فقاعات قطر الكروية

ت + ت - الحجم الطبيعي

باول جوزيف غوبلز كان وزير الدعاية في الحزب النازي الألماني في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وهو مؤسس علوم الرأي العام والدعاية، قاد الرأي الشعبي في ألمانيا بمجموعة أكاذيب وضلالات لحشد ميولهم العنصرية والدموية مع الزعيم الألماني أدولف هتلر، وخلق غوبلز، الذراع اليمنى للزعيم النازي، لدى العامة من المتلقين، قناعات من فقاعات دعائية لا أساس لها من الصحة، وكبر علم الدعاية «البروباغاندا»، وصارت دول تتبعه للتأثير في شعوبها سلبياً وجرّهم ناحية بعض الاستمالات في الاتجاهات الخاطئة، وهذا تماماً ما يفعله الإعلام القطري الرياضي في الفترة الماضية.

الحقيقة أن المتتبع لـ«الميديا» القطرية في الأمور المتعلقة بالرياضة سيجد مجموعة متكاملة من الأكاذيب والدعاية المبنية على فقاعات كذب وادعاء، وتنشرها جيوشهم الإلكترونية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، وبأسانيد وهمية أو على ألسنة ناس لم يقولوا شيئاً، فيصبح نفي الأكاذيب صعباً فيما بعد، بل إن البعض لن يصدق الحقائق من كثرة ما تعرض للأكاذيب المتلونة بلون الإقناع.

ومن أبرز الأكاذيب التي بدأتها صحيفة الوطن القطرية، ثم انتشرت انتشار النار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن «بي إن سبورتس» مدّت تعاقدها لنقل مباريات الدوري الإنجليزي والإيطالي والألماني والفرنسي حصرياً حتى 2022، وانتشر الخبر بسرعة جارفة، بين نشطاء التواصل الاجتماعي، سواء المأجور منهم أو التابع الساذج غير المدرك لحقيقة الكذبة، فالأمر الواقع والحقيقة أنه لا يوجد دوري في العالم يمدّ عقده خمسة مواسم كاملة، ولا أحد يمدّ عقداً هو ما يزال سارياً بالفعل ولم ينتهِ أو حتى يقترب من النهاية، كما أنه لا يوجد للموضوع أي أصل في أي موقع من المواقع ذات المصداقية الدولية، ولا يخرج الأمر عن «عنعنات» ماكينات الكذب القطرية.

وكذبة تجديد حقوق البث الحصري تتواكب مع جريمة سرقة البطائق الائتمانية لعملاء «بي إن سبورتس» وتجديد اشتراكهم عنوة بالسنوات، ليدل هذا التزامن على إدراك القناة التابعة لمجموعة الجزيرة القطرية أن نهاية احتكارها لكرة القدم في العالم قد قاربت، وهي القنوات التي تقوم على حصرية نقل البطولات الأبرز فقط، الأمر الذي جعلها تنشر الكذب، ثم تسطو على بطاقات الناس، للحصول على أكبر قدر من الأموال قبل أن تتكشف الحقيقة، وتنهار الشبكة بسقوط مؤسسيها رعاة الإرهاب.

كذبة «أبو ريدة»

ومن ضمن الأكاذيب التي وردت في الصحافة المحلية القطرية، والتي حاولت الجزيرة وبي إن نشرها قدر الإمكان، ما نشروه على لسان هاني أبو ريدة، رئيس اتحاد الكرة المصري، وعضو مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، والتي جاء فيها أن أبو ريدة يقول إن تحقيقات الاتحاد الدولي لكرة القدم ولجنة تقصي الحقائق نتائجها لا تؤثر في استضافة قطر لكأس العالم 2022، وقيل أيضاً على لسانه إن «فيفا» من المستحيل أن يسحب تنظيم مونديال 2022 من قطر لضيق الوقت وعدم وجود البديل الجاهز للاستضافة، وهي التصريحات التي لاقت جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت ردود عليها سواء من ناس طبيعيين أو من خلال اللجان الإلكترونية التي تنفق عليها الدولة الراعية للإرهاب الملايين، لنشر الأكاذيب.

