16 عاماً على انطلاق شرارتها باقتحام شارون لـ»الأقصى«

«الانتفاضة» حلقة في مسلسل نضالي طويل

■ باحات المسجد الأقصى وقبة الصخرة شهدت أعنف المواجهات مع الاحتلال | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُصادف اليوم الثامن والعشرين من سبتمبر الذكرى الـسادسة عشرة لانتفاضة الأقصى التي أشعل شرارتها اقتحام أرئيل شارون للمسجد الأقصى المبارك، ثم تبعها إطلاق قوات الاحتلال النار على المصلين الفلسطينيين في باحة المسجد، وهم سجود، حيث استشهد منهم سبعة وجرح قرابة الثلاثمئة.

لم يكن اقتحام شارون لـ«الأقصى» سبباً لاندلاع الانتفاضة الثانية، بقدر ما كان ذروة تراكمات كمّية تبعها تغير نوعي وفق منطق التطور. فشارون الذي سبق له أن استولى على منزل فلسطيني في القدس لم يكتشف فجأة أن هناك أسطورة صهيونية اسمها «الهيكل» لكي تلمع في رأسه على حين غرة فكرة اقتحام «الأقصى».

عرفات يرفض

في قمة كامب ديفيد الثانية التي عقدت في يوليو 2000، رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات العروض الإسرائيلية التي كانت تتمحور حول حالة تشبه تحويل الحل الانتقالي إلى نهائي، فلا دولة فلسطينية عاصمتها القدس ولا إزالة استيطان ولا إطلاق سراح أسرى، ولا اعتراف بقضية اللاجئين، وفي الوقت ذاته طالب باراك بأن يوقّع الرئيس الفلسطيني الراحل على وثيقة إنهاء الصراع. ولم يخرج موقف «الوسيط» الأميركي عن المواقف الإسرائيلية، بل إنه بلغ ذروة الانحياز لإسرائيل حين عقد كلينتون مؤتمرا بعد فشل القمة التي استمرت أسبوعين، حمّل فيه الجانب الفلسطيني مسؤولية الفشل، ما شكّل ضوءاً أخضر لجيش الاحتلال الذي كان قبل القمة يجري تدريبات «حقل الأشواك»، من أجل قمع إرادة الشعب الفلسطيني في محاولة لفرض الحل الإسرائيلي عليه بالقوة العسكرية.

وليس أدل على ذلك من قول أحد قادة الاحتلال إنه «لا يكفي أن نفرض الهزيمة على الفلسطينيين بل يجب أن نفرض عليهم الاعتراف بهزيمتهم».

لذلك كان واضحاً أن الزيارة العدوانية التي قام بها شارون للمسجد الأقصى جاءت ضمن سياق ذلك المنحنى المتصاعد للعدوانية الإسرائيلية، كما أن القول إن تلك «الزيارة» تمت بتواطؤ بينه وبين باراك، من أجل خلق ذريعة لحملة القمع الدموي التي قوبلت بانتفاضة عارمة أهم ما ميّزها من جانب الاحتلال ظاهرة انتقاء الأطفال لاصطيادهم بالرصاص، حيث سقط في تلك الانتفاضة 4412 شهيداً فلسطينياً و48322 جريحاً.

محمد الدرة

إذا ما عدنا لفتح صفحات الانتفاضة الثانية فإننا لا نستطيع إلا أن نقف عند مشهد هز العالم كلّه، وكان بطله الأول الطفل محمد الدرة، والثاني والده الذي كان يحميه بجسده، والثالث المصور عبدالله أبو رحمة الذي تمكّن خلسة من تصوير المشهد لقناة تلفزيونية فرنسية. فبعد يومين من اقتحام شارون للأقصى، وتحديداً يوم 30 سبتمبر 2000، وقف العالم مشدوهاً أمام مشاهد إعدام حية للطفل ابن الـ 11 عاماً، والذي كان يحتمي إلى جوار أبيه ببرميل إسمنتي في شارع صلاح الدين جنوبي مدينة غزة. شاهد العالم كلّه كيف أصر جنود الاحتلال على إمطار جسد الطفل بالرصاص، غير مكترثين بصرخات الشباب «مات الولد مات الولد». من الصعب أن تغيب عن مخيلة أي إنسان تلك المشاهد، رغم المحاولة السخيفة الفاشلة والدنيئة التي قامت بها مواقع إعلامية إسرائيلية، حيث أظهرت الطفل وكأنه يهودي قتله فلسطينيون!.

