يرى محللون أن الأزمة السورية كانت العامل الرئيسي الذي دفع اسرائيل وتركيا، مع قليل من المساعدة التي قدمها الرئيس الاميركي باراك اوباما، لإنهاء الخلافات بينهما في جولة قصيرة من المباحثات قد لا تكون تجاوزت نصف الساعة. في حين أن صولات وجولات من الحوارات والاتفاقات المبدئية والنهائية لم تنجح في تصفية نفوس حركتي «فتح» و«حماس» الفلسطينيتين، رغم الأزمات المتعددة الأشكال والمصادر التي تحيط بالقضية الفلسطينية وتلفّ مجرياتها. وإلا لصدق القول بأن الحركتين بحاجة إلى أزمة خارجية محيطة لإعادة اللُحمة الفلسطينية إلى شارع بات يبكي الأمرّين.. احتلال وانقسام !

وبعد أن أُعلن مساء الجمعة قبل الماضية ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ونظيره التركي رجب طيب اردوغان اتفقا على اعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين بعيد اعتذار نتانياهو عن حادثة سفينة «مافي مرمرة» التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة لكسر الحصار عنه، وراح ضحيتها تسعة متضامنين أتراك في العام 2010، ما ادى الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإصابة العلاقات العسكرية بنكسة كبيرة؛ اعتبرت أوساط مراقبة أن هذا الاتفاق شكّل النجاح الأبرز لأوباما خلال زيارته للمنطقة، والتي لم تحدث اختراقاً في ملف المفاوضات او التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها لم تحرك أياً من ملفات القضية الفلسطينية العالقة.

أما فلسطينياً، فمنذ توقيع «إعلان الدوحة» في العاصمة القطرية في فبراير 2010، لا يزال ملف المصالحة يراوح مكانة في أروقة ودهاليز اجتماعات ثنائية بين موفدي الحركتين أو متعددة الأطراف بحضور غير لافت لعدد من الفصائل التي تبارك الخطوة، وبرعاية مصرية نجحت في تحريك الاتفاقات خطوة للأمام ولكنها لم تنجح في الحيلولة دون رجوعها خطوات للوراء بفعل تصريحات مسؤولة أو غير مسؤولة تخرج من هنا وهناك لممثلين من «فتح» و«حماس»، مفادها في المحصلة أننا «اتفقنا على ان لا نتفق».

ومع الأخذ بعين الاعتبار وجود «طرف ثالث» بين الحركتين لا يرغب في اتمام المصالحة، بل ويعمل على إفشالها، بحسب تصريحات صريحة لقيادات في «حماس»، ومع مراعاة ان هذا الأمر يبدو وارداً في الملف الفلسطيني الذي تمس خصوصيته أطرافاً خارجية عدة، إلا أن الواضح جلياً عدم اكتراث قيادات الصف الأول الفلسطيني لإنهاء الانقسام الداخلي بقدر اكتراثها للرد على كل حرف ينطق به الطرف الآخر، وإعلانها تمسكها بمواقفها الرافضة لأي تحرك أو خطاب يصدر عن الفريق المقابل، لربما من منطلق «أنا أعترض.. إذن أنا موجود»..

هذا التباعد الفلسطيني وصل إلى حد القلق العربي من تداعياته، وأصبح السعي لتضييق الهوة بين أطرافه مطلباً ملحّاً، فاقترح امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، خلال القمة العربية المنعقدة في الدوحة الأسبوع الماضي، عقد قمة عربية مصغرة في القاهرة للإشراف على تحقيق المصالحة الفلسطينية بحضور حركتي «فتح» و«حماس» وبمشاركة من يرغب من الزعماء العرب، واستنادا لما تم الاتفاق عليه مسبقاً في لقاءات القاهرة والدوحة، وغيرها. اقتراح قابلته أوساط فلسطينية بترحيب وتفاؤل، فيما وصفه البعض بأنه «غير نزيه» كونه يرجح كفّة «حماس» في ميزان اللقاءات المرتقبة. ما يعيد الملف من جديد إلى المربع الخلافي الأول ولربما الثاني أوالثالث، ما لم تأتِ الرياح بما تشتهيه سفينة الوفاق الفلسطيني، ويعود الجميع إلى رشدهم ووطنيتهم.

 

إضاءة

 

بدأ الانقسام الفلسطينــي، أو كما تسميــه حركــة فتح الانقلاب الحمســاوي فــي غزة، والذي تطلــق عليه حماس مصطلح الحسم، في صيف العام 2007، حين سيطرت الحركة الإسلامية على قطاع غزة بالقوة، وأصبح هناك سلطتان سياسيتان وتنفيذيتان إحداهما في الضفة الغربية تحت سيطرة فتح، والأخرى في القطاع تحت سيطــرة حمــاس، التي كانــت قــد فازت في الانتخابـات التشريعيــة التـي أجريت مطلـع العـام 2006. ومنذ أن بدأ الطرفان لقاءات للاتفاق على مصالحة فلسطينية داخلية، بعد اقتتال دام راح ضحيته العشرات من الحركتين، بقيت أبرز النقاط الخلافية تتمركز حول الانتخابات فضلا عن ملف الاعتقال السياسي.