الدوحة دعمت بشكل ممنهج الانقضاض على «الجيش الحر» عبر «جبهة النصرة»

الثورة السورية ضحية جرائم النظام والدعم القطري للفـصائل الإرهابية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زالت سيرة «الثورة السورية» واقعة تحت تأثير «المسموح» و«المحظور» إعلامياً رغم وضوح التحولات الكبيرة. ففي بدايات لجوء السوريين إلى حمل السلاح من أجل حماية التظاهرات السلمية من جرائم النظام السوري بدأت تتشكل صورة نمطية دعمتها قطر بشكل علني، وهي الكتائب المقاتلة ذات التوجهات الدينية.

وبذلك اضطر القسم الأكبر من العسكريين المنشقين عن النظام السوري إلى ترديد الشعارات المتطرفة بشكل ظاهري من أجل ضمان الدعم القطري إعلامياً عبر قناة «الجزيرة» ومالياً عبر وكلاء على الحدود السورية التركية مطلع عام 2012.

من الوقائع غير المروية في الثورة السورية أنه حدث صراع وتنافس بين عامي 2012 و2013 بين الفصائل العلمانية والمعتدلة من جهة والفصائل الإسلامية المتطرفة من جهة أخرى. ائتلف المعتدلون في «الجيش السوري الحر» فيما فرز المتطرفون أنفسهم إلى جماعات منفصلة، مثل أحرار الشام وجبهة النصرة وجند الأقصى، وهي فصائل إرهابية.

في فترات معينة كانت الفصائل المتطرفة تحتمي بمسمى «الجيش الحر»، وهي كانت خطة مدبرة بحسب معارضين سوريين رفضوا الكشف عن هوياتهم نظراً لوجود ارتباطات متبقية لهم مع جهات قطرية.

وبحسب هؤلاء، فإن الخطة كانت تقضي بتحويل الجيش السوري الحر إلى جيش إسلامي متطرف، فتم استهداف القيادات المعتدلة فيه، أو إبعادهم عن قيادة العمليات، ولاحقاً باتت الفصائل المتبقية على نهجها المعتدل عرضة لهجمات المتطرفين، مع كيل اتهامات تشويهية قاتلة مثل اتهام المعتدلين بموالاة الدول الغربية، وهي تهمة تشرعن قتلهم في مناطق المتطرفين.

ويسرد معارض سوري الفشل الرهيب الذي واجهته الثورة السورية بخطة قطرية مدبرة لم يحصد نتائجها سوى النظام، فهي فتحت التمويل على المتطرفين الذين كانوا يسافرون إلى الدوحة أو يلتقون في تركيا، ومن ثم قامت الفصائل المتطرفة بفرض حصار على المعتدلين، وخيرتهم بين حل التشكيلات العسكرية المعتدلة والرحيل أو الانضمام إلى هذه الفصائل، وعلى رأسها أحرار الشام و«فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا).

ويروي مصدر آخر، وكان أحد الوجوه البارزة في المعارضة السورية، أن «ما قامت به قطر جريمة بحق ثورة الشعب السوري، فمع حلول عام 2014 باتت رواية النظام السوري التي كانت محل سخرية هي الرواية التي تتحقق للأسف الشديد».

ويضيف: «كان النظام السوري يتحدث منذ الأول للمظاهرات السلمية في عام 2011 بوجود مسلحين وإرهابيين يحتمون بالمتظاهرين، وأن الخطة هي تحويل سوريا إلى دويلات إرهابية.

كان هذا الكلام محل سخرية ومادة دسمة للتهكم إعلاميا وظهرت برامج تلفزيونية تعتمد على تصريحات مسؤولي النظام الذين يكذبون بطريقة وقحة». وأردف: «مع الأسف نحن الآن في عام 2017.. وكل أكاذيب النظام تحولت إلى حقيقة بخصوص هوية الذين يقاتلونه. ومنذ عام 2015 بدأت رواية المعارضة السورية بخصوص طبيعة الفصائل المقاتلة تتحول إلى مادة للسخرية والانفصال عن الواقع».

وأكد أن الثورة السورية التي بنيت على دماء وأشلاء المتظاهرين السلميين ولاحقاً تضحيات العسكريين المنشقين تم نسفها لصالح تشكيلات إرهابية تم تمويلها منذ البداية من دولة قطر، وعلى رأسها جبهة النصرة التي أعادت مناطق المعارضة إلى القرون الوسطى.

