تحلم كل فتاة بأن تبني لنفسها مستقبلاً خاصًا وفق قناعاتها وتطلعاتها الشخصية، وتتمنى أن تسير في طرق ترى أنها الأقرب إلى تحقيق أحلامها، لكن كثيرًا ما تصطدم الأحلام والطموحات بعقبات تبعدها عن الطريق الذي رسمته لمستقبلها.. وتقع في حيرة شديدة بين تحقيق مستقبلها كما ترى، بما يعنيه ذلك من عصيان لرغبة الأهل، وبين الخضوع لما يحددونه لها ما يؤدي لتبعثر أحلامها مع رياح الأيام.. التحقيق التالي يرصد واقع كثير من فتياتنا مع هذه المشكلة.
ويرى بعض العلماء أنه فيما يتعلق برغبات وطموحات الفتاة، والتي قد تتعارض مع رؤى الأهل، فإن طاعة الوالدين مقدمة على رغبات النفس؛ استنادًا إلى الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "كان تحتي امرأة أحبها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أبي أن أطلقها فأبيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك. والزواج كالطلاق، وهو أولى بالطاعة فيه من الطلاق".
مصر.. علاقة شائكة ومواقف متزمتة ولا ضوء في آخر النفق
والسؤال الذي يفرض نفسه، هل إصرار الفتاة على تحقيق طموحها يدخل في باب عدم طاعة الوالدين؟.. يجيب عن ذلك الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية.. موضحًا أنه لا يجوز شرعًا أن يتم فرض عريس على الفتاة وهي لا ترتضيه، ولا ترغب في الارتباط به استنادًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قال فيه: "لا تُنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن..
قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت". ، مؤكدًا على أن الإسلام عزز مكانة المرأة، بعد أن جاء في زمن كانت فيه مُهمشة، ولا قيمة لها، ولذا فإنه جاء ليعطيها الحق في أن تقرّر مصيرها في الزواج بمن ترتضيه زوجًا لها، ولابد أن تُستأذن؛ استنادًا إلى قول النبي نفسه، بما يعني أن رغبات الأهل واعتراض الفتاة عليها فيما يخص الزواج أمر من حقها.
البداية كان لابد ان نتعرف على ماتقوله الفتيات وكيفية العبور من النفق المظلم إلى بقعة ضوء تكون الرؤية واضحة. نيفين سليمان تبلغ من العمر 25 سنة وهي تعاني حيرة بين رغباتها العملية في تحقيق ذاتها كامرأة عاملة، ورغبات أهلها التي تمنع عليها هذا الحق، وتعبر عن ذلك فتقول: أقدّر خوف أهلي، وقلقهم الدائم باعتباري أنثى وشابة، وأقدر جدًا تشدّدهم في المعاملة معي، ورفضهم أكثر من فرصة عمل تتاح لي؛ لحجج متباينة ومختلفة، مثل أن مكان العمل بعيد عن المنزل، أو أن العاملين معظمهم من الرجال، وغيرها من الأسباب الواهية..
ومع قبولي بها وإيماني بأنهم جميعًا يخافون عليّ كأنثى، إلا أنني أرى المستقبل غامضًا أمامي، ففي الوقت الذي أريد فيه استكمال الدراسات العليا بالجامعة؛ كي أكون أستاذة أكاديمية ذات شأن ومنصب، يقف أهلي أمام رغبتي، بداعي الخوف عليّ من النزول الدائم.. أعرف ماذا أفعل، خاصة وأن تمسكي بطموحي قد يدخل في باب عدم طاعة الوالدين، كما سمعت من بعض صديقاتي.
