يعتبر 2014 عاماً مفصلياً في تاريخ تونس المعاصر، حيث شهد التأسيس للجمهورية الثانية من خلال المصادقة على دستورها في بداية العام وتركيز مؤسساتها في أواخره. ومثّل 2014 عام التحولات الكبرى في البلاد، حيث طوت تونس صفحة المرحلة الانتقالية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وخطر إرهابي.
وشهد العام الجاري في بداياته الإطاحة بحكومة الترويكا الثانية برئاسة علي العريض، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية برئاسة مهدي جمعة، وشهدت نهايته انتصارا ساحقا لحركة نداء تونس، التي عرفت كيف تصنع توازنا سياسيا في البلاد عصف بحلم قوى الإسلام السياسي في الهيمنة على مفاصل الدولة، وأنهى مرحلة سيطرة حركة النهضة على المشهد السياسي طيلة ثلاثة أعوام، بإنهاء مهام المجلس الوطني التأسيسي، الذي كانت تمتلك أغلبية مقاعده، ودخول مرحلة البرلمان الجديد الذي تسيطر عليه القوى الليبرالية واليسارية.
نداء تونس تتقدم
وفي أكتوبر، شهدت تونس انتخابات برلمانية، تنافست فيها 1327 قائمة انتخابية تمثّل 120 حزبا سياسيا، وتتوزع على 33 دائرة انتخابية (27 داخل تونس و6 خارجها)، وانقسمت القوائم المرشحة الى 744 قائمة حزبية و152 قائمة ائتلافية و334 قائمة مستقلة، منها 97 قائمة في الخارج. وترأست المرأة 10 في المائة فقط من القوائم.
وبحسب النتائج، فاز حزب نداء تونس بأغلبية المقاعد في البرلمان بحصوله على 86 مقعدا، وحلت حركة النهضة في المرتبة الثانية بـ 69 مقعدا، ثم حزب الاتحاد الوطني الحر بـ 16 مقعدا، تليه الجبهة الشعبية بـ 15 مقعدا، فحزب آفاق تونس بـ 8 مقاعد، وحصلت قوائم أخرى حزبية ومستقلة على 23 مقعدا.
أحزاب تنهار
وعرفت الانتخابات التشريعية انهيارا واضحا لعدد من الأحزاب السياسية، التي طبعت مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ومنها حزب التكتل الديمقراطي للعمل والحريات بزعامة مصطفى بن جعفر أحد أضلاع تحالف الترويكا، والذي لم يفز بأي مقعد في البرلمان الجديد. وحصل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي وكان شريكا في الحكم بعد انتخابات أكتوبر 2011 على أربعة مقاعد فقط. بينما لم يفز الحزب الجمهوري بزعامة أحمد نجيب الشابي بأكثر من مقعد واحد.
وشهدت الانتخابات التشريعية فشلا ذريعا للأحزاب الراديكالية والداعية للإقصاء، مثل حركة وفاء بزعامة عبد الرؤوف العيادي والتيار الديمقراطي بزعامة محمد عبّو وهما منشقان عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.
أحزاب تتقدم
بالمقابل، تزعم حزب حركة نداء تونس المشهد السياسي للبلاد، بينما برزت أحزاب أخرى في صادرة الحياة السياسية، من بينها حزب الاتحاد الوطني الحر بزعامة سليم الرياحي، وحزب آفاق تونس بزعامة ياسين ابراهيم، وتحالف الجبهة الشعبية اليساري بزعامة حمة الهمامي، والذي بات يمثّل القوة الثالثة الانتخابية في البلاد.
برلمان جديد
وفي الثاني من ديسمبر، افتتحت أعمال مجلس نواب الشعب ليكون أول برلمان منتخب بعد الإطاحة بالنظام السابق، وتقرر الإبقاء على الجلسة الافتتاحية مفتوحة لمدة يومين الى أن تم انتخاب النائب محمد الناصر من حزب حركة نداء تونس رئيسا للمجلس. وانتخب عبد الفتاح مورو عن حركة النهضة نائبا أول لرئيس المجلس، وممثلة حزب الاتحاد الوطني الحر فوزية بن فضة شعار نائبا ثانيا.
