أربكت دعوة رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب إلى حل سياسي مع النظام، قيادات المعارضة المنضوين في الائتلاف ذاته أو في المجلس الوطني السوري. وبعد تجاوز مرحلة الصدمة، خرج الائتلاف بموقف موحد شدد على أن «التفاوض» لن يكون مع شخصيات تلطخت أيديها بدماء السوريين، وتحدث القيادي وليد البني عن شرط وهو أن يكون التفاوض على «رحيل» الرئيس بشار الأسد وأركان نظامه مع «شخصية مدنية».
تفسير المبادرة من قبل الأطراف المعنية ترشحها للحلول محل الجدل الذي أثاره مؤتمر جنيف في شهر يونيو من العام الماضي، وبالتحديد الغموض الذي أحاط بدور بشار الأسد في المرحلة الانتقالية. روسيا اعتبرت أن المرحلة ستكون بمشاركة من الأسد، فيما استبعدت فرنسا والولايات المتحدة ذلك. بعد استقالة المبعوث الأممي السابق كوفي أنان الذي حضر توقيع اتفاقية جنيف بين القوى الكبرى، أقرّ المبعوث الحالي الأخضر الإبراهيمي بالغموض الذي اكتنف تلك المبادئ، واعتبر أنه «غموض بنّاء» ودعا إلى إنهائه.
تعود نغمة الغموض ذاته لتحيط بمبادرة الخطيب حول نقطتين مفصليتين:
تفاوض أم حوار؟
بعد مداولات صاخبة في مؤتمر عقدته الهيئة السياسية المؤقتة للائتلاف الوطني بتاريخ 14 فبراير الجاري في القاهرة، تم التوافق على تفادي استخدام كلمة «الحوار» في تفاصيل المبادرة السياسية الأولى من نوعها، بل إنه في شروحات المعارضين للمبادرة، فإن «التفاوض» لن يكون فقط على المرحلة الانتقالية التي لا مكان فيها للأسد، بل سيكون على رحيله. وفي البيان الختامي لم يتم ذكر كلمة «التفاوض» أو «الحوار»، وإنما «الحل السياسي»، ما يعني أن المبادرة ذاتها تحتاج إلى تشريح وتوضيح لإنهاء صيغة «الغموض البنّاء» التي وسمت الشهور الماضية منذ مؤتمر جنيف.
بيانات وتصريحات الائتلاف تشير بشكل لا لبس فيه أن الحل المنشود هو تفاوض على رحيل النظام، لكن التصريحات الأخرى، وخاصة من روسيا، تتمسك بأن المبادرة مبنية على «الحوار وليس التفاوض»، بحسب رصد تصريحات متتالية للمسؤولين الروس والذين رفضوا بالمجمل «الشروط المسبقة» التي وضعها الائتلاف (رحيل الأسد).
إيران هي الأخرى تستخدم صيغة ترحيبية بالمبادرة تشي بأن الحل السياسي هو عبارة عن جلوس بين ممثلي النظام والمعارضة للاتفاق على موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. وقال وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي عقب اجتماعه بالخطيب في الرابع من الشهر الجاري بميونخ: «لقد قلت للخطيب: اجتمعوا ونظموا انتخابات رئاسية تحت إشراف دولي كي يتمكن كل طرف من التأكد من أن العملية تجري بشكل مناسب».
وبهذا المعنى فإن الصيغة الروسية الإيرانية في فهم مبادرة رئيس الائتلاف هو نفي مقاصد المعارضة منها برحيل النظام. ولأن الأخضر الإبراهيمي يدرك الفارق في مقاصد كل طرف من تفسير صيغة المبادرة، فإنه لجأ إلى حيلة توفيقية تضمنت في تصريح أطلقه بعد لقائه الأمين العام لجامعة الدول العربية في 17 فبراير، فبدلاً من استخدام وصف «التفاوض» أو «الحوار» قام بتركيب صيغة اندماجية هي «المبادرة التفاوضية للحوار»!.
هذا التباين في تفسير صيغة المبادرة لن تمر إلا بمبادرة أخرى، فهناك شروط مسبقة من موسكو وطهران بأن لا يكون الحل السياسي مشروطاً برحيل النظام، أي تفريغها من مضمونها السياسي، فربما يكتشف الائتلاف صلاحية النظام بالبقاء خلال المحادثات!.
الجلوس مع من؟
جاء في بيان الائتلاف بند لإيقاف الجدل الدائر حول الشخصيات التي من الممكن التفاوض معها، ووردت بالصيغة التالية: «إن بشار الأسد والقيادة الأمنية العسكرية المسؤولة عن القرارات التي أوصلت حال البلاد إلى ما هي عليه الآن، خارج إطار هذه العملية السياسية وليسوا جزءا من أي حل سياسي في سوريا، ولابد من محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم».
وطرح الخطيب بالاسم نائب الرئيس (فاروق الشرع) لتكون الشخصية المدنية المعنية بمفاوضات المرحلة الانتقالية، وبعض القيادين في الائتلاف لم يذكروا المنصب، لكنهم تمسكوا بأن يكون التفاوض مع شخص مدني من النظام بحسب تصريح وليد البني لوكالة «رويترز» في 14 من الشهر الجاري.
إن تحديد «الهوية المدنية» للأشخاص الذين يمكن التفاوض أو التحاور معهم بشأن المرحلة الانتقالية ربما تعكس غربة الائتلاف عن سوريا، إذن لا يوجد سوري يثق بأن أي شخصية مدنية مهما كان وزنها، تملك شيئاً من القرار، فالناطق السابق باسم الحكومة جهاد المقدسي قال في رسالة بعد فراره إن المعلومات التي لديه «لا تزيد عما يعرفه أي مواطن سوري»، وهذا اعتراف دقيق، ويلخص مدى ضحالة نفوذ المدنيين.
والمثال الآخر هو أن رئيس الحكومة المنشق رياض حجاب هرب حافياً من سوريا وفي رحلة استغرقت أياماً كلفت عشرات المدنيين ومقاتلي الجيش الحر حياتهم. فلا معنى مطلقاً للتفاوض مع شخصية لا تملك قراراً إلا ما تؤتمر به من أولئك الذين تم استثناؤهم من «التفاوض» بتعبيرات المعارضة، و«الحوار» بتفسيرات حلفاء النظام الدوليين.
إشكال
تستخدم معظم المؤسسات الحقوقية في دول الغرب، وحتى جامعة الدول العربية، مصطلح «الحكومة السورية» للدلالة على النظام. وهو تعبير مجحف للواقع السوري الذي تؤدي فيه الحكومة وظائف خدمية، ورئيس الحكومة فيها أشبه برئيس قطاع للبلدية، وهذا ما يمكن إثباته بسهولة من خلال متابعة اجتماعات الحكومة وقراراتها.