وبين هذا وذاك، نجد ان الكثير من الفتيات حالهن كحال هذه الفتاة فهو لا يختلف كثيرا ، فإذا كانت "نيفين" تعاني رفض الأهل بسبب عملها، فهناك أخريات يعانين فيما يتعلق بتعليمهن الجامعي , وفرض الأهل عليهن تخصصا لا يرغبن فيه بدعوى أن العائلة تعرف أكثر خاصة ما يصلح ويضر الأبناء وتحديدا الفتيات، فأن كان ذلك في مجال الدراسة التي تحدد معالم المستقبل، فإن اصرار الأسرة على فرض عريس لا ترغب فيه ابنتها، أمر يضع الفتيات في حالة نفسية سيئة، تؤثر سلبا على حياتهن.
أحد أولياء الأمور وهو أب لفتاتين يدعى محمد رضا، يقول إنه لا يحاول أن يفرض حدودًا قاسية على بناته، في الوقت الذي لا يريد فيه أيضًا أن يترك لهم الأمور كما يشاؤون، فالأمور لابد أن تكون بلا إفراط أو تفريط، ,وخاصة أن الدراسات الحديثة أكدت أن التشدد تجاه الفتاة وفرض رأي من الأهل عليها, قد يتسبب لها في مشكلات نفسية كبيرة مستقبلاً، وفي الوقت نفسه من الممكن أن يهوي بها إلى مصير قاس أوأن تتخذ قرارات خاطئة لو ازداد التشدد تجاهها فقد لاتحتمل الأمر فتهرب من البيت، أو تتزوج من صديق لها عرفيًا، أو تدخل في علاقات مع شباب على الإنترنت هربًا من واقع مرفوض لا تحبذ أن تجد نفسها فيه، كما أن الإفراط يؤدي إلى المصير ذاته، لذا يجب على الآباء الوقوف على نقطة متساوية بين الفكرتين.
تطور بيولوجي
في سياق متصل تقول دكتورة سامية الجندي، أستاذ علم الاجتماع في القاهرة: إن الفتاة تبدأ في محيط الأسرة كطفلة، تنعم بعبير الأهل، ورضاهم، قبل أن تدخل في صراع معهم فور أن تصبح ناضجة، ويشتد عودها، وتظهر الملامح الأنثوية عليها، فتصطدم بين رغباتها الشخصية وتشددات الأهل، ورغباتهم في فرض نوع من الحصار عليها أو على شقيقاتها معها لكبح جماحهن، في مجتمع غير مؤهل حتى عقب الثورة لتقبل المرأة بشكل كامل مثل العالم الخارجي كأوروبا وأميركا وبقية دول العالم المتقدم.
ويزيد الصدام، بعد ما تعلنه الفتاة في رغبة في الالتحاق بقسم ما في جامعة محددة أو كلية بعينها بل هي مختلفة، في الوقت الذي يملي عليها والداها رغبات أخرى، ثم يصل الصراع إلى ذروته فور أن يتم فرض "عريس" على الفتاة، قد تكون لا ترغبه في الأساس، ولا ترتضيه زوجًا لها، بل لا تريد أن تدخل عالم الزوجية قبل تحقيق طموحاتها وهنا يبدأ الحوار العنيف بينها وبين الأهل.. محذرة من أن فرض رأي الأهل عليها ما يولد في داخلها وجود شخصيتين، تؤثران في مستقبلها وأسرتها بشكل عام مستقبلا.
ويحدث كل ذلك في الوقت الذي يحذر فيه خبراء النفس أيضًا من التداعيات السلبية على الفتاة حال فرض حدود قاسية عليها من جانب الأهل؛ لإجبارها على تنفيذ رغباتهم .لافتين إلى أن ذلك من شأنه تهميش شخصيتها واسقاط رأيها، بما يؤثر مستقبلًا في شكل تعاملها مع أسرتها، والتي يُرجح أن تفرز أطفالاً يعانون من عُقد نفسية نالوا قسطا كبيرا منها من خلال والدتهم، التي فقدت الكثير من رغباتها وطموحاتها مجبرة وتريد أن تلقي بظلال حياتها على بناتها، على الرغم من اختلاف العصر وأدواته وطريقة التفكير وتأثيراتها.