بالمقابل ساهمت تلك الجريمة في تأجيج غضب الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس والمناطق المحتلة عام 1948 التي انتفضت وقدّمت ثلاثة عشر شهيداً وعشرات الجرحى خلال ثلاثة أيام.

وإذا كان الدرة حظي بتصوير حي، فإن الرضيعة ايمان مصطفى حجو ابنة الأربعة شهور لم تتح لها تلك «الحظوة» حين قتلتها قذائف الاحتلال في غزة في 9 مايو عام 2001، والطفل ضياء الطميزي الذي استشهد في الخليل في 21 يوليو عام 2001، وقبلهم الشهيد الطفل فارس عودة صاحب الصورة الشهيرة لفتى يحمل حجراً أمام دبابة ميركافاه إسرائيلية تبعد عنه أقل من مترين.

مسلسل اغتيالات

وفي تصعيد نوعي غير مسبوق بمستواه أقدمت إسرائيل على اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى في 27 أغسطس 2001، حين كان يجلس بمكتبه في رام الله، الأمر الذي دفع الجبهة الشعبية للرد بعد أربعين يوماً بتصفية وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في 17 أكتوبر 2001، وما زال الأمين العام البديل أحمد سعدات يقضي حكماً بالسجن المؤبد في سجون الاحتلال على خلفية ذلك الرد.

كما اغتال جيش الاحتلال عدداً من قيادات الصف الأول في الساحة الفلسطينية، مثل صلاح شحادة في 23 يوليو 2002، إسماعيل أبو شنب في21 أغسطس 2003، ومؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين 22 مارس 2004، وعبدالعزيز الرنتيسي 17 أبريل 2004، والرئيس ياسر عرفات الذي استشهد في 11 نوفمبر 2004، ويتّهم الفلسطينيون، وحتى بعض الإسرائيليين، الموساد الإسرائيلي بقتله عن طريق السم، ولا يزال ملفه مفتوحاً ولم يغلق.

يجتاز الفلسطينيون ذكرى الانتفاضة الثانية وهم يخوضون انتفاضة ثالثة، مع التذكير بأن الانتفاضات الثلاث ليست هي كل الانتفاضات الفلسطينية، إنما هو تاريخ لمرحلة حديثة تنامى فيها صوت دولي يدعو لحل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي عنوانه «حل الدولتين». وقد بات جلياً بعد كل هذه السنوات أن إسرائيل كانت مهمتها فقط إجهاض كل محاولة للبحث عن حل سياسي، حتى وإن كان مجحفاً (بلغة الدبلوماسيين).

هذه التجارب المتلاحقة تدفع الكثير من الفلسطينيين للدعوة إلى التخلي عن نهج التفاوض، أو كما قال القيادي الاسير مروان البرغوثي الذي كان له دور بارز في قيادة الانتفاضة الثانية «إننا جربنا المقاومة بلا تفاوض وجربنا التفاوض بلا مقاومة، فلنجربهما معاً»، ما يعني أن الانتفاضات الفلسطينية حلقات في مسلسل نضالي مستمر حتى نيل الشعب الفلسطيني حريته الكاملة.

انتهاك

أكد الباحث محمد عطا الله أن الأطفال الفلسطينيين يتعرضون لعمليات اعتقال مستمرة من قبل قوات الاحتلال الصهيوني في انتهاك واضح وصارخ لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الشأن، حيث اعتقلت قوات الاحتلال الصهيونية آلاف الأطفال الفلسطينيين منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، وزادت وتيرة هذه الاعتقالات عام 2014 بعد خطف وحرق الطفل المقدسي محمد أبو خضير.

Email