وجّه القضاء المصري أمس صفعة جديدة إلى حركة الإخوان المسلمين في مصر، تمثلت بإصدار محكمة استئناف القاهرة حكماً تاريخياً ألغت فيه قرار رئيس الجمهورية د. محمد مُرسي بإقالة النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه وتعيينه المستشار طلعت عبدالله الذي تتهمه المعارضة بمحاباة «الإخوان» خلفاً له، وهو الحكم القاضي بعودة محمود إلى منصبه من جديد، الأمر الذي أثلج صدر المؤسسة القضائية، وأزعج الفصائل الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان التي اعتبرت الحكم «منعدماً وغير قابل للتنفيذ».
وفي حين رفضت النيابة العامة الحالية القرار باعتبار أن لا سند له، لم يصدر أي تعليق رسمي من مؤسسة الرئاسة المصرية على حكم المحكمة.
وفي حكم سيعيد بالتأكيد الصدام بين الرئيس مرسي والقضاة، أصدرت دائرة رجال القضاء في محكمة استئناف القاهرة قراراً بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بعزل المستشار عبدالمجيد محمود من منصب النائب العام. وقضت المحكمة بعدم قانونية قرار العزل، وألزمت الجهة الإدارية بإعادته لمنصبه.
وقال المستشار ثناء خليل، من محكمة استئناف القاهرة التي أصدرت الحكم، إن «المحكمة قضت ببطلان قرار الرئيس بعزل محمود وأمرت وزير العدل بإعادته إلى المنصب». وصدر حكم دائرة رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة بناء على دعوى أقامها محمود طالباً إلغاء قرار عزله الذي أصدره الرئيس محمد مرسي في أعقاب الإعلان الدستوري المثير للجدل الذي صدر في 21 نوفمبر الماضي.
من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم النيابة العامة في مصر المستشار مصطفى دويدار، إن الحكم الصادر من دائرة رجال القضاء بعودة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، حكم غير قابل للتنفيذ ولا سند له لأنه غير نهائي. وأضاف دويدار أن القرار اشترط لكي يكون الحكم نهائي لابد أن يتم الطعن عليه خلال 40 يوماً من صدوره طالما أن الحكم قابل للنقض، مشيراً إلى أن هيئة قضايا الدولة ووزارة العدل هما من لهما الحق فى الطعن على الحكم.
من جانبها، ناشدت اللجنة الدائمة للدفاع عن القضاة وسيادة القانون التي شكلها قضاة بعد إقالة محمود مجلس القضاء الأعلى أن يعيد محمود إلى منصبه. وقالت اللجنة في بيان: «يجب تنفيذ الحكم وإعادة المستشار عبدالمجيد محمود لمنصبه حرصاً على استقلال القضاء وسيادة القانون واحتراماً للأحكام القضائية».
وفي أول تعليق له على حكم محكمة الاستئناف ببطلان عزله من منصبه، قال المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، إنه «سعيد بهذا الحكم الذي يؤكد نزاهة واستقلال القضاء المصري وإعادة الأمور إلى نصابها، مضيفاً أنه «لم يقرأ بعد حيثيات الحكم وتفاصيله، لكنه تلقى العديد من الاتصالات الهاتفية تهنئه بذلك».
وأوضح النائب العام السابق أنه «لا يعلم حتى الآن ولا يستطيع أن يجزم بعودته إلى منصبه أو لا»، وتابع: «هذا الأمر سابق لأوانه، ولم أحسمه بعد».
جدل قضائي
وعقب انتشار خبر الحكم القضائي، ثار جدل قانوني ودستوري في مصر بين مقللّ من أهمية الحكم باعتبار «عدم إمكانية تطبيقه» وبين مطالب بتنفيذه وإعادة عبد المجيد إلى منصبه، وأكد مصدر قضائي طلب عدم الكشف عن هويته، أن «حكم محكمة استئناف القاهرة مخالف للدستور وإهدار له»، نافياً إمكانية عودة المستشار عبدالمجيد محمود لمنصب النائب العام مرة ثانية في كل الأحوال.
وأوضح المصدر أن «الدستور نص على أنه يتولى النيابة العامة نائب عام يعين بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله، وبهذا فلن يعود عبدالمجيد محمود بأي حال من الأحوال لمنصبه».