اليمن.. طموح الأنثى تكبله قيود الواقع ويؤثر فيه التـدفق الإعلامي
تواجه الأسرة في اليمن معضلة كبيرة تتمثل فيما يريده الأبناء ومايرفضه الآباء خاصة فيما مايتعلق بالمستقبل وطموحاته، والحاضر وتحدياته ,والمجتمع وتحفظاته ,والشرع وتوجيهاته ,والأمر تحديدا يرتبط بالفتاة خاصة في مسألة الخيارات وفق طموح تأمل أن تحققه , ورغبة تتمنى أن تنجزها عبر مسارين هما الأهم في حياتها وتعتقد أن الكلمة فيهما لأبد أن تكون لها, وفي المقابل يطل الطرف الآخر الذي يحمل عصا الرفض ولتتحول القضية من اختيار إلى اختبار, ومن مشروعية إلى محدودية ,تكون الحلقة الأضعف فيها الفتاة التي يجب أن تلتزم بل وتنفذ ماتريده الأسرة , وليس ماتريده هي لأن الكلمة لأولي الأمر من منطلق كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
أحد أولياء الأمر واسمه وهيب الخامري ولديه ثلاث بنات وثلاثة أولاد يقول ان الواقع الاجتماعي والاقتصادي يؤثر أكثر من تأثير الأسرة على تحديد خيارات واتجاهات الفتاة اليمنية، فالمحيط الاجتماعي الذي تعيش فيه الأسرة تهيمن فيه ثقافة العيب وتنتشر التقولات عن الفتاة ، خاصة إذا ماكانت متحررة نسبياً من بعض القيود الاجتماعية التي فرضتها تلك التقاليد الاجتماعية والثقافة ،أيضاً كما يستطرد الخامري : الظروف الاقتصادية للأسرة اليمنية خاصة خلال السنوات الأخيرة تدهورت كثيرا ،واصبح الوضع الاقتصادي للأسرة هو الذي يفرض عليها تحديد اختيارات التخصص للفتاة .
وإذا ما أخذنا في الاعتبار الترابط الأسري في المجتمع اليمني فالفتاة هي كائن رقيق وعاطفي لها احاسيسها الجياشة تجاه أسرتها وغالباً ما تميل إلى اختيار التخصص الذي سيعود بالنفع على عائلتها ولذلك تكون طيعة منقادة لما تراه عائلتها طالما أن اختيارها سيحقق عائداً اقتصادياً لفائدة العائلة بغض النظر عن الآثار النفسية التي تنعكس على نفسيتها ، ولذلك فإنها تتحمل
كما أن الظروف لاتسمح لغالبية الأسر نقل الفتاة إلى مدن بعيدة للدراسة لأنها غير قادرة على توفير السكن اللائق والنقل ومصاريف المعيشة ، في الوقت الذي لاتوفر فيه الدولة المنشآت اللازمة لتأمين متطلبات الفتيات كالإيواء والمعيشة ولذلك فهذه الظروف تجبر الأسرة والفتاة على اختيار التخصص الأقرب والأقل كلفة .
لكن كما يرى الأستاذ عبدالعزيز البغدادي المحامي : لايجب أن تكون الأوضاع الاقتصادية سبباً لفرض الوالدين لرأيهما على الفتاة ، إنما يجب أن يتم مناقشة ذلك في جلسة حوار هادئة بلا تعصب ، أو إصدار أوامر أو قرارات آمرة ، كما أن تقدير المحيط الاجتماعي الذي تعيش فيه الأسرة لايجب أن يبالغ فيه إلى الحد الذي يؤدي إلى عدم تقدير الأنعكاسات النفسية على الفتاة لأن التقاليد الاجتماعية السائدة مازالت تنظر للمرأة بدونية تعتبرها كائناً ناقصاً غير قادر على تحديد خياراته .
وعموماً ليس في كل الأحوال يكون اختيار الآباء لتخصص الفتاة غير صائب ، بل ربما يكون أكثر فائدة خاصة إذا كانت الفتاة محدودة المعارف والثقافة ، أو واقعة تحت التأثير السطحي للتدفق الإعلامي الذي تتعرض له من الفضائيات والتي تدفع الفتاة إلى عدم الموازنة بين طموحها من جهة وبين الواقع والإمكانات المجتمعية والأسرية من جهة أخرى .
