبرز مطالب الثورة في مصر.
وينتظر أن تناقش لجنة الإسكان في البرلمان المصري ملف العشوائيات بصورة موسعة عقب إجراء الانتخابات الرئاسية، وذلك وفقًا لما أكده دكتور مجدي قرقر، وكيل اللجنة بمجلس الشعب، خاصة والمشكلة تحظى بأولية لدى اللجنة بعد تفجر إشكالية الصرف الصحي وكذلك البنية التحتية في مصربشكل عام.