من جانبه، وصف رئيس نادى قضاة مصر المستشار أحمد الزند، الحكم القضائي بأنه «حكم تاريخي ينتصر لسيادة القانون»، وأضاف: «هذا هو قضاء مصر الشامخ، ودائماً الشعب المصري والمصريون عموماً على حق يتطلعون في أعصى وأقسى الظروف إلى المنصة العالية، منصة الشجاعة والحرية وسيادة القانون ورفع الظلم عن المظلوم، وهذا الحكم لم يكن متوقعاً عكسه أو غيره لوضوح البنيان القانوني للدعوى، ولأن عزل النائب العام مخالف للقانون والدستور».
صفعة قضائية
ويؤكد مراقبون أن الحكم الصادر هو «صفعة قضائية» للرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين تنضم لجملة الصفعات القوية التي تعرضت لها الجماعة ومؤسسة الرئاسة في خضم محاولاتها الجادة من أجل تهميش القضاء والتعدي على أحكامه وثوابته.
من جانبه، طالب الفقيه القانوني والدستوري د. محمد نور فرحات، رئيس الجمهورية د. محمد مرسي بضرورة أن يراجع كافة مواقفه القانونية منذ توليه رئاسة الجمهورية وحتى الآن، بداية من قرار عودة مجلس الشعب المنحل والذي اتخذه مرسي في بداية فترته الرئاسية وحتى قانون انتخابات مجلس النواب والتخبط الذي حدث فيه ومروراً بإعلان نوفمبر الدستوري الذي أسهم في مواجهات بين مؤيدي ومعارضي الرئيس، كما ناشد فرحات، مرسي بضرورة التخلي عن المستشارين القانونيين لجماعة الإخوان المسلمين، ملقياً على عاتقهم مسؤولية هذا التخبط القانوني الذي تشهده مصر الآن.
رؤية «الجماعة»
وقد أوجد الحكم الصادر من محكمة الاستئناف جملة من التداعيات القانونية والدستورية أبرزها خلاف قانوني حاد بين جماعة الإخوان ومعارضيهم، إذ أكدت مصادر بالجبهة القانونية بالجماعة على كون الحكم «مُنعدماً» لأن الدستور الحالي قد حصّن الإعلانات الدستورية، وبالتالي فإنه يحصن مادة عزل وتعيين النائب العام، وهو ما يستند إليه أنصار جماعة الإخوان في رفض الحكم، مؤكدين أنه كذلك من الممكن أن يتم الطعن على الحكم من خلال هيئة قضايا الدولة على اعتبار كونها الجهة الوحيدة المخولة لنظر الطعونات ضد قرارات محكمة الاستئناف، ولن ينفذ حكم عودة عبدالمجيد إلا عقب نظر الهيئة الطعونات حال التقدم بها، معتبرين أن حكم المحكمة تعرض لـ«عمل من أعمال السيادة» الصادرة من رئيس الجمهورية وبالتالي فهو قرار منعدم لن يترجم عملياً بعودة عبدالمجيد محمود إلى منصبه.
ويأتي ذلك الخلاف القانوني كنتيجة مباشرة للحرب الضروس الحالية بين مؤسسة الرئاسة وبين القضاء، وهي الحرب التي ترجمت لجملة من الصدامات التي شهدتها مصر خلال الفترة الأخيرة بين الطرفين، بشأن قرارات معيبة قانونياً ودستورياً صدرت من مؤسسة الرئاسة.
القوى السياسية ترحّب وتدعو إلى احترام القضاء
رحبت القوى السياسية بالحكم الصادر عن دائرة رجال القضاء والنيابة العامة بمحكمة استئناف القاهرة الذى يقضى ببطلان قرار رئيس الجمهورية بعزل المستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق.
وطالب رئيس الحزب المصري الديمقراطي أحمد أبو الغار، المستشار عبد المجيد محمود بالاعتذار عن الرجوع لمنصبه مرة أخرى بعد قرار محكمة الاستئناف ببطلان قرار رئيس الجمهورية الخاص بعزله من منصبه، موضحاً أنه في هذه الحالة سيقوم المجلس الأعلى للقضاء بتعيين نائب عام جديد بطريقة قانونية وتنتهى أزمة النائب العام.
