ترك سائق الشركة التونسية للكهرباء والغاز العمومية سيارته دون أن يوقف محرّكها أو أن يستل منها المفاتيح، وانطلق نحو إحدى الإدارات لإنجاز مهمة سريعة، وبعد لحظات عاد ليكتشف اختفاء السيارة.

فالتجأ الى الإدارة التي ينتمي إليها وأخبرها بالأمر، ومن هناك انطلقت رحلة خبراء الشركة في ملاحقة السيارة المختفية بالتنسيق مع جهاز الأمن عبر جهاز المتابعة عبر الأقمار الصناعية الذي كانت مجهزة به.

وبعد يومين تبيّن أن السيارة كانت مركونة في موضع ما لا تتحرّك منه، فاتجهت قوات من الأمن الى المكان لتكتشف أنه مستودع يقع في حي الجمهورية من مدينة المنيهلة المحاذية للعاصمة، وبعد فشلها في إيجاد من يفتح المستودع، عمدت الى خلعه، لتجد السيارة وقد نزعت منها لوحاتها المعدنية.

ومن ورائها صناديق كثيرة تبيّن أنها مليئة بالأسلحة والذخيرة، وبعد وصول فرقة من قوات مكافحة الإرهاب إلى المحل، تم اكتشاف العشرات من القاذفات المضادة للطائرات ومن رشاشات الكلاشينكوف والقنابل اليدوية والصواعق والذخيرة والمتفجرات.

ومن هناك تم الكشف عن صاحب المستودع الذي قال إنه قام بتأجيره لشخص تونسي كان مقيماً في العراق، ثم قادت التحقيقات للقبض على ١٣عنصراً من الجماعات السلفية كانوا متحصنين في جامع النور بمنطقة دوار هيشر القريبة من العاصمة ومعهم عشرات الأسلحة البيضاء من سيوف وخناجر وسكاكين.

صراع أهلي

هذه ليست المرّة الأولى التي تقود فيها الصدفة وحدها السلطات الأمنية التونسية للكشف عن مخازن أسلحة متطورة في مختلف مناطق البلاد، الأمر الذي يثير خوف التونسيين من إمكانية نشوب صراع أهلي، نظراً لتوفّر الظروف الملائمة، ومنها حالة الانشقاق الاجتماعي، واتساع دائرة حضور الجماعات السلفية الجهادية، والقوى المتطرفة، ومواقع التدريب، والأسلحة التي تم تهريبها من دول الجوار وخاصة من التراب الليبي، وتم تخزينها في مناطق وجهات مختلفة بالبلاد ومنها العاصمة.

وفي يناير الماضي كشفت قوات الأمن عن مخازن للسلاح المضاد للطيران والمدرعات والأشخاص في مدينة مدنين (جنوب شرق)، كما شهدت مدينة سيدي بوزيد الأسبوع الماضي مواجهة مسلحة بين قوات من الأمن وعناصر مسلحة كانت تستقل سيارة محملة بالسلاح مما أدى الى إصابة عنصرين من الأمن التونسي.

ويتحدث التونسيون عن سوق موازية للسلاح في البلاد تعمل بعيداً عن عيون الأمن التونسي لا يتجاوز فيها سعر المسدس المائة دولار في حين يصل سعر رشاشة الكلاشينكوف الى أقل من ألف دينار تونسي (حوالي ٧٠٠ دولار أميركي).

حرج أمني

ولا يخفي المسؤولون الأمنيون التونسيون حرج الموقف الأمني في بلادهم، خصوصاً بعد جريمة اغتيال القيادي اليساري المعارض شكري بلعيد في ٦ فبراير الجاري، والتي تقول مصادر مطلعة أن «المخابرات العسكرية والأمن الرئاسي وصلا الى الكشف عن المتورطين فيه، و تم إلقاء القبض على عدد من المنتمين الى المجموعة السلفية وهم حالياً رهن التوقيف في ثكنة تابعة للجيش من أجل الحفاظ على سرية الأبحاث».

وتسعى القوات المسلحة التونسية الى رصد تحركات العناصر الإرهابية المتصلة بتنظيم القاعدة، والى الإمساك بزمام الوضع على الحدود مع ليبيا، الى جانب تعاونها مع الجيش الجزائري على رصد كل ما يدور على الحدود المشتركة.