تقارير البيان

جوار إسرائيلي إيراني آمن في أرخبيل دهلك

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشرت وسائل الإعلام، أن إيران نقلت عناصر من حزب الله اللبناني إلى اليمن، للمشاركة في معارك الانقلابيين الحوثيين، وأوضحت تلك المصادر، أن جانباً من عملية النقل جرت عبر جزر تستأجرها إيران في البحر الأحمر قبالة السواحل اليمنية، وأن طهران اضطرت للاستعانة بميلشيات حزب الله، بعد أن واجهت عناصر من الحرس الثوري الإيراني، صعوبات في العمل باليمن. فما هي هذه الجزر المستأجرة، وممن استؤجرت؟

دهلك وعصب

تملك دولة إريتريا 126 جزيرة، تمتد على طول ساحلها المطل على البحر الأحمر، ولكنها نظراً لظروفها الاقتصادية المتواضعة، عمدت إلى تأجير بعضها، خاصة جزر (أرخبيل دَهْلَك)، حيث استأجرت إسرائيل ثلاثاً منها، هي «ديسي، ودهول، وشومي»، ونسبة لضخامة عدد الجزر، وحاجة هذه الدولة الأفريقية المستقلة حديثاً عن إثيوبيا، فلم تكن مصادفة أيضاً أن تستأجر إيران جزيرتين مجاورتين لهذا الأرخبيل، هما جزيرتا «فاطمة ونهلقه» على خليج ميناء عصب الإريتري.

وجاء توقيع إيجار هذه الجزر ذات المواقع الاستراتيجية، من خلال زيارات «تسويقية» قام بها رئيس جمهورية إريتريا أسياس افورقي، الذي كانت زيارته الأولى لإسرائيل سرية، لغرض العلاج في نوفمبر عام 1995، وتم من خلالها التوقيع على اتفاقات ثنائية عديدة، أهمها دخول أريتريا ضمن فصول الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية في البحر الأحمر..

وعلى أثر ذلك، تم إنشاء برج مراقبة بحري ذي مدى بعيد، ليشرف على حركة الملاحة في البحر الأحمر من مضايق تيران حتى باب المندب، وتم استيطان (1000 إسرائيلي أفريقي من يهود الفلاشا)، ليعملوا في المزارع المقامة للتمويه على الغرض العسكري لها.

وقدمت حكومة إسرائيل، بالمقابل، عدداً من الزوارق الحربية السريعة المزودة بالصواريخ متوسطة المدى، مع زرع منظومة رادار بحري وبطارية صواريخ آلية «جبراييل»، بإشراف مجموعة تدريب إسرائيلية، تقدم خبراتها للقوات البحرية الإريترية.

وفي 20 مايو عام 2009 م، زار الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، طهران، تلبية لدعوة من رصيفه الإيراني آنئذ أحمدي نجاد، وتمخضت الزيارة عن نتائج هامة لكلا البلدين، في مقدمها، اتفاقية «ثقافية» وعلمية، مع مذكرة تفاهم لتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية، وتفعيل حركة التبادل التجاري بين البلدين..

واحتل الجانب العسكري حيزاً كبيراً في مباحثات الطرفين، حيث تمت الموافقة الإريترية على السماح لإيران ببناء قاعدة بحرية تطل على باب المندب في ميناء «عصب»، ومعسكرات لتدريب المتمردين الحوثيين، بعد تسهيل وصولهم من اليمن عن طريق «ميناء ميدي» اليمني، وعقد دورات تدريبية لهم، بإشراف خبراء من الحرس الثوري..

وفيلق القدس الإيراني، نظير تقديم بترول بأسعار رمزية لدولة إرتيريا، والمشاركة في التنقيب لاستخراج الذهب الذي اكتشف هناك بكميات كبيرة في الجبال المجاورة للحدود الإثيوبية، علاوة على منح مالية خاصة لنظام أفورقي.

ملتقى الأعداء

وبما أن إسرائيل قد سبقت إلى هناك، حيث استأجرت بعض جزر أرخبيل دهلك، ووظفتها لخدمة مصالحها العسكرية والاقتصادية المرتبطة بالسفن التجارية وتربية الحيوانات واستخراج الغاز، فإن إيران تلتحق بها في ذلك الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، قريباً من باب المندب، بمعنى أن أهدافهما باتت متطابقة، ما دام من الصعب اعتبارها مشتركة، على الصعد الاستراتيجية والجيوسياسية..

وتصب كلها في إطار السيطرة على مواقع مهمة وذات ميزة عسكرية في مياه البحر الأحمر القريبة من القرن الأفريقي ومنفذ باب المندب. إيران استأجرت لنفسها جزيرة فاطمة، لتقوم فيها بتدريب العناصر الحوثية التي يراد لها أن تهيمن على اليمن، وتشكل شوكة في خاصرة المملكة العربية السعودية والوطن العربي. يؤكد ذلك الزعم، تقرير نشره موقع معهد «ستراتفور» الأميركي للتنبؤات الاستراتيجية..

حيث يتبين أن إسرائيل ليست وحدها التي تملك القواعد في إريتريا، بل إن إيران تحتفظ هي الأخرى بوجود عسكري في الميناء الجنوبي لإرتيريا، وأضاف، فبالتوازي مع علاقاتها مع إسرائيل، تقيم إريتريا علاقات طيبة مع إيران.

ولطهران مصلحة حقيقية في الوجود في هذه المنطقة من أفريقيا. ويعود السبب الأساس في ذلك، إلى رغبتها في السيطرة على مضيق باب المندب، والخط البحري نحو قناة السويس. وفي عام 2008، وقعت طهران على اتفاق مع إريتريا، بموجبه تحتفظ بقوة عسكرية في عصب.

صراع الجارتين بعيداً عنهما

في نهاية 2012، نشر موقع «عربيل» الإلكتروني (صوت إسرائيل والتلفزيون الإسرائيلي)، معلومات مفادها أن الطائرات المعتدية على المجمع، انطلقت من القاعدة العسكرية الإسرائيلية في جزيرة دهلك في البحر الأحمر. وقد تم شحن هذه الطائرات مطلع أغسطس 2012، بواسطة سفينة حربية من إسرائيل إلى القاعدة الإسرائيلية في جزيرة دهلك.

ولا تزال هذه الطائرات مرابطة في جزيرة دهلك، وإذا علمنا أن مصنع اليرموك الواقع جنوب الخرطوم، هو مجسدات العلاقة العسكرية الإيرانية السودانية، وإذا علمنا أن إمدادات الأسلحة الإيرانية لحركة حماس في غزة، تمر عبر الأراضي السودانية، بحسب ما أكدته التقارير المتواترة، أرسلت من إيران لتمر بقواعدها في جزر خليج عصب على مقربة من قاعدة إسرائيل هناك..

فسنعلم أن الدولتين المتجاورتين بامتداداتهما على ساحل إريتريا، لا تتواجهان هناك، رغم أن المسافة التي تفصل بينها لا تتجاوز بضع فراسخ بحرية، وإنما تتعقبان بعضهما في مواقع أخرى، كالسودان مثلاً، وأما تجاورهما فهو آمن.

أليس هذا محل تساؤل؟، بل تساؤلات، أهمها: هل هما عدوتان، أم غريمتان متنافستان في سياسة توسيع النفوذ الإقليمي فحسب؟. هذا ما ستفصح عنه الأحداث المتلاحقة أمام أعيننا.

Email