وتوجهنا بالسؤال لهاني أبو ريدة الذي قال في تصريحات لـ«البيان الرياضي»: «كل ما نُسب إلي من تصريحات في الفترة الماضية عن قضية قطر واستضافتها لكأس العالم 2022 عارٍ من الصحة، لم أصرح ولم أتحدث لأحد سواء بالسلب أو الإيجاب عن تقرير غارسيا».

وكان تقرير المحقق الأميركي مايكل غارسيا قد أكد وجود فساد في عملية منح قطر شرف تنظيم بطولتي كأس عام 2018 و2022، كما أشار بأصابع الاتهام إلى العديد من الشخصيات القطرية التي دفعت رشى لمسؤولين وأصحاب قرار لتأييد التصويت لقطر.

وأوضح المصري هاني أبو ريدة أنه لم يتطرق خلال تعليقاته الودية لبعض المقربين منه في الوسط الإعلامي المصري عن تقرير مايكل غارسيا الذي تناقلته وسائل إعلام محلية وعالمية للحديث عن استضافة قطر بطولة كأس العالم 2022، وأكد أن ما نُسب إليه من التأكيد أن تقرير غارسيا الصادر في الساعات الماضية لن يؤثر في استضافة الدوحة البطولة يخالف الحقيقة والمنطق.

وأوضح أبو ريدة أنه لم يتحدث في هذا الشأن ولم يتطرق لهذه النقطة من الأساس، وأن تعليقه على تقرير مايكل غارسيا لم يتعرض من قريب أو بعيد لمدى تأثيره في مستقبل قرار إسناد تنظيم نهائيات كأس العالم 2022 في قطر سواء بالسلب أو الإيجاب، لأن ذلك من اختصاص مجلس فيفا الذي سيعرض عليه هذا التقرير، وبالتالي فإن كل الاحتمالات واردة، ولا يمكن تأكيد أو نفي أي منها.

وأضاف أبو ريدة أن تعليقاته كانت منصبة في البعد الأخلاقي الذي تناوله التقرير والنقاط التي تعرضت لشخصه خلاله، وهذا ما يعنيه، بينما كل التحريف الذي جاء على لسانه ليس له أي أساس من الصحة.

الدائرة تضيق

ويبدو أن دائرة الفساد التي نسجتها قطر في استضافة كأس العالم 2022 تضيق، حيث بدأت ردود الأفعال تتوالى من المتهمين بتلقي رشى لتسهيل حصول قطر على شرف استضافة كأس العالم 2022، وكلها ردود أفعال لا تنفي صحة التقرير والاتهامات، بل تؤكدها وتسعى للتشكيك فقط في قانونية الكشف عنها.

فقد جاء رد الألماني هانز يواخيم إيكرت والسويسري كورنيل بوربيلي، المديرين السابقين في لجنة القيم التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، على اتهامات الرئيس الحالي للاتحاد السويسري جياني انفانتينو لهما بتعمد إخفاء تقرير المحقق الأميركي مايكل غارسيا عن ادعاءات الفساد المتعلقة بمنح روسيا وقطر حق استضافة نسختي بطولة كأس العالم عامي 2018 و2022.

وقال المسؤولان السابقان في بيان لهما: «يجب أن نوضح أن إنفانتينو لم يلجأ إلينا حتى اليوم لطلب نشر التقرير».

ونشر الفيفا بشكل مفاجئ، الثلاثاء الماضي، التقرير المذكور كاملاً، وهو التقرير الذي أعده في 2014 كورنيل بوربيلي، باعتباره رئيس غرفة التحقيقات بالفيفا، مع المحقق الأميركي مايكل غارسيا، عن الجدل الدائر حول منح شرف استضافة بطولتي كأس العالم 2018 في روسيا 2022 في قطر.

واتجهت أصابع الاتهام، في بيان الفيفا الصادر عن هذا الموضوع نحو إيكرت وبوربيلي، اللذين تركا منصبهما في مايو الماضي بناءً على رغبة إنفانتينو، حيث تم اعتبارهما مسؤولين عن عدم نشر التقرير.

وقال «فيفا» في بيانه: «رئيس الفيفا، جياني إنفانتينو طالب في الماضي وفي مناسبات عدة بنشر التقرير».

وأشار إيكرت وبوربيلي، في بيانهما المشترك، إلى أن نشر التقرير يتعارض مع لوائح الفيفا وقوانينها.