السبسي رئيساً
وبعد اقتراعين في دورتين لانتخابات الرئاسة، أعلنت النتائج الرسمية للانتخابات فوز زعيم نداء تونس الباجي قايد السبسي بمنصب رئيس الجمهورية التونسية، في أول انتخابات رئاسية مباشرة بعد الثورة، وأول انتخابات ديمقراطية منذ إعلان النظام الجمهوري في البلاد في يوليو 1987.
وفاز السبسي بـ 55.68 في المائة من الأصوات متقدما على منافسه الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي الذي حصل على 44.32 في المائة، وأعلن عدم رغبته الطعن في النتائج.
إسقاط قانون العزل
ومن الأحداث المهمة التي عرفت تونس في 2014 مصادقة المجلس التأسيسي في اول مايو على القانون الانتخابي، بعد أن حسم في أبرز النقاط الخلافية والمتعلّقة أساسا بإقرار مبدأ التناصف في القوائم الانتخابية، وتمويل الحملات الانتخابية، وخاصة منها العزل السياسي في الفصل 167، والذي اسقط بفارق صوت واحد، ما احدث صدمة كبرى لنصف نواب المجلس الوطني التأسيسي خصوصا منهم نواب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحركة وفاء والتيار الديمقراطي وشق هام من كتلة حركة النهضة.
ودفع الإقرار النواب الـ 108 الذين صوتوا لصالح القانون إلى كيل تهم خيانة الثورة لزملائهم المتحفظين على الفصل، ومهدّدين رئاسة المجلس بمقاطعة التصويت على القانون برمته في حال عدم اقرار وتضمين مبدأ العزل السياسي وتحصين الثورة في المسار الانتخابي، وهو مطلب أرغم مكتب المجلس على اعادة عرض الفصل على التصويت من جديد.
إقرار الدستور
ويعتبر الانتهاء من كتابة ومناقشة الدستور الجديد حدثا استثنائيا في تاريخ الانتقال الديمقراطي في تونس، حيث صادق المجلس الوطني التأسيسي على الدستور الجديد للبلاد، بعد ثلاث سنوات من اندلاع الثورة. وقال رئيس المجلس مصطفى بن جعفر إن «هذا الدستور يبني دولة مدنية ديمقراطية ويحقق حلم التونسيين».
وتضمن البند السادس النص على حرية الضمير والمعتقد، وأن الدولة تسعى للتصدي لدعوات التكفير وحماية المقدسات، وهو بند توافقي بين الإسلاميين والمعارضة. وفي فبراير، نظمت تونس احتفالا رسميا بالدستور الجديد، من خلال جلسة استثنائية للمجلس الوطني التأسيسي حضرها عدد من الرؤساء والقادة والوفود العربية والأجنبية.
حكومة كفاءات
وشهدت بدايات العام الجاري سقوط حكومة الترويكا، في إطار المسار الحكومي الذي أقره الحوار الوطني تزامنا مع المسارين الدستوري والانتخابي، وصوّت نواب المجلس التأسيسي على منح الثقة لحكومة الكفاءات المستقلة برئاسة مهدي جمعة. وانطلقت الجلسة بكلمة لجمعة، الذي تعهد بمراجعة جميع التعيينات على رأس الإدارات والمؤسسات المعنية بالانتخابات، الى جانب الاهتمام بالملف الأمني، وعلى رأسها كشف الحقيقة عن الاغتيالات السياسية ومقاومة الإرهاب ومراجعة منظومة الدعم والتقيد بخريطة الطريق.
نجاح حكومي
نجحت الحكومة التونسية المستقلة برئاسة مهدي جمعة في إصلاح ما أفسدته حكومة الترويكا سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وذلك بإعادة الدفء الى علاقات تونس العربية، وبالحزم في مواجهة الخطر الإرهابي، وتحييد المساجد وتحريرها من سيطرة الجماعات المتشددة.
