لا شك أن انتخابات مجالس المحافظات في العراق التي ستجرى بعد أسبوع تشكل حدثا بارزا، ليس من حيث العدد القياسي للكيانات المشاركة، ولكن من حيث أن العراق سيجري هذا الاستحقاق وهو يتمتع بالسيادة، وليس تحت طائلة الاحتلال، حيث سيمكن هذا الاقتراع الناخب من اختيار المرشحين بكل حرية.
وليس تحت طائلة الوصاية الأميركية، ما يتوقّع ان يسمح بإزالة مظاهر الفساد التي تفشت في العراق طوال السنوات العشر الماضية، ومحاربة المحاصصة والطائفية التي كانت سببا في شلل عدد كبير من المحافظات العراقية.
اكثر من 8275 مرشحاً يتنافسون على 447 مقعداً في مجالس 14 محافظة، ومن المتوقع ان تكون نسبة المشاركة الحقيقية في التصويت متدنية بسبب انعدام ثقة الناخب العراقي بمجمل العملية السياسية القائمة، وهذه الحقيقة لا تتعارض مع وجود مرشحين نزيهين بوطنيتهم ومخلصين لما يعلنونه، لكنهم لا يشكلون حتى الآن ثقلا قادرا على تغيير ملامح المشهد القائم فعليا .
تفشي الفساد
ولا تزال الدولة العراقية الجديدة تعاني من آفة الفساد التي أسس لها الحكم الأميركي عبر سياسات فوضوية في التعامل مع المال العام وتحول العمولات إلى أعراف مقدسة بلغت معدلات خرافية تأكل رأسمال المشروع أو الصفقة كله في أحيان كثيرة، ومن أجل شراء الذمم والولاءات لجأ الأميركان في العراق إلى تشجيع الأحزاب والكتل وبعض الزعامات السياسية على تأسيس أو المساهمة في شركات تجارية والحصول على أرباح هائلة.
هذا الداء العضال الذي تمت زراعته في بنية الدولة العراقية الجديدة، ليس من السهل إزالته خلال وقت قصير، الفساد هو أشد خطراً من الإرهاب نفسه، بل يسهم في تمويل الأخير، لذلك تحتاج مكافحته إلى إرادة سياسية واختيار مرشحين أكفاء في الانتخابات قادرين على إصلاح الوضع تدريجياً وكشف الألاعيب السابقة التي أدت إلى تغييب مصلحة المواطنين واللهث وراء المصالح.
طقوس الدعاية الانتخابية ومظاهرها الحاضرة في الشارع العراقي بقوة ومحاولات المرشحين ومن ورائهم أحزابهم وكتلهم وزعاماتهم لخطب ود المواطن هذه الأيام تجعلنا نشعر بالأمل في الإصلاح، برغم الخيبات الكثيرة مع استمرار التراخي الأمني.
نعم، مرت عشرة أعوام، ربما لم يتحقق الكثير من الإنجازات خلالها، فلا زالت مشاكل الأمن والكهرباء والسكن وسوء الإدارة ترهق المواطن وتجعله يشعر بالمرارة، لكن مازال المواطن يملك إمكانية التغيير، وهذه هي القضية الجوهرية، ولا يزال صوت المواطن هو العامل الحاسم.
سلامة الاقتراع
الاقتراع وإن كان سيجرى في بيئة سياسية معكرة نتيجة اصطفافات متغيرة ومفترقات لا يمكن تجاوزها بين كيانات الصنف المكوناتي الواحد من جهة وبين الأصناف المكوناتية المختلفة من جهة أخرى . إلا أن على المرء ألا ينسى أن مجرد إجراء انتخابات مجالس المحافظات مؤشر على سلامة المسيرة الديمقراطية في العراق التي بدأت قبل عقد من الزمن سابقة بذلك ما بات يعرف بالربيع العربي.
كما أن الانتخابات مهما وهنت نتائجها ومهما تواضعت طرق إجرائها سوف تمنع ظهور طغاة ومستبدون جدد، وستحصن الشعب بروح المشاركة في صناعة القرار، وسوف تساهم في نشر ثقافة الديمقراطية. الانتخابات ستكون دون شك محطة انتقالية محفوفة بمخاطر التجريب، حيث الاختبار الجدي لنوايا القوى المتنافسة على السلطة ومدى استعدادها لتقبل فكرة التبادل السلمي للسلطة وجدية الشروع ببناء دولة المواطنة العابرة للطائفية ومغادرة كل المتاريس التي تعيق وحدة وتقدم العراق وشعبه.