وأضاف المسؤولان السابقان في البيان: «المادة 36 من لائحة القيم الخاصة بالفيفا تجبر أعضاء لجنة القيم على الصمت وعدم نشر معلومات قد تم اللجوء إليها خلال سريان التحقيق في قضية معينة، على جانب آخر يجب حماية الحقوق الشخصية للأطراف المذكورة في التقرير».

وإضافة إلى ذلك، أوضح المحققان السابقان أنه طبقاً لإحدى قرارات اللجنة التنفيذية للفيفا في 2014، لا يحق لإيكرت، الذي كان يشغل منصب رئيس الغرفة القضائية بلجنة القيم، أن يتخذ أي قرار في نشر التقرير قبل أن تنتهي جميع الإجراءات الخاصة بهذا الموضوع، بما فيها القضايا المنظورة أمام المحكمة الدولية للتحكيم الرياضي «كاس»، وهو الفرض الذي لم يكن محققاً في ذلك الوقت.

صفقة تيكسيرا

أما ريكاردو تيكسيرا، الرئيس السابق للاتحاد البرازيلي لكرة القدم، فقد وصف تقرير المحقق الأميركي مايكل غارسيا عن ادعاءات وجود فساد في عملية منح روسيا وقطر شرف تنظيم بطولتي كأس عام 2018 و2022 بأنه «ليس حاسماً».

وكان تقرير غارسيا قد أشار إلى احتمالات تلقي تيكسيرا رشى مالية، من أجل التصويت لمصلحة الملف القطري لاستضافة مونديال 2022.

ولم ينفِ تيكسيرا الاتهامات بشكل قاطع، وإنما قال في تصريحات لصحيفة «فوليا دي ساو باولو»: «إنه ليس حاسماً، هو يقدم شبهات وحسب».

واعترف تيكسيرا، الذي ترأس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم في الفترة ما بين عامي 1989 و2012، بأن التصويت لمصلحة قطر جاء في إطار اتفاق بين المسؤولين في أميركا الجنوبية، مقابل تصويت الدولة الخليجية لمصلحة ملف إسبانيا والبرتغال لاستضافة مونديال 2018.

وأضاف المسؤول البرازيلي السابق، الذي اعترف بأنه لم يقرأ تقرير غارسيا الذي تجاوز الـ400 صفحة، قائلاً: «بموجب الاتفاق، توجه قطر أصوات المقربين لها لمصلحة ملف إسبانيا والبرتغال، الذي جاء في المركز الثاني، مقابل أن نصوّت نحن لمصلحة قطر، نعم كانت هناك صفقة، لكن لم تكن هناك أموال».

وسلّط تقرير غارسيا الضوء مرة أخرى على المباراة الودية التي جمعت بين المنتخبين البرازيلي والأرجنتيني في 17 نوفمبر 2010 في قطر، قبل أسابيع قليلة من فوز الأخيرة بشرف استضافة مونديال 2022.

وبسؤاله عن تلك المباراة، أوضح تيكسيرا أن الأموال التي تلقاها (لمصلحة الاتحاد البرازيلي لكرة القدم) مقابل إقامة هذه المباراة في الدوحة قانونية.

وتخضع ملابسات المباراة المذكورة للتحقيق من قبل القضاء السويسري، الذي يشتبه في أنها كانت طريقاً لتمرير بعض الرشى المالية مقابل التصويت لمصلحة الملف القطري.

ورفض تيكسيرا أيضاً اتهامات القضاء الإسباني، الذي يحقق معه بسبب جريمة تلقي رشوة مالية محتملة تقدر بـ17 مليون دولار تقاسمها مع الرئيس السابق لنادي برشلونة الإسباني، ساندرو روسيل، مقابل التنازل عن حقوق المباريات الخاصة بالمنتخب البرازيلي.

ونفى تيكسيرا، الذي يخضع للتحقيق معه أيضاً في الولايات المتحدة الأميركية من قبل الشرطة الفيدرالية، أنه توصل إلى اتفاق مع القضاء الأميركي بالتعاون معه، مقابل تقليص مدة العقوبة المفروضة عليه، بمناسبة القضايا التي يحاكم فيها هناك كما فعل مسؤولون آخرون في أميركا الجنوبية.

Email