البحرين.. آراء متباينة حول تدخل الأسرة في رغبات البنات
تباينت آراء فتيات البحرين بين مؤيدة ومعارضة لتدخل الاهل في رغباتهن بتحقيق آمالهن وتطلعاتهن، من خلال تحديد مسار التخصص في الدراسة الجامعية او حتى في الموافقة على "فارس الاحلام" الذي ستعيش معه حياتها. الشابة عايشة حسن شويطر "23 سنة" قالت لا اعتقد ان الاصرار على تحديد مستقبلي يدخل في اطار وجوب طاعة الوالدين من عدمه، فالامر مختلف لان كل مرحلة من مراحل حياتي المستقبلية سوف اعيشها أنا وان كان للاهل وجهه نظر في ما يختص بخياراتي سأسعى الى اقناعهم بوجهه نظري وان لم يحدث ذلك فانا بصراحة عنيدة وما برأسي وانا مقتنعة فيه سأفعله.
انني افضل ان يكون لي كياني المستقل لأحقق طموحي وعندما اجد أهلي يضغطون علي بشأن مستقبلي العلمي او تحديد زوج المستقبل فسأشعر انهم يحاولون دفني، واعتقد ان قرار الرفض من جانبي سيكون حاضرا. واحمد الله ان عائلتي تجعلني دائما اتحمل مسؤولية نفسي وقراراتي لذا انشد مصلحتي دائما والاهل على عيني ورأسي.
من جانبها قالت جواهر عبدالله المناعي "28 سنة" وهي ولية امر لابنتين، دائما اعمل وفق قاعدة انا من اختار واحدد مصير حياتي ولذلك في دراستي اخترت التخصص الذي انوي دراسته ولم يضغط الاهل علي في شيء، كذلك في موضوع الزواج لكن اذا ما اصرت والدتي على عدم الموافقة على شخص تقدم لي وانا اريده وترى انه لا يصلح لي فانا اقف الى جانبها في قرارها فالزوج يتعوض لكن الام لا تعوض ابدا".
وبشكل عام فمن لا يحب شيئا من الصعب ان يفعله حتى لو فرض عليه. واعتقد ان زمن الاجبار ولى لأننا في زمن يقبل الرأي والرأي الآخر وفي ما يتعلق بابنتي فبالتأكيد سوف اتعامل معهن بديمقراطية وحرية معتدلة بشأن دراستهن. لكن في موضوع الزواج فاذا ما وجدتها تريد الزواج من شخص لا يصلح لها ابدا فسألجأ الى تخييرها بيني وبينه.
وفي السياق نفسه أوضحت منى علي المطوع أن مسألة إيجاد توازن بين طموحاتها المستقبلية ورغبات الاهل معادلة تختلف من بنت لاخرى حسب شخصيتها وأساس البيئة التي تتواجد فيها، فمن الممكن ان تمسك الفتاة التي لها طموح مستقبلي يتعارض مع رغبات الاهل، العصا من النصف؛ بالتمهيد لما تريده بذكاء وعلى مراحل. لكن عندما تركز الفتاة على الايجابيات التي من الممكن ان تعود عليهم هم ايضا من تحقيق طموحها وتجعلهم يشاركونها أحلامها فمؤكد وان لم يوافقوا سيتفهمون على الاقل رغباتها ويحترمونها. وفي مسألة الزواج فأعتقد ان نظرة الاهل قد تكون احيانا اعمق وافضل من الفتاة؛ لأنها تكون مشتتة بين الموافقة والرفض أكثر منهم بل لا تستطيع التفكير بمنطقية وعقلانية وبالتأكيد سيغلب في النهاية قرارها وخيارها.