ودعا أبو الغار، أحزاب التيار الإسلامي باحترام أحكام القضاء، لافتاً إلى أن هذا القرار يأتي في ظل وجود قطاع شعبي واسع يعتبر أن تعيين النائب العام جاء بطريقة غير قانونية، مضيفاً: «هناك شعور بأن النائب العام الحالي طلعت إبراهيم منحاز»، لافتا إلى أن أفضل الحلول الآن هو «تقديم النائب العام الحالي طلعت إبراهيم استقالته من منصبه ويعود لإعارته أو لموقعه في القضاء حتى يكون خروجه خروجا محترما».
من جانبه، رحب رئيس مجلس أمناء مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية سعد الدين إبراهيم بالحكم، قائلاً: «الحكم يدل على استقلالية ليست جديدة على القضاء المصري». وأكد إبراهيم أن المحكمة طبقت مبدأ استقلال القضاء، مطالباً المستشار طلعت إبراهيم النائب العام الحالي بأن يبادر بالاستقالة والتصريح باحترام أحكام القضاء والانسحاب فوراً من موقعه كنائب عام والعودة لعمله كمستشار.
وطالب عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي أيمن أبو العلا باحترام حكم محكمة الاستئناف، مؤكدا أن احترام القضاء هو احترام لدولة القانون. وشدد أبو العلا، «أهمية احترام التيار الإسلامي للقرار وعدم الخروج في تظاهرات ضده أو محاولة حصار المحاكم مرة أخرى مطالبا جميع القوى السياسية بالالتزام بأحكام القضاء». وأكد أبو العلا أن «حكم المحكمة يأتي في ظل إعلان دستوري باطل قام به الرئيس محمد مرسى وكان من المفترض أن يتم التراجع عن كل آثاره إلا أن العناد دائما ما يوقع في الخطأ». بحسب قوله.
فيما طالب، الناطق الرسمي باسم حزب المصريين الأحرار شهاب وجيه النائب العام طلعت عبد الله المعزول من منصبه بحكم القضاء أن يعطي مثلاً وقدوة في احترام أحكام القضاء ويلتزم بتنفيذ الحكم باعتباره حكماً نهائياً حتى يحفظ هيبة المنصبة الذى كان يتقلده. وفى سياق متصل، قال الناطق باسم حزب الوفد عبد الله المغازي، إن حكم المحكمة يعيد المستشار عبد المجيد محمود لمنصبه، مشيرا إلى أن النائب العام المستشار طلعت إبراهيم «قاض محترم ولكنه غير شرعي من الوهلة الأولى لأن الإعلان الدستوري باطل وما يصدر عنه باطل».
الجبالي: الحكم يعد انتصاراً لدولة القضاء
تعليقاً على الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة الذي ألغت فيه قرار رئيس الجمهورية د. محمد مُرسي بإقالة النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه، وتعيين المستشار طلعت عبدالله خلفاً له، قالت النائب السابق لرئيس المحكمة الدستورية العليا المستشارة تهاني الجبالي في تصريحات خاصة لـ «البيان» عقب دقائق من النطق بالحكم: «إن قرار محكمة الاستئناف هو قرار نهائي، غير قابل للطعن، وعليه فإن المستشار عبدالمجيد محمود لابد أن يعود لموقعه مُجدداً كنائب عام»، مشيرة إلى أن آليات تنفيذ هذا الحكم تكون من خلال المجلس الأعلى للقضاء المخول رسمياً بإعلامه بمنطوق الحكم وتنفيذه فوراً من خلال وزارة العدل التي ألزمها الحكم بالتنفيذ.
وتابعت: «الحكم يعد انتصاراً لقيمة دولة القانون والقضاء، عقب العدوان الذي تم على منصب النائب العام، وشمل عزل قاضٍ من منصبه وتعيين آخر (غير شرعي) خلفاً له.. القضاء المصري صحح ذلك العدوان وواجهه، فالقضاء هو الرادع للحاكم، وقد أكد على كون المؤسسة القضائية مبنية ومعنية في الأساس بالاستقلال عن كافة السلطات التنفيذية، فلا يجوز للسلطة التنفيذية إقالة القاضي أو تعيينه، لأن ذلك يعد عصفاً بحقوق المواطن والوطن».
واستطردت الجبالي قائلة: «لقد عانينا الأمرين بوجود نائب عام موجه وجزء من تنظيم غير شرعي هو جماعة الإخوان، وبالتالي فإن الحكم الأخير يصحح مساراً في دائرة العدوان المتكرر من قبل مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان على السلطة القضائية». القاهرة- البيان