تغيير ديمغرافي

وحسب محللين، يأتي ذلك في إطار مساعي الدوحة لإيجاد موطئ قدم في الساحة الإقليمية وأن تكون لها كلمة مسموعة في الملفات والأزمات الراهنة. بينما على الجانب الآخر يدفع الشعب السوري ضريبة ذلك الدور، الذي كان أحد أوجه تأثيره السلبي المباشر اتفاق «المدن الأربعة» الشهير، الذي سعت الدوحة من خلاله إلى تحقيق مصالحها في الإفراج عن الصيادين المختطفين في العراق، بينما تكبدت سوريا في ذلك الصدد تغييرا ديمغرافيا وصف بالخطير.

يشير عضو الوفد التفاوضي السوري في جنيف ممثل منصة القاهرة فراس الخالدي، إلى أن هنالك تدخلات سلبية لقطر في الملف السوري، تجلت تلك التدخلات في العملية الأخيرة التي تم بناءً عليها الإفراج عن 25 صيادا قطريا، وهي عملية اتفاق «المدن الأربعة» والذي يؤدي إلى تغيير ديمغرافي كبير وخطير في سوريا يقوي شوكة حزب الله اللبناني وإيران، وربما يؤثر في إطالة أمد الصراع في سوريا بشكل عام. وقال إن قطر تجمعها علاقات واضحة مع جبهة النصرة (جبهة فتح الشام) حتى أن اتفاق المدن الأربعة وافق عليه زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني.

ونوه في تصريح لـ«البيان» أن «قطر تحاول أن تلعب دورا سياسيا في الملفات الإقليمية، وأن تقول»أنا موجودة ولي ثقل«، لكن ذلك الدور بكل أسف هو دور سلبي، فبدلا من أن تقدم تلك الأموال الطائلة إلى دعم التعليم وبناء المستشفيات في البلدان العربية التي تحتاج ذلك على سبيل المثال أو في أي مجال تنموي راحت تدعم وتمول الحوثيين في اليمن وجبهة النصرة في سوريا».

علاقات وطيدة

ويقول المعارض والمحلل السياسي السوري الدكتور أنور المشرف، إن قطر لعبت دورا واضحا في سوريا في دعم وتمويل الجماعات الإرهابية والمسلحة، وعلى رأسها جبهة النصرة (جبهة فتح الشام) والتي تظهر قياداتها عبر شاشة قناة الجزيرة التي كانت أول من يظهر من خلالها قائد الجبهة أبو محمد الجولاني، كما أن الدوحة تمول وتدعم حركة أحرار الشام في سوريا.

ويفيد عضو مؤتمر القاهرة لأطراف المعارضة السورية، بأن قطر لديها اتصالات وعلاقات وطيدة مع الجماعات المسلحة والإرهابية في سوريا، وظهر ذلك جليا في العديد من صفقات الإفراج عن المعتقلين أو المختطفين مثل دور الوساطة الذي لعبته للإفراج عن الراهبات المختطفات من دير مار تقلا في مدينة معلولا بسوريا في العام 2014 والاتصالات التي أجريت مع جبهة النصرة حينها، بما يكشف علاقات معمقة وقوية بين الدوحة وتنظيم القاعدة.

ومؤخرا أيضا لعبت قطر دور الوسيط في اتفاق كفريا والفوعة (اتفاق المدن الأربعة) وكان ذلك مقابل الإفراج عن المختطفين القطريين في العراق، بما يكشف أيضا ارتباط قطر بالإرهابيين والعلاقات الوطيدة بينهما.

وشدد المشرف في تصريح لـ«البيان» على أن الدوحة مؤخرا عقب التصريحات التي أدلى بها الأمير تميم بن حمد آل ثاني أخذت صفعة من المفترض أن تكون قد أفاقتها، و«على قطر أن تعيد حساباتها من جديد، وإلا فسوف تصبح بشكل رسمي دولة داعمة للإرهاب.. وعليها أن تكف عن دعمها للجماعات الإرهابية بالمال والسلاح». مشددا على أن الدور القطري «مخرب» في كل من مصر وسوريا ودول أخرى، وتعمل على زعزعة صف العرب والخليج.

ويوضح المشرف أنه بينما الدول العربية - لاسيما مصر والسعودية والإمارات - تتكاتف الآن وتتوافق حول الملف السوري وصار هنالك إيمان بوجهة النظر المصرية الخاصة بأنه لا حل سوى الحل السياسي للأزمة السورية، فإن قطر تواصل دعمها للجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة في سوريا، ورغم مشاركة جماعات مسلحة في لقاءات الأستانة فإن «أحرار الشام» لم تشارك؛ لأنها «لم تأتها التعليمات من الدوحة التي تمارس دورا تخريبيا في سوريا».