هضم الحقوق
وأشارت أمل المرزوق إلى أن المجتمعات الخليجية والعربية بشكل عام تهضم حقوق الفتاة خاصة في اختياراتها، وعلى الفتاة التركيز في اختياراتها حتى لا تندم مستقبلاً. وفي كثير من الأحيان أسأل هل من حق الوالدين أن يمنعوا ابنتهم من دراسة التخصص الذي تريده والعمل في المجال الذي تريده؟
وهل يفضلون لها أن تكون خريجة عاطلة عن العمل لتجلس في المنزل؟ كذلك الحال بالنسبة للزواج، فإن كثيرا من الفتيات يتعرفن خلال دراساتهن الجامعية أو أثناء العمل على زملاء، وعندما يتقدم أحدهم للزواج يرفضه الأهل دون أسباب مقنعة، لذا معظم الفتيات أصبحن عانسات بسبب تعنت الأهل. نعم رضا الله من رضا الوالدين، الا ان بعض أولياء الأمور يهضمون حقوق بناتهم مع الأسف. وأعتقد ان من حق كل انسان اتخاذ القرارات المصيرية بنفسه مع منح الوالدين حق المشورة، التي يجب أن تكون دون تعنت أو رفض. عقوق الوالدين
تقول الأم بتول محمد باعتباري متزوجة ولي ابناء، فرأي أهلي لم يعد يهمني بقدر ما يهمني أمر اولادي، الذين لهم الأولوية في حياتي وقد تكون خياراتي وفق مصلحتهم، وقبل زواجي وانجابي لابنائي كنت احرص على عدم مخالفة اهلي فالام والاب لهم مكانة كبيرة في نفسي ولا استطيع مخالفة رغباتهما لان ذلك يدخل في باب عقوق الوالدين وعدم طاعتهما ولذلك فانا من البنات اللاتي يتوقف طموحهن بسبب رغبات اهلهن لأنني اذا ما خالفتهما فلن انام الليل.
وعندما طلبا مني الزواج رغم أن رغبتي اكمال دراستي تزوجت، والآن عندما أرى ابنائي وهم معي انسى كل احلامي الماضية. وأنا حريصة على تعويد ابنائي على الديمقراطية وحرية الاختيار في التخصص الدراسي، لكن عندما اشعر ان حياة ابنتي ستتدمر جراء اختيارها للزوج، فلن اتركها بل أذكرها بمصلحتها. واتمنى من كل الامهات ان يتركن الأبناء يختارون حياتهم وفق رغباتهم ليتحملوا المسؤولية.
الجزائر.. النساء حققن المهم وفشلن في الأهم
الفتاة الجزائرية قطعت أشواطا متقدمة جدا على المستوى الاجتماعي والعلمي خلال العقدين الماضيين، لكن ذلك كان على حساب أشياء ثمينة جدا من قبيل بناء أسرة وإنجاب أطفال، حيث أصبح تحقيق رقي اجتماعي لعشرات الآلاف منهن مرادفا لبقائهن وحيدات الى الأبد بعد ان فاتهن القطار. والكثير من الأسر أصبحت تغض الطرف عن فشل البنت في الزواج، تحت ضغط الحاجة المادية، وخاصة عندما تكون البنت مستعدة لتقاسم أعباء البيت المادية. هذا ما ذكرته المتخصصة في قضايا الأسرة فاطمة بن براهم.
في السياق نفسه قالت مفيدة إبراهيمي التي تعمل استاذة في جامعة الجزائر وتحضر لنيل شهادة الدكتوارة، عندما غادرت منطقة بني حواء بالقرب من ولاية (مقاطعة) شلف، سنة 1993 إلى العاصمة الجزائر لدراسة الفلسفة بالجامعة، كنت أعتقد أن الفرصة مواتية للهروب من جحيم الإرهاب الذي كنت اعيشه في منطقتنا والسعي لتحقيق الذات في العاصمة، وحلم العودة بزوج إلى العائلة بعد تخرجي من الجامعة أو حتى قبل ذلك. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقطار الحياة لا يتوقف، والزمن لا ينتظر ولا يلتفت إلى الوراء، فقد تجاوزت عقدي الرابع، والآن أعمل لتعويض فشلي في بناء أسرة بلا انغماس في البحث العلمي وحياة الجامعة.
