تبدّد التوافق الدولي قصير الأمد حول الاقتراح الروسي بوضع الترسانة الكيماوية للنظام السوري تحت رقابة دولية أمس حيث رفضت روسيا مشروع قرار فرنسي في مجلس الأمن الدولي يهدف إلى وضع «الكيماوي» تحت إشراف دولي تمهيداً لإزالتها تحت الفصل السابع.

وفيما كشفت موسكو أن المقترح جرى مناقشته مع الجانب الأميركي خلال قمة الـ20، أكدت واشنطن أنها لن تنتظر طويلاً تسلم الاقتراح الروسي، في وقت تواصل الادارة الأميركية حشد الدعم للحصول على تفويض بضرب النظام السوري رغم تراكم العراقيل بسبب معارضة عدد كبير من أعضاء الكونغرس، ويلقي الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاباً (فجر اليوم) بشأن الضربة يتزامن مع ذكرى اعتداءات «11 سبتمبر».

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس أمس أن روسيا ترى ان مشروع القرار الفرنسي في الامم المتحدة حول الاسلحة الكيماوية السورية مشروع «لا يمكن قبوله».

وقالت الخارجية الروسية في بيان إن «لافروف شدد على ان اقتراح فرنسا الموافقة على قرار يصدره مجلس الامن الدولي مع تحميل السلطات السورية مسؤولية الاستخدام المحتمل لأسلحة كيميائية (هو اقتراح) لا يمكن قبوله».

بدوره، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن توجيه ضربة عسكرية الى النظام السوري بهدف تفعيل المبادرة الروسية.

وقال بوتين كما نقل عنه التلفزيون الروسي: «كل ذلك له معنى ويمكن تنفيذه اذا تخلى الجانب الاميركي وجميع من يدعمونه عن اللجوء إلى القوة».

مفاجأة روسية

وأعلن الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن بوتين وأوباما بحثا على هامش قمة «مجموعة العشرين» في سان بطرسبورغ قضية وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية، وقال بيسكوف في حديث لوكالة «إنترفاكس»: «القضية نوقشت بالفعل»، دون أن يوضح من بادر بطرح هذه القضية.

وأعلن رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي موافقة بلاده «رسمياً» على المبادرة وفق الصيغة الروسية.

مشروع القرار

وبدأت فرنسا مشاوراتها مع شركائها في مجلس الامن حول مشروع قرار عن الاسلحة الكيماوية في سوريا، بحسب ما أفاد دبلوماسيون. وأضاف المصدر نفسه أن دبلوماسيين من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا شاركوا في البداية في هذه «المحادثات غير الرسمية»، التي يمكن أن تتواصل لـ«بضعة أيام».

وبحسب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فإن مشروع القرار الفرنسي يهدف الى وضع الترسانة الكيماوية السورية «تحت إشراف دولي» تمهيدا لإزالتها. ووضع مشروع القرار تحت «الفصل السابع» أي يتيح استخدام القوة لإجبار دمشق على الانصياع لموجبات القرار في حال تخلفت عن ذلك. ومن بين الموجبات الواردة في مشروع القرار، انضمام سوريا الى اتفاقية العام 1993 حول حظر السلاح الكيميائي واحالة المسؤولين عن مجزرة 21 اغسطس الماضي على المحكمة الجنائية الدولية. ويحدد مشروع القرار «جدولاً زمنياً لمختلف مراحل» تفكيك الترسانة الكيماوية، بحسب ما افاد دبلوماسي غربي من دون ان يعطي تفاصيل حول هذا الجدول الزمني.

وتعقيباً على مشروع القرار الفرنسي، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ: إن «مشروع القرار في مجلس الأمن بشأن سوريا يجب أن يتضمن تهديدا باستخدام القوة».

الموقف الأميركي

في الأثناء، قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري: إن الولايات المتحدة تنتظر تسلم الاقتراح الروسي الا انها لن تنتظر طويلا. الا انه اضاف انه «لم يتغير شيء» بالنسبة لدعوة اوباما للكونغرس لمنحه تفويضاً بشن ضربات عسكرية محدودة ضد النظام السوري.

كما صرح وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل انه رغم أن «جميعنا نأمل في أن يكون هذا الخيار هو الحل الحقيقي لهذه الازمة، ولكن علينا ان نبقى متيقظين»، مضيفا ان التهديد الاميركي بشن عمل عسكري ضد دمشق يجب أن يظل «حقيقيا وذا مصداقية». ودعا هاغل الكونغرس لدعم التحرك العسكري ضد سوريا، وقال: إنه بغية «إعطاء الخيار الدبلوماسي فرصة النجاح لا بد للتهديد بعمل عسكري.. أن يستمر».