توظيف الإرهاب

يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي في تصريح لـ«البيان» إن دولة قطر تعمل على دعم ومساندة كل الجماعات الإرهابية المسلحة في المنطقة وتوظيفها، وهو أمر مُحقق في سوريا بصورة واضحة، مستدلا بالعلاقة الوطيدة التي تجمع الدوحة بجبهة النصرة، وقال إن قطر هي السبب وراء قيام جبهة النصرة بتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام».

ويلفت فرغلي إلى حرص قناة الجزيرة القطرية على تقديم قيادات جبهة النصرة، حتى أن «أبو محمد الجولاني» قد ظهر في ثلاثة لقاءات على القناة ذاتها. مشددا على أن قطر تدعم الجماعات الموجودة في سوريا بالسلاح والعتاد والمال، وتستخدمها في الصراع، ولا تجد أفضل من الإسلاميين بالنسبة لهم لتحقيق ذلك، وبالتالي هي تستخدمهم في سوريا كما تستخدمهم في مصر.

ويعتبر فرغلي أن اتفاق «المدن الأربعة» الذي يؤدي لتغيير ديمغرافية سوريا هو جزء من المشروع القطري ف ي المنطقة، قائلًا «قطر جزء من مشروع تغيير ديمغرافية الوطن العربي كله، وتلك الخطوات في سوريا تخدم أهدافها الخاصة في ذلك الإطار».

«الجزيــرة».. تاريـــخ مـــن الإســــــاءة للبحـريــــــن وتزييف الحقائق

حاولت قناة «الجزيرة» القطرية مراراً ومنذ تأسيسها منتصف التسعينات، النيل من سمعة البحرين وتشويه صورتها في المجتمع الدولي، وهو ما حد وزير الإعلام البحريني السابق نبيل الحمر بوصف القناة بــ«بذرة الشيطان».

ومنع مراسلو القناة - لأول مرة - من العمل في البحرين في 10 مايو 2002 وبتعليمات من وزارة الإعلام البحرينية، حيث قال نبيل الحمر إن المحطة منحازة لإسرائيل ضد البحرين، وبعد التحسن في العلاقات ما بين الجارتين في 2004، عاد مراسلو القناة مجدداً إلى المنامة.

وتكرر السيناريو مجدداً حين نشرت وكالة الأنباء البحرينية على موقعها الإلكتروني العام 2010، خبر إقدام الحكومة على تجميد نشاط مكتب القناة بصفة مؤقتة، واستمرار «التجميد إلى حين الاتفاق على مذكرة تفاهم تحدد العلاقة بين الوزارة البحرينية والقناة القطرية، بما يحفظ حقوق الطرفين وفق مبدأ المعاملة بالمثل في ممارسة العمل الصحافي والإعلامي في البلدين».

وفي عام 2011 تم منع مراسلي «الجزيرة» الناطقة بالعربية والانجليزية من الدخول بعد محاولة الانقلاب الإيراني الذي قادته جماعات محلية ضد الحكومة البحرينية، وزاد التوتر بين «الجزيرة» والبحرين بعد إنتاجها لفيلم «صراخ في الظلام»، وحدث حينها تراشق عنيف بين الصحف البحرينية والقطرية.

ويبدأ الفيلم الذي أنتجته قناتها الانجليزية في 4 أغسطس 2011 وروجت له عالمياً، بعبارة «هذه هي الثورة العربية التي تخلى عنها العرب، والتي نبذها الغرب، ونساها العالم».

وأصدر حينها وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة تغريدة بحسابه بتويتر قال فيها: «من الواضح أن في قطر هناك من لا يريد خيراً للبحرين، وما الفيلم المكيف في الجزيرة إلا خير مثال على العداء الغير مفهوم».

دور سوداوي

ومن اللافت هنا، بأن دور القناة القطرية أثناء تغطيتها لأحداث 2011 في البحرين كان سوداوياً بامتياز، حيث جهدت القناة ومن خلال تقارير يومية خصصت للبحرين لمحاولة إضفاء الشرعية على ما يجري من أعمال عنف وقتل في الشوارع، بأنه ثورة تمثل إرادة البحرينيين نحو الحرية والتغيير وبناء مستقبل جديد.

كما منعت البحرين طاقم قناة الجزيرة من تغطية فعاليات القمة الخليجية الأخيرة والتي استضافتها العاصمة البحرينية المنامة بديسمبر الماضي، وهي القمة التي حضرتها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ولم يذكر أسباب المنع.

Email