نعم وجودي في العاصمة جعلني استغل حياتي، ولم أعد أزور مسقط رأسي في الشلف، هروبا من الإحساس بالألم الذي أحسه في عيون والدتي، كلما واجهتها بموضوع الزواج، والكثيرات من بنات جيلي هن ضحايا لأزمة أمنية أتت على الأخضر واليابس في تسعينات القرن الماضي، وهن اليوم يواجهن مصيرهن المحتوم بلا أزواج ولا أسر وينتظرن فقط نهاية حياتهن، والمحظوظة منهن من تجد رجلا يقبلها ولو زوجة ثانية أو تجد رجلا ترمل. من الصعب جدا علي وعلى مثيلاتي أن نجد زوجا في هذه السن المتقدمة بسبب التحولات الاجتماعية العميقة التي عرفها مجتمعنا خلال العشرين سنة الأخيرة كنتاج مباشر للحرب الأهلية، كما أن تحقيق الذات بالنسبة لحالتي مكلف جدا.
من جانبه كشف زيدوني عبدالحميد، المتخصص في علم الاجتماع بقسم الديمغرافيا بالديوان الوطني للإحصائيات، أن 55 في المئة من نساء الجزائر اللواتي بلغن سن الإنجاب يواجهن خطر العنوسة، وأن هناك 3.7 ملايين عانس تجاوزت أعمارهن سن الـ35 سنة، ما سيفقدهن المكانة التقليدية كزوجة وأم، في المرحلة المقبلة من حياتهن.
فالمرأة الجزائرية فقدت خلال الـعشرين سنة الماضية مكانتها التقليدية، فبعدما كانت تؤدي دورا واحدا يتمثل في الزواج والإنجاب، أصبحت تعمل على إثبات ذاتها في المجتمع من خلال التعليم والعمل، الأمر الذي اخر سن زواجها، ما أوقعها بين مطرقة التقاليد العائلية، وسندان الوضع النفسي الصعب بعد أن حققت المهم وخسرت الأهم، في إشارة إلى ما حققته اجتماعيا في مجالي العلم والعمل والاستقلال المادي، في مقابل الفشل في بناء أسرة.
ولاشك أن مخاوف الآباء من فقدان السيطرة على بناتهن له ما يبرره، فعندما نجد أن عدد حالات الزواج في الجزائر لم يتجاوز 310 آلاف حالة في المتوسط خلال ست سنوات، وإجمالي الفتيات اللواتي يصلن إلى "سوق الزواج" سنويا لا يقل عن 600 الف فتاة أعمارهن بين 19 و24 سنة لابد أن نندهش لذلك، ولا ننس أن الفقر أصبح أيضا من عوامل خروج الفتيات عن طاعة أوليائهن.
والكثير من أولي الأمر لم تعد لهم السيطرة على البنت المتعلمة بالقدر نفسه الذي كان لجيل سبعينات القرن الماضي، كما ان الوضع الاجتماعي المتدهور، وانهيار الطبقة الوسطى في مجتمعنا واستقلال البنت المتعلمة ماديا، زاد الظاهرة سوءا، رغم قانون الأحوال الشخصية لعام 2005 الذي أعطى تسهيلات قياسية للفتيات.
الجزائر- عبدالوهاب بوكروح أستاذ جامعي يمني: التمسك بالخيارات يقود للرفض وتفجر الصراعات
تميل الفتاة اليوم إلى خيارات قد تتعارض مع ما تريده اسرتها، فتصطدم تطلعاتها بالرفض ، خاصة إذا ما غابت لغة الحوار الهادي والنقاش الموضوعي داخل أروقة المنزل، ويعتبر الأمر بمثابة عصيان لأوامر الوالدين، وكل ذلك ربما يتبلور بصورة أخرى ويتطور ليتحول إلى مشكلة قد تهدد كيان العائلة، ويجعل الفتاة تفقد توازنها النفسي، بما يدفعها إلى التفكير للتصرف بشكل خاطئ أو تلجأ لاتخاذ قرار طائش ربما يصيب الأسرة في مقتل، وتكون عواقبه وخيمة لا ينفع معها الندم .
