لم يعد أحد يجهل الأسير الفلسطيني سامر العيساوي، صاحب أطول إضراب عن الطعام في التاريخ، والذي خاض منذ تسعة شهور بأمعائه الخاوية معركة توازي ضمير العالم الصامت أمام آلام وأوجاع الفلسطينيين اليومية وأمام حربهم مع السجّان الإسرائيلي التي يتسلحون بها بعزيمة وصبر لا ينضب.. وكسرت معركته التي كان سلاحه فيها مجرد أمعاء خاوية حقائق تاريخية وجغرافية وخلقت واقعاً جديداً ونمطاً جديداً من المقاومة.

سامر، الذي يحاكي بمعركته الآلاف ممن يقبعون خلف جدران زنازين الاحتلال، تشبّث بحريته المسلوبة وبعودته إلى بلدة العيساوية في مدينة القدس المحتلة، ولم ييأس من ظلمة وجور سجّانه، بل اقتات من نور الحرية الذي كان ولا يزال يراه أمام ناظريه منتصراً على ظلم وإرادة المحتلّ، حيث يرقد في مستشفى كابلان الإسرائيلي مكبّل الأيدي وليس الروح.

هذا الصمود الأسطوري أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على المصادقة، قبل نحو أسبوع، على إطلاق سراح الأسير الفلسطيني بعد مشاورات مع وزيري الحرب والأمن الداخلي، مبرراً ذلك بأنه يأتي خوفاً من اشتعال الأوضاع في الضفة الغربية في حال استشهاد العيساوي إثر إضراب عن الطعام دام أكثر من 277 يوما.

صفقة تبدو شروطها قاسية، إذ تقضي ببقاء العيساوي في المعتقل لمدة ثمانية شهور تبدأ من يوم إطلاق سراحه، وأن يوقف إضرابه عن الطعام فورا، على أن يتعهد فور إطلاق سراحه بعد 8 شهور بالبقاء في العيساوية ولا يغادرها، وبألا يدخل إلى الضفة أو قطاع غزة، ولا يتصل مع نشطاء في منظمات فلسطينية. ولكنها مع ذلك تُعدّ انتصاراً يسجّل للأسير المناضل وللمقاومة الفلسطينية.

انتصارٌ في معركة كسرت حاجز التاريخ، كونه صاحب أطول إضراب عن الطعام حطم به أرقام موسوعة غينيس، بعد الأسير الايرلندي بوبي ساندز الذي توفي في السجون البريطانية بعد إضراب مفتوح عن الطعام 64 يوماً يتصدر الموسوعة العالمية. كما أنها كسرت حاجز الجغرافيا الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين بعودة العيساوي إلى مسقط رأسه رغم أنف المحتل.

وبتضامن دولي تمثل في سلسلة إضرابات كان أبرزها قيادة «التجمع العالمي لكسر القيد» لإضراب خاضه آلاف المتضامنين الأجانب والعرب ليوم كامل في عدد من العواصم الغربية التي شهدت أيضا تظاهرات تطالب بتحرير العيساوي،.

كما جسّده الناشط الأرجنتيني فيصل سيرجيو تابيا بإضرابه عن الطعام منذ مطلع مارس الماضي. لتكون بذلك رسالة واضحة إلى سلطات الاحتلال: لا تحاصروا الفلسطينيين في أراضيهم التي احتللتموها في 1948 ثم 1967، بل إن روح فلسطين وأهلها تتجاوز الحدود والحواجز، وتفوق إرادتكم بكثير.

 كلمات

 رغم وضعه الصحي الخطير جدا والذي كان يتدهور يوما بعد يوم، احتفظ الأسير الفلسطيني سامر العيساوي بعزيمة وصبر فائق، بل وروح معنوية عالية جسدتها مختلف الرسائل التي كان يبعث بها إلى شعبه وإلى المحتلّ، مقدرا صمود وتضامن كافة الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم معه، وناشدهم بصبرٍ جميل كصبر آل ياسر.

وكان العيساوي يكرر في مختلف رسائله عبارة: «لا طريق أمامي سوى الاستمرار بالإضراب حتى الحرية». فيما قال في رسالة وجهها إلى الإسرائيليين، وحملت عنوان «رسالة من طيف»:

« اخترت أن أكتب لكم، يا معشر المفكرين، الأكاديميين، الكتاب، المحامين، الصحافيين والناشطين في المجتمع المدني الاسرائيلي.. أنا سامر العيساوي، واحدٌ من العرب في مصطلحاتكم العسكرية. ذلك المقدسي الذي حاصرتموه دون سبب، فقرر أن يترك القدس إلى ضواحي المدينة.. أيها الإسرائيليون، سوف أموت راضٍ. ولن أُجبَر على ترك أرضي ووطني».