خطاب أوباما

وفي واشنطن، ورغم ترحيب الرئيس الأميركي باراك أوباما بالمبادرة الروسية، قال الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني أمس، إن «أوباما سيمضي قدما في خططه لطلب موافقة الكونغرس على استخدام القوة العسكرية في سوريا». وقال كارني لقناة «ان.بي.سي» رداً على سؤال عن رد فعل البيت الأبيض على تقارير جديدة أفادت بتسليم سوريا مخزونها من الأسلحة الكيماوية: «ما قاله الرئيس الليلة الماضية (الاثنين) يعكس ما نحن فيه حالياً: نرى في هذا الأمر تطورا إيجابيا ونراه نتيجة واضحة للضغط على سوريا». وأضاف أن «البيت الأبيض يريد التأكد من جدية سوريا، ولذلك سيزور أوباما الكونغرس ليطلب من الأعضاء المترددين الموافقة على توجيه ضربات عسكرية محدودة لسوريا وسيلقي كلمة للأمة مساء الثلاثاء (فجر اليوم الأربعاء بتوقيت الشرق الأوسط) بهذا الشأن».

مقابلات تلفزيونية

وأجرى الرئيس الأميركي، باراك اوباما، في وقت متأخر أول من أمس، ست مقابلات تلفزيونية شرح فيها حججه لضرورة منحه تفويضاً للهجوم العسكري على سوريا. ووصف أوباما خلال مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، الاقتراح الروسي بالعمل مع دمشق لوضع أسلحتها الكيماوية تحت السيطرة الدولية، بـ«التطور الإيجابي المحتمل»، واعداً بأن تعمل إدارته مع روسيا لرؤية ما إذا كان المجتمع الدولي سيتمكن من التوصل إلى شيء «جدي ويمكن تطبيقه». وأضاف أن «هذا الاقتراح ممكن، في حال كان واقعياً». غير أنه اعتبر في الوقت عينه أنه «في حال لم نحافظ وندفع بالتهديد العسكري، فلا أعتقد أننا سنتمكن من التوصل إلى الاتفاق الذي أرغب بالتوصل إليه».

وجدد أوباما في مقابلة أخرى مع شبكة «إن بي سي» الإخبارية، رغبته بأخذ الاقتراح الروسي «على محمل الجد»، مع الدفع في الوقت عينه بعمل عسكري، وقال: إنه سيفكر به، مشيراً إلى أنه في حال موافقة المسؤولين السوريين عليه فسيعد ذلك «تقدماً مهماً». وتعليقاً على تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، التي قال فيها إن «أي عمل عسكري على سوريا سيكون محدوداً جداً»، أكّد أوباما أن «أي هجوم لن يمر من دون أن يترك أثراً»، وقال أوباما إن «الولايات المتحدة لا تقوم بثقوب صغيرة»، وأوضح أن «جيشنا هو أعظم جيش عرفه العالم»، مؤكداً أنه «حتى في الوقت الذي نقوم فيه بضربات محدودة، فسيكون لذلك أثر في سوريا».

مواقف دولية

لقيت المبادرة الروسية ردود أفعال أجمعت على الترحيب بها، مع «تشكيك» و«قلق» بشأن جديتها من بعض حلفاء واشنطن. وقال ناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس، إن «كاميرون يريد من روسيا وسوريا توضيح أن العرض الذي تدعمه موسكو «حقيقي».

ونقل عن كاميرون قوله: «المسؤولية تقع بشكل كبير الآن على عاتق الحكومة الروسية ونظام الأسد لكي يوضحا بطريقة ما أن المبادرة جادة وحقيقية». أما الناطق باسم مفوضة الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، مايكل مان، فقال: «بالطبع، نرحب بأي اقتراح من شأنه أن يقلل العنف الدائر في سوريا. وبكل وضوح، من المهم أن يكون هذا الاقتراح جادا يلتزم به ويحترمه الجميع».

واعتبرت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل أن الاقتراح الروسي «مثير للاهتمام»، مكررة رفضها التام لأي تدخل عسكري في سوريا. كما أعلن وزير خارجيتها جيدو فيسترفيله أن «من الممكن أن تشارك بلاده في عملية التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية». كما عبّر رئيس الحكومة اليابانية شينزو آبي خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تأييد بلاده للمبادرة الروسية. ورحبت الصين وإيران حليفتا النظام السوري بالمبادرة الروسية وأعلنتا «دعمهما» لها. بينما شككت إسرائيل بالاقتراح الروسي، لكنها اعتبرت في الوقت نفسه أن «طرح الخيار العسكري أخاف سوريا ولذلك ينبغي التعامل بشكل مشابه مع إيران».

تصويت الكونغرس

 

أعلن السيناتور الأميركي زعيم الغالبية الديمقراطية، هاري ريد، أنه تم إرجاء عملية التصويت الأولى التي كانت مقررة اليوم (الأربعاء)، في مجلس الشيوخ بشأن مشروع قرار يجيز توجيه ضربات عسكرية إلى سوريا، وذلك إثر الاقتراح الروسي.

ونقلت وسائل إعلام أميركية عن ريد، قوله: «لا أظن أنه علينا التسرع بذلك.. بل علينا القيام بالأمر بشكل جيد»، في إشارة منه إلى عملية التصويت. وأشار إلى انه اتخذ قراره بعد استشارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، معتبراً أن «ما نحتاج إليه هو منح الرئيس فرصة التحدث إلى جميع أعضاء مجلس الشيوخ الـ 100، وإلى 300 مليون أميركي قبل أن نقوم بذلك». واشنطن- يو.بي.آي