الدكتور صلاح المقطري الاستاذ بجامعة صنعاء في معرض رأيه حول القضية، يقول إن إصرار الفتاة على التمسك بخيارها ,لا يعد وسيلة لتحقيق غاية يقودها طموح، والرفض هنا لا يعني بالضرورة عدم طاعة الوالدين، فالانسان بشكل عام لديه طموحات كبيرة وكثيرة ويرغب في تحقيقها ليجد ذاته، وعدم الطاعة مفهوم سطحي.
حيث ان رفض رغبات الوالدين قد يكون فيه صالح للابناء بشكل عام، والمجتمع وثقافته هما من يصنعا هذا الشعور ويقوياه، خاصة عندما تكون طموحات الفتاة مغايرة لرغبات الآباء، الذين يودون فقط فرض وصايتهم بما يحملونه من ثقافة تم اكتسابها دون ادراك تبعاتها باعتبارها مفاهيم قد تكون خاطئة، فالتقاليد يجب ان تحمل رؤية مشبعة بالمثل والقيم والسلوك، لا مرتكزة على التعنت والتشبث بالرأي، وذلك التباين في الآراء الذي تتسع هوته يوما بعد يوما بسبب تطور اساليب الحياة وتعقيداتها والتأثيرات الداخلية والخارجية.
علما ان الواقع الجديد يفرض على الجيل الحالي ان يكون تفكيره وطموحه مختلفا عما يراه ويفكر به جيل الآباء، حتى لا يحدث الصدام ويعتبره الآباء أنه مجرد عصيان وتمرد وعدم انصياع لآرائهم وتنفيذ مطالبهم، بينما يراه الابناء حقا مشروعا لبناء مستقبلهم. وهذا لا يعني ان الطموح في بعض الاحيان يكون عصيانا للوالدين في حال كانت نظرتهم اكثر عمقا ووعيا من نظرة وتفكير بناتهم.
وعندما يتم فرض رغبات الاهل على اولادهم في قضيتي اختيار التخصص الدراسي وفي الزواج خاصة بالنسبة للفتيات، فإنه يحدث الصدام وتتسع الهوة بين الطرفين، لتصاب الابنة بالكآبة والاحباط ويتلبسها شعور بالانكسار، ربما ينعكس سلبا على أدائها الدراسي، وحياتها الأسرية ويصبح من النادر ان تعيش حياة سلمية وسوية، سواء في دراستها او حياتها الزوجية، او قد ينعكس ذلك بشكل سلبي لتتمرد الفتاة "سرا" ضد الكثير من قيم المجتمع، لأنها سوف تشعر بفقدان اللذة والاستمتاع بالحياة .
ويرى المقطري : أن الاسرة اليمنية تفضل ان تلتحق الفتاة "بمجال التعليم والتدريس " لمحدودية اختلاط الرجال مع النساء، ولإحساسهم بمثالية أجواء العمل في هذا المجال. وفي أحيان كثيرة فإن المحيط الوظيفي يغلب عليه الطابع النسوي، وهذا يرجع لطبيعة وثقافة المجتمع المحافظ والذي لايزال ينظر إلى ان الفتاة سهلة الانقياد والايقاع بها في براثن الخطأ وربما حبائل الخطيئة، ولا يزال هناك جدل قائم حول أهمية أو عدم اهمية العمل بالنسبة للمرأة. ويأتي ذلك على الرغم من ان بعض الاسر اليمنية انحنت مؤخرا لعاصفة التغيير وبدأت تتقبل عمل الفتيات في مجالات كثيرة يعمل فيها الرجل والمرأة معاً فيما كانت في السابق بمثابة خطوط حمر.






